لا يمكن أن نتناول قضايا الثقافة والمؤتمر الثقافي المنتظر عقد جلساته الأولي بعد أيام دون أن نتوقف عند أهم رموزها قاطبة, ونقصد به د. علي الدين هلال الذي يجمع بين صفة المثقف الفاعل والمثقف العضوي معا. خاصة أن العمل في مجال الثقافة له نفس أهمية العمل في مجال الإصلاح الاقتصادي أو السياسي, بل أقول إنه-كما حرص د.علي الدين أن يكرره أكثر من مرة هنا- أكثر أهمية لأن الإصلاحات الدستورية والتشريعية أو التغييرات في النظم الاقتصادية لا تستقر في المجتمع إلا بتقبل أغلبية الناس لها واعتبارها جزءا من منظومة القيم الثقافية السائدة في المجتمع... إنه حوار مع المثقف وأمين لجنة الإعلام و الفاعل في مؤتمر المثقفين القادم ما هو الجديد في هذا المجال ؟ أول جديد هام هو قيام المجلس الأعلي للثقافة بالإعداد لمؤتمر للمثقفين المصريين وسوف يناقش المجلس في اجتماعه القادم31 مايو مشروع المؤتمر كما أعدته اللجنة التحضيرية والتي وصلت الي تحديد أربعة محاور أساسية هي: أولا السياسات والاستراتيجيات الثقافية وثانيا المنظمات والمؤسسات الثقافية وثالثا الثقافة العلمية والتنوير ورابعا الحقوق والحريات الثقافية.. ويتضمن كل محور العديد من أوراق العمل وجلسات المناقشة, وتتعرض الأوراق لموضوعات مثل تحديث البنية لمؤسسات العمل الثقافي وتكامل الثقافة والإعلام وتكامل الثقافة والتعليم والتطرف وثقافة الدولة المدنية ويطرح مشروع لميثاق مصري لحرية الفكر والإبداع وعشرات الموضوعات الأخري.. وأعتقد أن هذا المؤتمر سوف يكون فرصة للتفاعل والحوار بين المثقفين المصريين لتشخيص حالة الثقافة اليوم والتحديات التي تتعرض لها وأساليب النهوض وتحقيق التنمية الثقافية.. إذن, كيف يمكن للمثقفين أن يشاركوا في هذا المؤتمر.. وما هي الوسيلة لذلك؟ -بالطبع فإن المجلس الأعلي للثقافة لا يحتكر هذا العمل, بل هو عمل ثقافي وطني يستفيد من كل الإسهامات والإضافات وأقترح علي صفحتكم بالأهرام أن تبدأ حوارا حول هذا الموضوع يطرح فيه المثقفون المصريون توقعاتهم عن المؤتمر وأفكارهم بشأنه, وأعتقد أيضا أن المجلس الأعلي للثقافة سوف يضع هذا الموضوع علي موقعه علي شبكة الإنترنت لكي يعطي لأكبر عدد من المثقفين المصريين فرصة المشاركة والإسهام. كيف تري بشكل شخصي رؤية المثقف المصري_ رؤيتكم وخبرتكم الشخصية؟ الآمال والتطلعات كثيرة, إنني أتطلع أن يكون في انعقاد هذا المؤتمر ما يدعم ثقافة العلم والتغيير والمواطنة.. هذا علي المستوي النظري, وأن يؤدي إلي تفعيل المؤسسات الثقافية التي تتصل مباشرة بجمهور الناس, وأقصد هنا هيئة الثقافة الجماهيرية.. وأن يكون لديها من الموارد وحرية الحركة ما يسمح لها بنقل هذه القيم والمفاهيم إلي أكبر عدد من الناس.. دعنا نتحدث عن كل عنصر مما ذكرت; فماذا تقصد بثقافة العلم؟ ثقافة العلم هنا هي ثقافة العصر الذي نعيشه, هذا العصر لا يعرف إلا لغة العلم, والعلم كان هو القاطرة التي شدت مجتمعات عديدة من التخلف إلي التنمية, لابد أن أحدد ماذا أقصد بالعلم, وهو ليس حفظ آراء ونظريات بل جوهره هو المنهج وطريقة التفكير; علم هو منهج قبل أن يكون مضمونا.. والمنهج العلمي في التفكير هو المنهج الوحيد الذي يمكننا من التعامل مع المشكلات والتحديات المختلفة وإيجاد الحلول المناسبة لها.. وهنا نتمهل عن ثقافة التغيير.. المفهوم والممارسة... إذا تبنيت ثقافة العلم والمنهج العلمي, فإن ذلك يقودك بالضرورة إلي قبول قيمة التغيير وثقافته; فإن مكونات المنهج العلمي هو النسبية, وإن الأمور متغيرة, والأحوال متطورة, وما يصلح لنا اليوم لم يكن صالحا لنا من قبل أو في الفترة القادمة.. أضف إلي ذلك أننا نعيش في قلب وسط ثورة تكنولوجية متسارعة, والتاريخ يبدو وقد أسرعت خطاه, ويكفي أن نتأمل حجم التغير في مجال المعلومات والاتصالات وحجم التطور الذي حدث في التليفون المحمول; التغيير هو سمة حاكمة لعالم اليوم وقطار التغيير لا ينتظر حتي يصل المترددون والمتلكأون. هل المجتمع الذي نعيش فيه علي مستوي هذا الوعي من التقدم والتبلور العلمي الهائل؟ للأسف لا, ولو كان هذا موجودا ما كانت هناك الحاجة إلي الدعوة إلي ذلك, علي العكس من ذلك, فإن في بعض جوانب حياتنا الاجتماعية اتسعت مساحة الجهل والسحر والشعوذة.. نجد هذا أحيانا في بعض المناهج الدراسية ونجده أيضا في بعض برامج الإعلام وكأن السعي للإثارة ولدغدغة مشاعر الناس تسبق احترام العقل والتفكير العلمي.. لنتمهل_ أكثر_ عند العصر الثالث وهو ثقافة' المواطنة' كما ذكرت... المواطنة هي الأساس الذي تبني عليه المجتمعات المعاصرة, وهي نقطة البداية وللعدل الاجتماعي, لأن المواطنة ببساطة تعني المساواة بين كل المواطنين في الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. بغض النظر عن النوع( الرجال والنساء) أو الدين( المسلمون والمسيحيون)... وثقافة المواطنة بهذا المعني هي ما عبر عنه عامة المصريين في عبارة( الدين لله والوطن للجميع)( أو الدين للديان والوطن للجميع).. والمواطنة فكرة جامعة وموحدة. لنتمهل أكثر عند كلمة' المواطنة' التي توقفت عندها كثيرا.. ما هي الدلالة الجمعية لها؟ من الناحية الدستورية لا توجد مشكلة, الدستور في مادته الأولي اعتبر المواطنة أساسا لنظام الحكم, وفي المادة40 أشار صراحة إلي أن المواطنين سواء لدي القانون, أي أن المواطنين متساوون أمام القانون.. وكما نعرف جميعا, فإن الدستور هو أبو القوانين, وإذا كان هناك أي قانون أو تشريع أو قرار تنفيذي يهدر مبدأ المساواة فإن المحكمة الدستورية العليا تلغيه علي الفور.. المشكلة ليست في القانون, ولكن في عدد من القيم والممارسات الاجتماعية التي تقيم تمييزا بين المواطنين لهذا السبب أو ذاك.. فكيف يري المثقف العربي الآن_ في رأيكم_ صورة المستقبل؟ ما تقدم يبرز أهمية عقد مؤتمر المثقفين في مصر, وكيف يتعامل المثقف مع المستقبل بشكل لا يتم بالفرض أو بقرار حكومي وإنما يتبلور من خلال الحوار.. والتفاعل بين الآراء والاجتهادات المختلفة.. والأمر عندي واضح, علينا أن نتحدث لغة العصر وأن نناقش بمنطقه وأسلوبه.. وأن نتنافس في مجالاته, وهنا تأتي الموضوعات المتعلقة بثورة المعلومات والتدوين والإعلام الإليكتروني... كل هذه أمور لا يمكن إهمالها.. أو أن نقف موقف المتفرجين بشأنها, بل يجب أن نشارك فيها لكي يكون لنا دور في التأثير علي شكل المستقبل.. وليس فيما أقوله أي تخلي عن الهوية الوطنية الحضارية لنا, وليس في تراثنا ما يجعلنا خارج خريطة العلم والتقدم.