ما يجري هذه الأيام من مداولات ومناقشات وما يحدث من تطورات داخل وخارج جلسات مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, الذي بدأ أعماله في مقر الأممالمتحدةبنيويورك يوم3 مايو الحالي ويوشك ان ينهي هذه الأعمال يوم الجمعة المقبل. يوحي بأن إسرائيل لن تخرج هي وقدراتها النووية العسكرية سليمة من هذا المؤتمر رغم كل الجهود المضنية التي قامت بها قبل وأثناء هذا المؤتمر للحيلولة دون فتح ملف قدراتها النووية, وعلي الرغم من كل الضغوط الأمريكية والروسية والغربية التي مورست علي الدول أعضاء المؤتمر لتفكيك توحد مجموعة دول عدم الانحياز حول مطلب تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام1995 الداعي إلي جعل إقليم الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية. وإذا كانت هذه الجهود الأمريكية والروسية والغربية قد استطاعت تقييد اندفاع المؤتمر للاستجابة لورقة العمل المصرية المدعومة من مجموعة دول حركة عدم الانحياز ذات الأغلبية في المؤتمر, فإن هذه الجهود لم تستطع تغييب القضية النووية الإسرائيلية عن هذا المؤتمر, بل إن ما سعت إليه هذه الجهود من فرض الأزمة النووية مع إيران كأولوية للمؤتمر قد تراجع أمام الأولوية التي حظيت بها القضية النووية الإسرائيلية علي نحو غير مسبوق وغير متوقع طيلة أيام المؤتمر علي نحو ما تأكد من مؤشرات عديدة. أبرز هذه المؤشرات ما قامت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإدراج بند خاص لمناقشة ترسانة إسرائيل النووية في الاجتماع القادم لمجلس الوكالة يوم7 يونيو المقبل, أي بعد انتهاء أعمال مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بعشرة أيام فقط حسب ما ظهر من مسودة لبرنامج اجتماع الوكالة. وإذا ما تحققت هذه الخطوة, ولم تستطع الولاياتالمتحدة وحلفاء إسرائيل إسقاط هذا البند من جدول أعمال مجلس الوكالة فستكون إسرائيل قد تلقت أول صفعة حقيقية لاستراتيجيتها النووية ولجهودها الرامية للحصول علي اعتراف دولي بها كدولة أمر واقع نووية علي غرار وضع كل من الهند وباكستان, وستكون هذه الصفعة مجرد بداية لإدخال إسرائيل نفق التاريخ وإجبارها علي أن تتجرع من ذات الكأس التي تريد أن تسقي إيران منه, وكؤوس أخري أشد مرارة تجرعتها دول عربية علي أيدي الغطرسة الإسرائيلية. أما إذا نجحت الولاياتالمتحدة وحلفاء إسرائيل في شطب هذا البند من علي جدول أعمال مجلس الوكالة, فإن ذلك لن يحول دون تراكم جبل الجليد بفضل تطورات كثيرة تحدث لم تكن في حسبان صانعي القرار الاستراتيجي الإسرائيلي, منها مشروع القرار الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لاجتماع مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يوم21 مايو الحالي وينص علي دعوة جميع دول الشرق الأوسط إلي الاجتماع في قمة الأممالمتحدة عام2012 من أجل تحقيق تقدم في نزع السلاح النووي في إقليم الشرق الأوسط, كما ينص أيضا علي أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين منسق خاص يقوم بالدور القيادي في نزع السلاح النووي بالشرق الأوسط وتنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام1995 الذي يدعو إلي جعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من الأسلحة النووية. هذا المشروع الذي لم يتحول إلي قرار بعد قد يكون محاولة لتسويف المطالب المصرية والعربية المدعومة من مجموعة دول حركة عدم الانحياز, وقد يكون خطوة علي درب إحكام الحصار علي القدرات النووية الإسرائيلية, ولذلك لم يلق الاهتمام الكافي, حيث مازالت مصر تقود الاتجاه الآخر الرافض لتسويف فرض تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام1995, مع دعم من دول إسلامية ومن دول أخري في حركة عدم الانحياز, من بينها الهند وباكستان, من خلال المطالبة بإعادة صياغة بنود معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية لتحقيق التكافؤ في امتلاك التكنولوجيا النووية بين الدول النووية الكبري الخمس المعترف بها كدول نووية( هي نفسها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن) وبقية دول العالم, ما يعني أن المعركة سوف تزداد سخونة خلال الأيام الثلاثة المتبقية علي انتهاء اجتماع المراجعة المنعقد الآن في نيويورك. هذه الأيام الثلاثة ستكون حاسمة في تحديد مجري التطورات الخاصة بإسرائيل وقدراتها النووية, والخيارات الاستراتيجية المصرية أيضا علي ضوء تلك الجدية التي تتعامل بها مصر هذه المرة مع قضية القدرات النووية العسكرية الإسرائيلية باعتبارها مصدرا شديد الخطورة للأمن الوطني المصري, ولعل ذلك ما يفسر كل هذا الهلع الذي تتعامل به إسرائيل مع تلك التطورات, وبالذات ما يتعلق بمصر وبإيرانوبالولاياتالمتحدة. فصدمة إسرائيل في مصر كبيرة علي نحو ما يكشف دوف فايسجلاس مستشار ارييل شارون رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق في صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية وهي تجد ان مصر حجر الزاوية في المحور العربي المعتدل, علي نحو ما تعتقد اسرائيل, هي من يدير الحملة الآن ضد السلاح النووي الاسرائيلي, وانها, بموقفها في المؤتمر النووي الدولي وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إدراكها للخطر النووي الايراني لا يعيقها عن رؤية الخطر النووي الاسرائيلي, هذا الموقف المصري تراه اسرائيل تحولا مهما علي الصعيد الاستراتيجي في المنطقة لأنه قد يغير من طبيعة التفاعلات الاقليمية القائمة ويحدد سقف التحالفات المحتملة. هذا التغير يمكن ان يحدث, من وجهة النظر الاسرائيلية, اذا لم تتراجع مصر عن تمسكها بضرورة تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر المراجعة عام1995, دون اعتبار للشروط الأمريكية الروسية, خاصة شرط تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط, واذا ردت مصر, ومعها الدول العربية, علي هذا الشرط بشرط آخر مقابل, هو ضرورة أن يتحقق نزع السلاح النووي الاسرائيلي اولا قبل تحقيق السلام باعتبار ان هذا السلاح يعد مصدرا خطيرا لتهديد الأمن والمصالح المصرية والعربية ويستحيل ان يتحقق السلام قبل ان يتحقق الأمن للجميع. اما ما يخص ايران فهو لا يتوقف فقط علي ما استطاع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان يحدثه من تحولات في مسار مؤتمر المراجعة بحضوره شخصيا هذا المؤتمر وإلقائه كلمة بلاده التي استطاعت تعرية كل زيف المواقف الأمريكية والغربية الداعمة لإسرائيل, ولكن يتوقف أيضا علي حدوث المفارقة التي لم تكن في حسبان إسرائيل في أي لحظة من اللحظات, وهي ارتداد السحر علي الساحر, فما قامت به إسرائيل من تكثيف دعائي ضد البرنامج النووي الإيراني ارتد عليها داخل مؤتمر المراجعة في نيويورك في شكل استجابات لدعوة تنفيذ القرار الصادر عام1995 بجعل الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية. ما يزعج اسرائيل اكثر ان الولاياتالمتحدة ربما تصبح من هذه الدول اما بدوافع التوجهات الليبرالية للرئيس الامريكي باراك اوباما, واما التزاما بالسعي الامريكي لنزع السلاح النووي علي المستوي العالمي, وإما لإغراء الدول العربية بدعم أي قرارات سوف تصدر لمعاقبة إيران, وإما من أجل إجبار إسرائيل علي تقديم تنازلات في الملف الفلسطيني, وأيا كانت الدوافع فإن فرص التحول في الموقف الأمريكي بدت محتملة ويمكن أن تصبح ممكنة. صدمات إسرائيلية ثلاث قد تعكس نفسها علي ما سوف يصدر من قرارات خلال الأيام الثلاثة القادمة في مؤتمر المرافعة, وقد تنجح إسرائيل في الإفلات من أية قرارات, لكن الخطر سيبقي قائما إذا ما تمسكت مصر بمواقفها وإذا ما أدارت إيران بحكمة أزمة ملفها النووي وبالذات إذا قايضت برنامجها النووي بالقدرات النووية الإسرائيلية. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس