ندوة شعرية وأمسية ثقافية فريدة من نوعها أقامها معهد جوتة الألماني الأسبوع الماضي. فقد اقيمت الندوة في برلين والقاهرة في آن واحد وأمام حضور في المكانين. حيث شارك كل من الشاعرة بريجيته أولشينسكي والشاعر ميشائيل رويس وذلك من سفارة جمهورية مصر العربية بمدينة برلين بينما جلس الشاعران أحمد بخيت وجرجس شكري في معهد جوتة بالقاهرة وتواصلوا معا باستخدام برنامج سكايب عبر شبكة الإنترنت, وشاهد كل طرف الآخر علي شاشة كبيرة. تفاعل الجانبان معا وشارك الحضور من البلدين في النقاش. هكذا بدأت الندوة بإلقاء احمد بخيت مقاطع من قصيدته العارف وتبعته بريجيته أولشينسكي بقصيدتها المسبار ثم قرأ كل منهما الترجمة لقصيدة الآخر, بعدها تناقشا حول وضعية الشعر الآن وعن دوره ومكانته بين الأجناس الأدبية والفنية الأخري, فقال أحمد بخيت أنه يجب ألا نشير الي الشعر بأصابع الالإتهام وكأنه فقد مكانته ودوره الإنساني في الحياة المعاصرة, فكلنا نعلم أن بداية الأدب العربي كانت بداية شعرية فلم نعرف من التراث الأدبي سوي الشعر, لكن المفهوم القديم للشعر بالطبع قد تأثر مع بذور فنون أخذت بعضا من دور الشعر في حياتنا إلا أن الشعر لم يتراجع لكنه يتحول من حالة الي حالة, وأضاف أنه يري أنه لايوجد صراع بين الأجناس الأدبية بل يوجد تكامل, فالشعر موجود في كل تلك الأجناس الآن من رواية ومسرح, حتي فنون الصورة لاتخلو من مضمون شعري, وعضدت بريجيته أولشينسكي كلام بخيت, وقالت أنها تري نفس الشيء في الأدب الأوروبي وعن ترجمة الشعر قالت أولشينسكي إن الترجمة احيانا قد لاتكون في صالح القصيدة قد تكون جامدة وواقعية اكثر من اللازم, وبالتالي تفقد القصيدة جزءا من روحها. وهي تري أن اللغة الألمانية قد تفتقر إلي المفردات التي تصف الحالة الشعرية لقصيدة بخيت, أكد بخيت علي كلامها, وبسؤال بخيت عما اذا كانت قد نجحت الترجمة العربية لقصيدة أولشينسكي, قال إنه تلقي القصيدة بدهشة جميلة فموضوعها وجودي يمزج بين الآلة والجسد. وأضاف أنه شعر بتقارب بين موضوعها والموضوعات التي يكتب هو أحيانا عنها. انتقل الحديث بعد ذلك الي جرجس شكري وميشائيل رويس اللذين كانت لهما تجربة معا في الترجمة, فقد عملا معا خلال ورشة عمل للترجمة عقدتها ورشة الأدب بمدينة برلين التي جمعت شعراء من دول كثيرة معظمهم لم تجمع بينهم لغة حوار مشتركة. قرأ كل منهما جزءا من قصيدته وترجمة قصيدة الآخر ثم تحدثا عن تجربتهما الفريدة مع الترجمة, فقال رويس إأن تعريف الترجمة لاينصب علي الكلمات فقط فالإهتمام الأكبر يكمن في العوالم الكامنة خلف هذه الكلمات وفي الروح التي تنبض بهذه الكلمات وفي الدروب التي تنقل الشعر من عالم لغوي إلي آخر, لذا فهو يري ضرورة وجود توافق وتفاهم. أما شكري فيقول أنه في البداية عمل مع رويس عبر وسيط ترجم أعمالهما ثم نقحا معا هذه الترجمات, وأضاف أن تجربة شاعر يقرأ النص المترجم لشاعر آخر حساسة للغاية, فقد جلس مع رويس, فأعادا قراءة القصائد معا وتناقشا حول استخدام بعض الكلمات والجمل وإعادة الصياغة الشعرية لها دون الإضرار بالمعني, وأضاف شكري أن له أعمالا أخري ترجمت الي الالمانية والسويسرية لكن بعد هذه التجربة وجد أن الشاعر بحسه المرهف وتذوقه للمعاني هو أقدر من يترجم الشعر بعدها قال شكري أن ما أصاب الشعر الآن اصاب كل شيء, فالعالم كله نشأ يعرف الشعر أولا, فكما كان الشعر أصل الأدب العربي نجد المسرح الإغريقي القديم بدأ شعرا, واذا كان البعض يتساءل كيف يعيش الشعر في عصر الصورة؟ فلا أجدر من هذه الندوة الشعرية التي تخطت حدود الزمان والمكان لتجيب عن هذا التساؤل.