بعد ان شاهدت فيلم الثلاثة يشتغلونها وسط الجمهور تمنيت أن يأتي اليوم الذي يتحرر فيه الكتاب المعنيون بالتعليق علي الأفلام من أي حسابات. وتمنيت أيضا ان يأتي اليوم الذي يسمح لنا فيه ان نقول شاهدوا هذا الفيلم أو لاتشاهدوه وبعد ان شاهدت فيلم الثلاثة يشتغلونها اقولها بصراحة شاهدوا هذا الفيلم فهو يحمل رسالة وقيمة وفكرا فهو فيلم طازج في فكرته وموضوعه ولكن اسوأ مافيه اسمه ودعايته التي فرغته من مضمونه وتشويقه ومابه من كوميديا ورسالة مهمة للأجيال الحالية وأجيال المستقبل, واجمل مافيه كل الذين عملوا وأسهموا في هذا الفيلم ياسمين عبد العزيز وعلي إدريس ويوسف معاطي وأمير المصري ونضال الشافعي وشادي خلف وصلاح عبد الله ورجاء ولطفي لبيب ومحمد لطفي وهالة فاخر ويوسف داود. فيلم الثلاثة يشتغلونها يصنف علي انه فيلم كوميدي ولكن في الحقيقة كانت الكوميديا تحمل وجعا وكشفا عن أمراض هذا العصر وكل العصور والتي تتجسد في محاولة قوي ثلاث مستمرة مع استمرار الوطن جميعا يريدون السيطرة علي المجتمع كل فريق باسلوبه وطريقته المهم الاشتغالة أو الاستغلال من اجل مصالح مادية وليس هناك شيء آخر. ملخص الفيلم حول فتاة تدعي نجيبة متفوقة دراسيا تصم وتحفظ المناهج عن ظهر قلب ولهذا كان من السهل ان تحصل علي المركز الأول علي الجمهورية في الثانوية العامة بنسبة101%, ولكنها لاتعرف في حياتها أي شيء آخر فكل حياتها قائمة علي الحفظ وليس الفهم, فهي لاتعرف برامج التليفزيون ولاتعرف أي شيء إلا ماحفظته وهو المثال الحي والذي نعاني منه طوال العصور وفي كل المجالات وهناك مقولة نرددها ونطلقها دائما علي من هم أقرب الي الغباء بقولنا دا حافظ مش فاهموعندما تدخل الفتاة الجامعة تصطدم بين رغبة والدها الذي يريدها دائما متفوقة ورغبة امها التي تريدها تتزوج من طالب من الاثرياء وذلك في الوقت الذي يتم فيه طرد والدها من الشركة التي يعمل بها بحجة الأزمة المالية وهنا تضطر للعمل مدرسة في المدرسة التي درست فيها لكي تساعد اسرتها إلي جانب دراستها الجامعية وبدخولها الجامعة تبدأ حكاياتها مع المجتمع متعدد الألوان والأفكار فتلتقي بشاب ابن لاحد الحرامية الكبار وهو يمثل الشباب الذين يقلدون الغرب بلا فهم وهو طالب فاشل وهي تسعي للتقرب منه حسب وصية امها, وهو من جانبه يسعي إليها لمعرفته بنبوغها وتفوقها ومن اجل الاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه تقلد الغرب بلافهم ويعدها الطالب بالزواج إذا ساعدته في ان يغش في الامتحان وهو مايحدث فعلا وينجح وهي ترسب ولكن تكون نهايتها معه التنصل من كل ماقاله لها وان ما كان بينهما هو فقط اشتغالة, ثم تتعرف علي احد الاعلاميين المناضلين وما اكثرهم في إيامنا هذه الذين يتاجرون بآلام الفقراء في الليل والنهار وهم ابعد مايكونوا عن الفقراء والناس ويسعي لضمها لحركة خنقتونا وتفاجئ انه ابعد اخلاقيا واجتماعيا عن الحديث باسم الفقراء وان مايقوم به هو وجماعته ماهو إلا تجارة بآلام الفقراء وبعد ان جربت واقتربت من النموذجين السابقين ووسط حالة الاحباط والتخبط التي كانت عليها تكون قد استوت واصبحت مهيأة تماما ليدخل عليها المتاجرون بالدين, فالجميع يستغل قدرتها علي الحفظ بلا فهم وبعد ان لبست السواد يدعوها احد هؤلاء الذين يتاجرون للعمل معه في محطته ويعرض عليها الزواج لتنضم لزوجاته في الوقت الذي يسيطر عليها تماما يبث سمومه في عقلها ومن بينها ان دراسة تاريخ مصر الفرعوني نوع من الكفر ولم يكن امامها وزملائها إلا التوجه لمتحف الكلية وتكسير الآثار ولكن تفاجئ أيضا انه يستغلها فعند أول مشكلة تواجهها بسبب افكاره التي سبق وبثها في عقول الشباب وآخرها النيل من حضارة الوطن يكون مصيرها الطرد من العمل وليس فقط بل والتنكر لها وكأنها هي السبب وليس هو وامثاله وافكارهم التي اخرت الشباب عن العلم والمعرفة وكل الكوراث سببها ان الشباب يحفظوا ولايفهموا وان الجميع يبيع الآخر ويضحي به من اجل نفسه ومن اجل جمع أكبر قدر من المال باسم الفساد او الدفاع عن الفقراء أو التدين. وعلي التوازي من حكاياتها هناك حكايات مع الأطفال الذين تقوم بتعليمهم, ففي البداية كان كل همها فقط ان يحفظوا مثلها ويصموا المناهج وفي كل تحول فكري لها يتحول الفصل الدراسي الذي تقوم بالتدريس فيه مثل افكارها في اول مرة هي متحررة بلافهم ويتحول معها الأطفال, ثم مناضلة باسم الشعب الفقير وتقود مظاهرات بلا فهم وبلاوعي وعندما ترتدي السواد تجبر الأطفال علي ارتداء الجلاليب والملابس السوداء للتلميذات. فيلم الثلاثة يشتغلونها من الأفلام المهمة التي قدمت في السنوات الأخيرة بكل مافيها من افكار حتي ولو كانت مباشرة ولكنه فيلم يكشف كل المتاجرين باوجاع الناس وهو أيضا فيلم تصدقه ومؤكدا انه سيعيش طويلا لانه فيلم حقيقي قال كل شيء من دون رغبة وهتاف, كان المؤلف يوسف معاطي موفقا في اختيار اسم البطلة نجيبة وأيضا في دخولها كلية الآثار التي تعني الوطن مصر بكل مافيه من حضارة7 آلاف سنة ولكن الدعاية قد تضر به لانها تقدمه علي انه فيلم أطفال والحقيقة هو فيلم لجميع الاعمار وفكرته اعمق بكثير من سعي صناعة لجذب الجمهور علي حساب القيمة لانه ببساطة يعرض القضية الكبيرة التي تخاطب الشباب وهي حافظ واللافاهم. ياسمين عبد العزيز قدمت واحدا من اجمل ادوارها بفهم وبلا مبالغة وقدرة فائقة علي إظهار كل التفاصيل الصغيرة للشخصيات التي لعبتها واثبتت انها فعلا تستحق ان يكون لها افلام تحمل اسمها, وعلي إدريس يؤكد انه مخرج كبير ومخضرم وان معايشته للناس والعيش وسطهم افادته كثيرا لانه كان بعيدا عن المبالغة وانما يشعر من يشاهد الفيلم انه جزء من هذه الاشتغالة او الاستغلال الذي نتعرض له يوميا باسم كل شيء إلا الوطن سواء في الاعلام او هتاف المناضلين اما الثلاثة وحسب الترتيب فالأول: رمز ابن الفساد والغش والثاني: المتاجرون بالفقراء من الاعلاميين والمثقفين, والثالث: رمز ادعياء التدين وهم: أمير المصري ونضال الشافعي وشادي خلف وقد لعب كل منهم شخصيته باتقان وفهم. ويبقي ان نقول كلمة للمؤلف يوسف معاطي فهو صاحب الافكار الطازجة المليئة بالضحك والهموم والتي تكشف كذب المدعين من المتاجرين بالناس في الأحزاب والفضائيات والمدارس والجامعات وهو اراد ان يقول كلمته بكل وضوح للشباب والكبار وعليهم ان يفهموا ويعوا ولايحفظوا ولايرددوا كلاما لايفهمونه لان الحفظ بلا فهم هو ما يتراجع بالوطن للتخلف اما الفهم فسيقود للإبداع والتمتع بجمال الوطن وحضارته بعيدا عن هتاف الهتيفة او تخويف من يدعون التدين أو من يستغلون خيرات الوطن.