إلا إسرائيل. فأقصي مدي يمكن أن تصل إليه بريطانيا في الضغط عليها هو النقد الحريص الموزون بميزان الدبلوماسية بالغ الحساسية. أما مجرد التفكير في عقاب أو مقاطعة إو اجبار علي الالتزام بشئ لا تريده إسرائيل فهو غير وارد في قاموس السياسة الخارجية لحكومة بريطانيا الجديدة. الأمر الجديد الوحيد في هذا القاموس هو الإعلان الرسمي عن هذا الموقف. وهذا ما حدث بعد اعتداء اسرائيل العسكري علي السفينة التركية' مرمرة' كبري سفن أسطول الحرية في البحر المتوسط الاسبوع الماضي. فرغم أن ويليام هيج وزير الخارجية البريطاني وصف الوضع في غزة بأنه' غير مقبول وغيرقابل للاستمرار' وهو وصف غير مسبوق في سجل مفردات السياسة الخارجية البريطانية تجاه القضية الفلسطينية فإنه لم يكن سوي صدي صوت نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون. وقد توقع عدد من أعضاء مجلس العموم(البرلمان) البريطاني أن يكون ذلك بداية تغير في سياسة بريطانيا تجاه إسرائيل بعد' موقعة مرمرة'. غير أن الأمل خاب. ففي جلسة المجلس يوم الثاني من الشهر الحالي احتشد النواب للاستماع إلي بيان هيج حول الأزمة. فجاء صادما للأغلبية الكاسحة من النواب الذين أصروا علي سؤال الوزير عن موقف بريطانيا. ومن بين35 نائبا سمح لهم بالسؤال لضيق الوقت لم يؤيد سوي ثمانية أعضاء اسرائيل وسياستها. خاطب هيج النواب محددا أسس الموقف البريطاني: إستنكار خسائر الأرواح وليس إدانة الفعل العسكري الاسرائيلي, السعي لمعرفة ما إذا كان يمكن للجيش الإسرائيلي بذل جهد أكبر لتجنب الخسائر, لوم المشاركين في أسطول الحرية لأنهم ركبوا السفن في المياه الدولية في ظرف ليس استثنائيا حماس أحد المسئولين عن الكارثة. الصدمة كانت أكبر عندما حاول هيج تبرير الموقف الإسرائيلي الممتنع عن إطلاع بريطانيا علي مصير37 بريطانيا كانوا مشاركين في الأسطول. وقال إنهم كانوا في السجن وليس رهن الاعتقال!! وأن تل أبيب أبلغته بأن توضيح موقفهم يحتاج إلي بعض الوقت. وردت عليه المعارضة بان هؤلاء37 شخصا فقط وليس37 ألف شخص كي تستغرق تل أبيب يومين علي الأقل لابلاغ لندن بمصير رعاياها. سئل هيج: لماذا لا تفرض بريطانيا عقوبات علي اسرائيل كي توقف جرائمها وخرقها للقانونين الدولي والإنساني ولماذا لا تعمل علي تعليق اتفاق الشراكة بين تل أبيب والاتحاد الأوروبي حتي تدرك أنها لابد أن تحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني ورد الوزير: لا أعتقد أن العقوبات سياسة صحيحة في التعامل مع اسرائيل. السياسة الصحيحة هي حث اسرائيل علي تغيير نهجها( في حين أن أول تصريح لهيج بعد توليه الوزارة وقبل حتي زيارته إلي واشنطن كان تأكيد إصرار بريطانيا علي الضغط علي إيران بالعقوبات بسبب جريمة لم يثبت أنها ارتكبتها). وبالنسبة للقانون الدولي فإن الحكومة البريطانية الجديدة تري أن المشكلة تكمن في أن لدي إسرائيل رؤية مختلفة له وأن مهمة بريطانيا وغيرها هي إقناع الاسرائيليين بتغيير هذه الرؤية. ولما سئل عن سبب عدم جرأة بريطانيا في وصف حصار غزة وما حدث في البحر المتوسط بأنه غير قانوني رد بالآتي: لا شك أن حكومة اسرائيل لديها رؤية قانونية مختلفة. فهم يرون أن الحصار قانوني لأنهم يتصرفون دفاعا عن النفس لذا فإن المهم هو ضرورة إقناعهم بأن الحصار لا يخدم مصالحهم الامنية وأن تغيير السياسة مطلوب بإلحاح. ورغم تكرار السؤال من جانب بعض النواب اليهود الذين كان بعضهم يؤيد اسرائيل بشدة مثل النائب سير جيرالد كوفمان فإن هيج كان رابط الجأش ولم يذهب لأكثر من وصف الحصار بأنه' خطأ لا يخدم مصلحة إسرائيل'. وهذا يعني انه مالم تغير اسرائيل رؤيتها فإن شيئا لن يتغير. وهذا ما قلل من مصداقية كلام هيج عن أن حكومته تري ضرورة رفع القيود المفروضة علي غزة وتوصيل المعونات الإنسانية بشكل دائم وتخفيف الوضع الإنساني والاقتصادي في القطاع. كما لا يجعل النواب البريطانيين يصدقون أن حكومتهم تري فعلا أن عدم الاستجابة لمثل هذه النداءات يؤدي إلي مآساة مستمرة في غزة. وهذا أيضا ما يجعل الحملة الأوروبية لكسر حصار غزةولندن أحد مقارها الرئيسية تتشكك كثيرا في أن يكون وصف هيج للوضع في القطاع بانه غير مقبول وغير قابل للإستمرار. ويفسر الدكتور عرفات ماضي مدير الحملة تصريح وموقف هيج بأنه تابع لأمريكا. ويضيف' لو جاء موقف واشنطن أضعف من وصف الكارثة في غزة بأنها غير مقبولة وغير قابلة للإستمرار لجاء موقف هيج بنفس الضعف'. ويدلل علي ذلك بأن الخارجية البريطانية كانت بطيئة للغاية مقارنة بخارجيات الدول الأخري في متابعة أوضاع رعاياها سواء علي الأسطول أو بعد أن اعتقلتهم اسرائيل. وتوقع عرفات أن يثير تباطوء لندن في مساعدة رعاياها أو الضغط علي اسرائيل لتوضيح موقفهم اسر هؤلاء الرعايا بعد أن يعودوا جميعا إلي لندن. ليست التبعية لأمريكا هو التفسير الوحيد. فبريطانيا تري أن أقصي ما يمكن فعله للفلسطينيين هو التركيز علي المعونات. ويقول الدبلوماسيون البريطانيون دائما إنه بلادهم ثاني أكبر مانح لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين( أونروا). وبعد خطاب هيج في البرلمان سعت وزارته في إلقاء الضوء علي هذه المساعدات لفلسطينيي غزة. ووفقا لتقاريرها فإن بريطانيا قدمت في الفترة بين شهر ديسمبر2008 ويناير2009 أكثر من24 مليون جنيه استرليني كمعونات إنسانية عاجلة ودعما لأنشطة لتعمير غزة وعندما يسأل الدبلوماسيون البريطانيون عما تفعله بلادهم سياسيا يقولون' نحن نضغط علي إسرائيل'. لكنهم لا يعطون أي أمثلة لاشكال الضغط. وهم دائما ينصحون بالانتباه إلي حقيقة أن' بريطانيا ليست بالقوة التي تمكنها من اتخاذ إجراءات فعلية لتغييرسياسة إسرائيل'. ولذا يقولون علي استحياء' لا تتوقعوا أو تطلبوا منا أكثر مما يمكننا عمله'.