هل يمكن لأحد أن يصدق الأكاذيب الإسرائيلية الجديدة التي أطلقتها تقارير صحفية تدعي أن الرئيس محمود عباس أبو مازن يعارض رفع الحصار البحري عن غزة لأنه يدعم نفوذ حماس, وأن مصر التي تكسر الحصار علي غزة الآن تؤيد هذا الموقف؟! جاء هذا الكلام المغلوط في صدر صحيفة إسرائيلية عقب زيارة أبو مازن لواشنطن زاعمة أن الرئيس الفلسطيني قاله لأوباما!! لم تكن هذه الفرية علي الفلسطينيين وعلي الضفة وغزة هي الأولي ولن تكون الأخيرة. فإسرائيل المستفيد الأول من الانقسام الفلسطيني لن تتأخر عن تكريسه بكل الأساليب والطرق, وعندما تجد نفسها مكشوفة ومفضوحة علي المستوي العالمي لمسئوليتها كدولة محتلة عن حصار وتجويع1.5 مليون فلسطيني يسكنون غزة, فإنها تبحث عن شركاء لجريمتها أو شبكة إنقاذ ماء وجه تخفف عنها الضغط العالمي, فتترك الحبل لإعلامها ليكذب, ولكن الكذبة جاءت هذه المرة عارية من أي شيء يسترها.. لقد نجحت زيارة عباس لواشنطن فأرادت الأكاذيب الإسرائيلية التغطية عليها.. وعلينا هنا أن نشير إلي أن عباس حصل علي دعم أمريكي لغزة يتمثل في400 مليون دولار, وحصل علي نقاط محددة للاستمرار في حل مشكلة الدولة الفلسطينية المنتظره ومسارات الحل. كما جاءت الأكاذيب الإسرائيلية عن مصر هذه المرة.. مفضوحة أيضا وعارية.. فمصر هي التي تكسر الحصار الإسرائيلي علي غزة بفتح معبر رفح يوميا, وجاء قرارها باستمرار فتح المعبر عقب الجريمة الإسرائيلية الفجة علي أسطول السفن وخاصة السفينة مرمرة التركية التي راح ضحيتها عشرات من النشطاء الدوليين بمثابة رسالة واضحة تؤكد رفض مصر تلك الممارسات الإسرائيلية العدوانية والاستخدام المفرط للقوة في قضية إنسانية بحتة. المحاولات الإسرائيلية للإفلات من دفع ثمن جريمتها لن تجدي, فعليها أن تعترف بالجريمة وتداعياتها, وتسلم بإنهاء الحصار بكل أشكاله, وفتح كل المعابر مع قطاع غزة, وألا تستخدم الأوضاع الفلسطينية الداخلية, وخاصة خطيئة الانقسام بين الضفة وغزة لاستمرار الاحتلال, ولضرب عرض الحائط بحقوق الفلسطينيين في الحياة والسيادة, وإنهاء الاحتلال ورفع المعاناة القاسية عن الشعب الفلسطيني, سواء في الضفة أو غزة وأن تتحلي إسرائيل بشجاعة المسئولية, وتعترف بأخطائها وجرائمها, وتسلم بحقوق الفلسطينيين فهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذها, وليس بالأكاذيب عن مسئوليات الآخرين عن الحصار, فهي التي تغلق المعابر وهي التي تقف ضد حقوق الفلسطينيين. ولكن يبقي أن نذكر الفلسطينيين والعرب بحتمية أن ينهوا الانقسام بين الفصائل المتناحرة, ويجب علي حماس, ألا تستغل زيارة عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية لتكريس الانفصال, خاصة أن هذه الزيارة جاءت في موعد الذكري الثالثة للانقلاب العسكري لحماس علي السلطة الوطنية الفلسطينية(2007/6/14) والذي يعد يوما من أسوأ الأيام علي الفلسطينيين في كل تاريخهم, إنه بحق يوم أسود, فهو اليوم الذي جدد ذكري أكثر الأيام إيلاما في حياة الشعب الفلسطيني, بل إنه قد يتساوي مع ذكري النكبة عام1948. فلم يسبق أن قتل أكثر من1000 فلسطيني بالسلاح الفلسطيني, كما أن مبررات الانقلاب جاءت واهية لاستخدامه الأساليب الإسرائيلية في التفكير, باعتباره حركة استباقية ضد فتح, ولقد كانت هذه الحركة والانقلاب الحمساوي أكبر خدمة فلسطينية قدمت لإسرائيل, حيث حمت الحدود الإسرائيلية تماما, وأنهت كل أساليب المقاومة لتكريس قيام دويلة فلسطينية إسلامية في غزة علي حساب قضية التحرير الفلسطيني كله, بل فتح الباب لتضم ما تبقي للفلسطينيين من أمل في التحرر وقيام الدولة. لم تأت زيارة السيد عمرو موسي لغزة برغم توقيتها الخطأ والمتأخر جدا لتدعيم الانفصال بين غزة والضفة, أو لتدعيم شرعية حماس في غزة. وقد كان علي الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يراعي الحساسيات الفلسطينية والعربية, وأن يكرس وقته ومجهود الجامعة لإنهاء الانقسام الفلسطيني باعتباره مدخلا صحيحا وعمليا لإنهاء الحصار علي غزة وعلي كامل الشعب الفلسطيني. ولا ننهي هذا الرد السريع أو المعالجة إلا بالإشارة إلي موقفين لمصر بفتح الحدود وبالسماح بمرور مئات الأطنان من المواد التموينية والعتاد الطبي إلي غزة, قادمة من الهلال الأحمر المصري ومن الإمارات والسعودية, دون ضجيج ودون استغلال معاناة الفلسطينيين في المتاجرة سياسيا. وفي هذا المقام نحيي محمود عباس والسلطة الفلسطينية لإصرارهما علي المصالحة مع غزة بدون كلل أو ملل, ورفضهما الحصار الإسرائيلي علي غزة عبر رفضهما للعملية الإسرائيلية القذرة في البحر المتوسط ضد السفن التركية. ونكرر أن الاختبار الحقيقي لكل الأطراف خاصة الفلسطينيين هو في توقيع اتفاق المصالحة, لأن بنده الثاني ينزع من إسرائيل ورقة فرض الحصار. وعلي كل الذين يحاولون ويكرسون العودة بالقضية الفلسطينية إلي الوراء, وتحويلها إلي قضية لاجئين ينتظرون المعونات, أن يتوقفوا.. لأن هذا يعني تراجعا تاريخيا للقضية الفلسطينية وعودتها إلي الوراء. وعلينا جميعا أن نركز الاهتمام علي القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية.. قضية شعب يبحث عن تقرير المصير, وحاصل علي الاعتراف الدولي بحقوقه ومستقبله ودولته, وأن تعود إسرائيل في المنطقة إلي حجمها الطبيعي عبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما نحيي الموقف التركي, وخاصة موقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان, الذي وقف أمام كل من يحاولون أن يصطادوا في المياه العكرة للشرق الأوسط, بجره إلي التناقض في المساعي المصرية للمصالحة بين الفلسطينيين.. بإعادته التذكير في الاجتماع الأخير بين العرب والأتراك في اسطنبول بأن تركيا تدعم الدور المصري في إقرار المصالحة وعلي الأطراف التي تلعب اللعبة المزدوجة أن تكف عن استخدام معاناة الفلسطينيين لإشاعة الفرقة بينهم, ودفعهم بعيدا عن العملية السلمية وتكريس الانقسام. إن قضية فلسطين تمر بمنعطف خطير, وسيظل هذا اليوم(14 يونيو)2007 ذكري سوداء في تاريخ الفلسطينيين.. ذكري الانفصال بين الضفة وغزة, وسوف تتحمل حركة المقاومة حماس المسئولية عن نتائج هذا الانفصال أمام الضمير الفلسطيني والعربي وأنها كانت الأداة التي استخدمتها إسرائيل للإجهاز علي ما تبقي من الحقوق الوطنية للفلسطينيين في التحرر وإقامة الدولة المستقلة بعد الاعتراف الدولي بهم, والضغوط العالمية لإعطائهم هذا الحق لأول مرة في تاريخهم منذ الحرب العالمية الثانية ومنذ قيام إسرائيل علي أراضيهم. .. الأخطر هو أن الضمير الإسلامي وكل الحركات الإسلامية في عالمنا, ستتحمل هي الأخري وزر إجهاضها مشروع الدولة الفلسطينية لمصلحة إسرائيل لتأييدها الحركة الانفصالية والانقلاب العسكري في غزة ومسمي اسلاميا لان دويلة اسلامية اهم لديهم من تحرر شعب فلسطين وقيام دولته, وجريمة الانقسام لن تدفع ثمنها فتح وحدها, ولكنها ستكون علي حساب كل العرب والفلسطينيين جميعا, بل وستؤثر بشدة علي مستقبل منطقة الشرق الأوسط واستقرارها. [email protected] المزيد من مقالات أسامه سرايا