أوضح التقرير السنوي للجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية, الذي صدر أخيرا, أن عدد القنوات الفضائية في نهاية عام2009 قد بلغ696 فضائية عربية. وأن عدد الهيئات التي تبث أو تعيد بث قنواتها الفضائية علي شبكاتها قد بلغ398 هيئة منها26 هيئة حكومية و372 هيئة خاصة وأن عدد الأقمار المستخدمة في البث بلغ17 قمرا صناعيا من أهمها عرب سات ونايل سات ونور سات. كما أوضح نفس التقرير أن الشبكات الحكومية تضم97 قناة منها49 قناة شاملة و48 متخصصة مما يعني زيادة نسبتها بمقدار28% عن النسبة التي وردت في تقرير اللجنة السنوي لعام2008/2007, كما أوضح التقرير أن الشبكات الخاصة تضم599 قناة منها161 قناة شاملة و438 متخصصة وأن عدد الفضائيات الاخبارية في العالم العربي قد بلغ34 قناة تمثل7% من البث الفضائي. من جانب آخر فقد أوضحت دراسة صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار قبل عامين, أن عدد المدونات في مصر آنذاك بلغ160 ألف مدونة مثلت30.7% من مدونات العالم العربي و0.2% من اجمالي المدونات علي مستوي العالم وأن عدد المدونين بلغ162 ألف مدون موزيعين بين القاهرة(82.2%) والوجه البحري(11%) والقبلي(6.8%). وقد أوضحت ذات الدراسة أن مجالات اهتمامات المدونين مقسمة كالتالي:18.9% سياسة و15.5% شخصي و4.4% فنون وثقافة و7% ديني و8,4 اجتماعي و4% للعلوم. والحقيقة أن كلا من نتائج تقرير اللجنة العليا للتنسيق بين الفضائيات العربية ونتائج دراسة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري لا تعكس فقط المتغيرات التي طرأت علي الاعلام العربي والمواطن العربي ومحاولات استثمار وتوظيف التطور التكنولوجي والثقافة البصرية. بل أيضا حالة الحراك المجتمعي الذي يعيشها المواطن العربي الآن والتحرر من سلطة الاحتكار الأجنبي أو الحكومي للمعلومة والتعرض لمختلف الآراء والتيارات وزيادة مساحات الاختلاف أو الاتفاق في وجهات نظر بعينها مع ذلك, فبالرغم من الجوانب الايجابية التي رصدتها كثير من الدراسات لعملية الاقبال علي المشاركة بالرأي والحوار عبر الفضائيات وفي فضاء الانترنت, إلا أن معظمها يلاحظ غياب منهج الحوار البناء في كثير من الأحيان في البرامج الفضائية وأن معظم القضايا التي يتم تبادل الرأي حولها لا يتم الوصول لحلول لها أو رؤي واضحة حولها, إما بسبب تدني مستوي الحوار واستخدام العنف اللفظي والمنطق العاطفي أو التعصب وعدم قبول الاختلاف والرأي الآخر أو افتقاد القدرة علي تبادل وجهات النظر واحترام الآخر. والحقيقة أن ما يطلق عليه اليوم المتخصصون مفهوم غياب ثقافة الحوار أو حوار الطرشان قد بات يفرض علينا أن نتساءل عن الدور الذي تلعبه هذه الحوارات المشتعلة في الفضائيات وفي الفضاء الافتراضي للانترنت في تشكيل رؤي وآراء وسلوكيات المواطن العادي علي أرض الواقع, خاصة أن الوسيلتين أصبحتا تشكلان ظاهرة حقيقية وعامل جذب لا يقاوم, سواء للشباب علي ساحة الانترنت أو الفئات الأكبر سنا عبر البرامج الحوارية التي تستقبل مشاركات الجمهور. ولعل التساؤل السابق يكتسب أهمية أكبر اذا ما أدركنا أن عددا من القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية في سعيها المحموم لاجتذاب الجمهور المعلن تخلت عن الكثير من أدبيات مواثيق الشرف الاعلامي والمهنية وأنها في عدد من الحالات تخطت الخيط الرفيع الذي يفصل بين الجرأة والشفافية المطلوبتين بشدة, ليتحول الأمر لمعارك لفظية ومحاولات لقهر الطرف الآخر في الحوار, بداية من عملية اختيار الضيوف والمقعد الذي يجلس عليه الضيف, انتهاء بالمقاطعات وعدم الحيدة في توزيع المدد الزمنية بين الضيوف أو حظر نشر الرأي المخالف علي الموقع أو محاصرة الضيف في البرنامج لمنعه من التعبير عن فكرته كاملة, الأمر الذي يؤدي في النهاية لنفي الآخر والتكريس لروح الفرقة والتعصب بدلا من ثقافة الحوار. مما سبق تتضح مدي أهمية الأطروحة التي قدمها الباحث محمد عبده بدوي لنيل درجة الماجستير من كلية الاعلام بجامعة القاهرة والتي حصل بموجبها علي الدرجة بتقدير امتياز. ففي دراسته التي اختار لها الباحث عنوان دور البرامج العربية في دعم ثقافة الحوار بين الجمهور العربي, أشار الباحث لمنهج الحوار باعتباره ضرورة انسانية وحضارية سواء بين اطياف وجماعات المجتمع الواحد أو بينهم وبين الثقافات والمجتمعات الأخري, وأوضح أهمية برامج الرأي في مجتمعاتنا العربية والدور الذي يمكن أن تلعبه علي صعيد القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية. وقد أورد الباحث عددا من النماذج للدور السلبي الذي لعبته البرامج الحوارية, من بينها أداء بعض الفضائيات العربية أثناء حرب غزة في ديسمبر2008 مما أدي إلي إذكاء الصراع بين الدول العربية وتقسيمها إلي ما يعرف بدول الاعتدال والممانعة. وقد رصد الباحث في عدد من الحالات تدني لغة الحوار وتشنجه واتهام كل طرف للآخر بالعمالة والخيانة. وفي اطار محاولة التعرف علي اتجاهات الجمهور العربي نحو مستوي الحوار في برامج الرأي والعناصر التي يجب توافرها في هذه البرامج لرفع مستوي الحوار وتحديد مدي التزام برامج الرأي بآداب الحوار وأخلاقياته والتعرف علي واقع مستوي ثقافة الحوار في العالم العربي وأساليب الارتقاء بها, عمد الباحث الي انتقاء عينة بحثية من جمهور المشاهدين تمثل منطقة وادي النيل( مصر والسودان) ومنطقة الشام والمشرق العربي, ومنطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية, ومنطقة المغرب. وقد خلص الباحث إلي أن غالبية افراد العينة المكونة من اربعمائة شخص تعتبر برامج الرأي بمثابة منفذ جديد للتعبير وانها تلعب دورا في تطوير العملية الديمقراطية في المجتمعات العربية. وقد أوضحت النتائج ضعف برامج الرأي التي تبثها القنوات الرسمية بالمقارنة للقنوات الخاصة, اذ اختارت نسبة78.3% من العينة قناة الجزيرة وجاءت العربية بنسبة37.5% مقابل11% للفضائية المصرية. وبالنسبة لأكثر البرامج جاذبية للمشاهد, حظي برنامج الاتجاه المعاكس بنسبة61% وبرنامج أكثر من رأي بنسبة35.5% والبيت بيتك بنسبة31% ومنبر الجزيرة ب30.3%. وقد أشار نصف افراد العينة إلي ان الموضوعات السياسية هي أكثر الموضوعات افتقادا لثقافة الحوار حيث تكثر ظاهرة مقاطعة الضيوف وغياب دور مقدم البرنامج في ضبط وتوازن الحوار. كذلك أكدت نسبة كبيرة من العينة أن الأسلوب الانفعالي يغلب علي الحوار في هذه البرامج وأنه أحيانا يتم استخدام ألفاظ غير لائقة وايماءات بالوجه وبحركات الأيدي. كذلك فقد أوضحت45% من العينة قناعاتهم بأنه لا تتاح لهم فرص كافية للمشاركة في برامج الرأي العربية, بينما أكد أكثر من نصف مفردات العينة علي أن وجود تعددية في الآراء المطروحة في برامج الرأي ضرورة لرفع مستوي ثقافة الحوار في هذه البرامج. كذلك فقد أثبتت النتائج أن أفراد العينة يرون أن بعض مقدمي البرامج يميلون لإشعال الخلاف بين الضيوف واختار نصف افراد العينة الأسلوب الانفعالي كسمة غالبة في برامج الرأي. ولعل من أهم النتائج التي توصل لها الباحث العلاقة الطردية بين مستوي الحوار في برامج في الفضائيات العربية وبين مستوي ثقافة الحوار في الواقع الفعلي, الأمر الذي يشي بأهمية ضرورة توافر آليات تدعم الحوار العقلاني في الفضاءات الافتراضية وعلي شاشات الفضائيات, فربما تكون تلك الآليات أول الطريق لنتعلم كيف نختلف وكيف نتحاور علي أرض الواقع.. [email protected]