دخلت أزمة الملف النووي الإيراني مرحلة جديدة بإصدار مجلس الأمن الدولي القرار1929 في9 يونيو2010, والذي يقضي بفرض عقوبات جديدة علي إيران, وهو القرار الرابع في هذا الصدد منذ عام2006 وفي الواقع, فإن هذا الحدث لم يكن مفاجئا بدرجة كبيرة علي خلفية حالة التصعيد التي شهدتها تفاعلات إيران مع المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة بسبب برنامجها النووي. فقد فشلت إيران في إقناع القوي الكبري بجدوي توقيعها علي الاتفاق النووي الثلاثي مع كل من تركيا والبرازيل في17 مايو الفائت, خصوصا أنها لم تلب مطلبهم الأساسي وهو وقف عمليات تخصيب اليورانيوم, بل زادت علي ذلك بالإعلان عن مواصلة التخصيب حتي مستوي20%, ومن هنا يمكن تفسير أسباب عدم تحمس الدول الكبري للاتفاق الثلاثي, والذي ترجمته في المسارعة بعرض مشروع قرار علي مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة علي إيران. هذا القرار الذي حظي بتأييد12 دولة في مجلس الأمن ورفض كل من تركيا والبرازيل وامتناع لبنان عن التصويت, يكشف عن أكثر من مضمون. الأول, أنه يختلف إلي حد ما عن القرارات الثلاثة التي صدرت بحق إيران منذ عام2006, في مدي ونوعية العقوبات التي يفرضها, فإلي جانب مجموعة من الشركات مرتبطة بالحرس الثوري والتي وضعت ضمن ما يسمي بالقائمة السوداء المحظور التعامل معها, قضي القرار بفرض حظر علي واردات إيران من ثمانية أنواع متطورة من الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدرعات والطائرات وأنظمة الصواريخ. كما نص علي إمكانية تفتيش السفن القادمة والآتية من إيران في حالة الاشتباه في أنها تحمل مواد محظورة يمكن أن تخدم برنامجها النووي, وعلي حظر الاستثمارات الإيرانية في مجالات استخراج اليورانيوم في الخارج. لكن رغم ذلك, لا يمكن القول إن هذه العقوبات سوف تجبر إيران علي انتهاج مرونة وتقديم تنازلات في ملفها النووي, لاسيما أنها نجحت في استيعاب القرارات الثلاثة الماضية دون أن تحدث تغييرا في سياستها النووية, كما أنها بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة في تمهيد الساحة الداخلية بالأساس لاستقبال قرار جديد بعقوبات عليها, حيث عرضت حكومة الرئيس أحمدي نجاد علي مجلس الشوري( البرلمان) مشروعا جديدا لخفض الدعم الحكومي بمقدار40 مليار دولار والاستعاضة عنه برواتب شهرية يتم دفعها للقطاعات الأكثر فقرا في البلاد, لكن مجلس الشوري أصر علي خفض الدعم بمقدار20 مليارا, خشية أن يؤدي ذلك إلي تصعيد حالة الاستياء الشعبي الداخلي ضد النظام, وارتفاع معدل التضخم في حالة استبدال الدعم برواتب شهرية للمواطنين. فضلا عن ذلك, فإن النظام الإيراني يتفنن في استثمار كل تفاعلاته مع الخارج لخدمة أجندته الداخلية, لاسيما لجهة تقليص حدة الأزمة السياسية التي يواجهها منذ أكثر من عام علي خلفية الاعتراض علي نتائج الانتخابات الرئاسية, ومن ثم سعي إلي الاستفادة من التزامن بين فرض قرار العقوبات وحلول الذكري الأولي للانتخابات الرئاسية بعد ذلك بثلاثة أيام فقط, لتكريس اتهاماته لحركة الاحتجاج بالعمالة للغرب والمساهمة في الضغوط التي يفرضها علي إيران للتخلي عن حقوقها الطبيعية كالحق في امتلاك دورة الوقود النووي. ويبدو أن المعارضة كانت مدركة لذلك, ومن ثم عزفت عن تنظيم مظاهرات صاخبة في طهران في ذكري الانتخابات لتفويت الفرصة علي النظام وفي الوقت نفسه تجنب الإقدام علي مواجهة مفتوحة قد تكون تداعياتها غير محمودة العواقب, خصوصا بعد رفض السلطات منحها ترخيصا لتنظيم مظاهرات. كذلك تبدو إيران مطمئنة نسبيا إلي موقفي الصين وروسيا, خصوصا أن الدولتين إذا كانتا قد أيدتا القرار الجديد, فإنهما نجحتا في تفريغه من البنود التي كان من الممكن أن تؤثر علي مصالحهما الاقتصادية مع إيران. إذ لم يكن واردا تطبيق قرارات بعقوبات تطول مجال الطاقة الإيراني, علي سبيل المثال, بسبب رفض بكين وموسكو لمثل هذه النوعية من العقوبات. وهذا السبب تحديدا يفسر الرد الإيراني المستهين بالقرار الجديد, والذي جاء علي لسان الرئيس احمدي نجاد الذي قال أن هذه القرارات ليس لها قيمة... إنها مثل منديل مستعمل يتعين أن يلقي في سلة المهملات, كما يفسر أيضا مسارعة دول الاتحاد الأوروبي واستراليا إلي فرض عقوبات علي إيران أكثر صرامة من العقوبات التي تضمنها قرار مجلس الأمن, طالت قطاعات رئيسية في صناعة الغاز والنفط وتجارة السلع ذات الاستخدام المزدوج والقطاع المصرفي والتأمين وقطاع النقل في إيران. من هنا, يمكن القول إن إيران ليست في وارد الاستعاضة عن علاقاتها مع بكين وموسكو, وهو ما بدا جليا في حرصها علي عدم توجيه انتقادات حادة للدولتين بعد القرار, لاسيما لجهة اقتناعها بأنهما أيدا فرض العقوبات الأخيرة حتي لا يتم فرض عقوبات أكثر تشددا, وأنها قد تواجه مشكلات عديدة في المستقبل القريب في حالة تراجع علاقاتها معهما, خصوصا أن المؤشرات توحي بأن القرار الأخير ربما يكون بداية لتطبيق سلسلة من العقوبات الدولية علي إيران كمرحلة أولي قبل التفكير في خيارات أخري في حالة ما لم تقدم إيران علي الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي أما المضمون الثاني, فهو أن القرار الجديد لا يهدف إلي إيقاف برنامج إيران النووي, خصوصا في ظل اقتناع الدول الكبري بأنه يتضمن عقوبات بلا أنياب, بما يعني أن الهدف الأساسي منه هو دفع إيران للدخول في جولة جديدة من المفاوضات مع مجموعة5+1 حول اتفاق تبادل اليورانيوم الذي طرحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أول أكتوبر2009, لكن بعد أن يتم تعديله ليأخذ في اعتباره الزيادة الملحوظة في كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي أصبحت تمتلكها إيران, والتي كانت أحد أهم التحفظات التي أبداها الغرب علي الاتفاق الثلاثي الأخير. هذا المعني تحديدا يؤكد أن الباب ما زال مفتوحا أمام التوصل إلي تسوية سلمية للأزمة من خلال المفاوضات, خصوصا أن إيران تبدو بدورها حريصة علي عدم الوصول إلي طريق مسدود مع الغرب, لأنها تدرك تماما أن ذلك يمكن أن يعرضها لتداعيات غير محمودة العواقب, خصوصا إن المؤشرات التي توحي بقرب التطرق إلي الخيار العسكري أصبحت تكتسب وجاهة ذات مغزي. ومن هنا, يمكن القول أن دبلوماسية حياكة السجاد المعقدة التي تتقنها إيران ربما تنشط من جديد للبحث عن حلول جديدة للأزمة النووية.