الوطنية للانتخابات: بعثة لوس أنجلوس آخر مقار التصويت بالخارج في جولة الإعادة بالدوائر الملغاة    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    مشاركة رئيس جامعة قناة السويس في افتتاحات تنموية بمحافظة الإسماعيلية    بعد خفض سعر الفائدة 1%.. كيف ينعكس قرار البنك المركزي على أسعار الذهب والبورصة في مصر؟    وزير الاتصالات يبحث مع غرفة التجارة الأمريكية تسريع التحول الرقمي والتشريعات    السعودية تطالب المجلس الانتقالي في اليمن بسحب قواته من محافظتين جنوب البلاد    الكرملين: موسكو قدمت عرضا لفرنسا بخصوص مواطن فرنسي مسجون في روسيا    العنف فى الضفة الغربية بات تطبيقًا ممنهجًا لسياسة الضم    الجونة يتعادل ايجابيًا مع البنك الاهلي بكأس عاصمة مصر    ضبط 360 كيلو دجاج فاسد في حملة تموينية بدمياط    له 72 سابقة.. مصرع مسجل خطر في تبادل إطلاق نار مع قوات الشرطة ببنى سويف    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    صحة بني سويف تنظم برنامجا تدريبيا لأطباء وتمريض أقسام حضانات المبتسرين    محمد صلاح يحتفل بالكريسماس مع مكة وكيان رغم تواجده مع منتخب الفراعنة بالمغرب    تكدس مروري في الرياض بسبب حفل تامر عاشور    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    سيناريوهات التعامل الفلسطيني مع خطة ترامب وقرار مجلس الأمن بشأن مستقبل غزة    محافظ الوادى الجديد يلتقى رئيس مركز بحوث الصحراء لبحث تعزيز التنمية الزراعية    اصابة 6 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص على طريق المنصورة - دمياط    تراجع معظم أسواق الخليج وسط ‍تداولات محدودة بسبب العُطلات    السجن المشدد 15 سنة للمتهم بخطف طفلة وهتك عرضها بالشرقية    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    بعد أزمة ريهام عبدالغفور.. تصعيد جديد من المهن التمثيلية    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    معارك انتخابية ساخنة فى 7 دوائر بسوهاج    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    سحب رعدية ونشاط رياح.. طقس السعودية اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة توزيع فقر المياه بين بلدان النيل ليست حلا‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 05 - 2010

‏لقد كان تاريخ مصر ليس كفاحا من أجل مياه النيل فقط‏,‏ وإنما كفاح ضد مياه النيل أيضا‏,‏ كما يضعها جمال حمدان في إجابته علي السؤال ما الذي كان الأخطر والأكثر تخريبا في مصر‏:‏ الفيضان العالي جدا أم المنخفض جدا؟ وقد وجد مفكرنا الموسوعي الإجابة في المثل الشعبي‏. إنه الغرق ولا الشرق‏!‏ وأتصور أن إعادة صياغة الحقيقة والسؤال والإجابة تمثل مدخل مصر في المواجهة الإستراتيجية للتحديات المائية الراهنة‏.‏
والحقيقة هنا ذات وجهين‏,‏ أولهما‏:‏ إنخفاض متوسط نصيب الفرد من مياه نهر النيل دون مستوي الفقر المائي وما يفرضه الشرق من كفاح من أجل الماء في مصر وشمال السودان أي بلدي المصب مع مناطق أخري في بلدان حوض النيل‏,‏ وثانيهما‏:‏ إرتفاع متوسط نصيب الفرد من مياه حوض النيل فوق مستوي الثراء المائي وما يفرضه الغرق من كفاح ضد الماء في جنوب السودان وأغلب بلدان منابع حوض النيل‏!‏ ويصبح السؤال بصياغته في سياقنا‏:‏ ما هو الأخطر والأكثر تخريبا في حوض النيل‏:‏ الفيض الهائل جدا من الأمطار التي تهطل علي بلدان منابع النيل أم النصيب المنخفض جدا لنصيب الفرد من حصص بلدان مصب نهر النيل؟
ويبقي الأهم وهو الإجابة عن سؤال المفاضلة بين خياري إدارة الموارد المائية‏;‏ وأولهما‏:‏ خيار المخاطرة بصراع وجود بين بلدي المصب وبلدان المنبع‏;‏ وهو صراع من أجل المياه ضد الشرق الكامل في بلدي شمال النهر وضد كان هذا الشرق الجزئي في بعض بلدان جنوبي النهر‏.‏ وهذا الصراع لن يعدو صراعا عبثيا لأن غايته لا تعدو إعادة توزيع الفقر المائي‏,‏ إذا اتخذنا مقياس النصيب متزايد التدني للفرد من الموارد المائية لنهر النيل‏!‏ والخيار الثاني‏,‏ هو خيار تعزيز التعاون من أجل الاستثمار في المستقبل بين بلدي مصب وبلدان منبع نهر النيل‏;‏ وهو صراع ضد الغرق الكامل في أغلب مناطق بلدان منابع النهر‏.‏ وهذا التعاون سوف يكون مثمرا بغير جدال‏,‏ لأن غايته تتطلع الي تنمية الثروة المائية‏,‏ إذا اتخذنا مقياس النصيب شديد الإرتفاع للفرد من الموارد المائية لحوض النيل‏!‏
ولعله من الواضح أن الخيار الثاني يفضل الخيار الأول بدون شك‏.‏ لكن هذا الاستنتاج يفترض منطقيا التسليم بالفرق بين الموارد المائية في كل من نهر النيل وحوض النيل‏,‏ ويفترض أيضا تغييرا في الفكر الإستراتيجي يقتضي التحول من نهج اللعبة الصفرية الي نهج الكسب المتبادل‏.‏ فالنهج الأول يعني أن تتصور دولة من دول نهر النيل‏,‏ التي تعاني من شح موارد المياه العذبة‏,‏ أنها خاسرة بالضرورة من أي مكسب يتحقق بزيادة حصة دولة أخري من دول النهر‏.‏ وأما النهج الثاني‏,‏ فانه يعني إدراك أي دولة من دول نهر النيل‏,‏ التي تتمتع بوفرة موارد المياه العذبة‏,‏ أنها كاسبة بالضرورة من أي عمل يستهدف الاستغلال المشترك للموارد المهدرة من مياه نهر النيل‏,‏ والأهم أنها كاسبة حتما من تنمية الموارد المائية غير المستغلة في حوض النيل‏,‏ ومن ثم زيادة حصص جميع دول النهر والحوض‏.‏
ولا جدال في صحة المثل الشعبي المصري الذي يقول الغرق ولا الشرق‏;‏ لأن الغرق‏,‏ إن أهلك المحصول والحياة في الأراضي المنخفضة والعادية المنسوب‏,‏ قد تنجو منه الأراضي العالية‏,‏ وبما يترك من غشاء غريني كثيف كفيل بمحصول مضاعف في العام التالي‏.‏ وأما الشرق فمعناه الوحيد هلاك الزراعة كلها هذا العام‏,‏ دونما تعويض في العام التالي‏!‏ لكن هذا المثل ليس صحيحا علي إطلاقه بالنسبة لمصر بعد بناء السد العالي‏,‏ وليس صحيحا علي الإطلاق بالنسبة لجنوب السودان وبلدان المنابع‏!‏ وأذكر هنا ما قاله أحد ضيوفي ببرنامج دائرة الحوار‏,‏ وكان ممثلا الحركة الشعبية في جنوب السودان‏,‏ حين استنكر مخاوف مصر من التأثير السلبي علي حصتها من مياه النيل في حالة إنفصال السودان‏,‏ حيث أعلن بلهجة نوبية محببة‏:'‏ يا زول‏,‏ لا تخافوا من نقص الموية‏,‏ نحن لا نريد الموية‏,‏ خذوها‏!‏ نحن نغرق فيها وتسبب لنا الأمراض‏!‏ ومن هنا جاء مشروع قناة جونجلي لإضافة أربعة مليارات متر مكعب من المياه بتحرير مجري النيل من العوائق التي تحرم مصر من جزء من موارده وتغرق جنوب السودان في مستنقعاته‏,‏ وهو المشروع الذي يفيد كلا من السودان بجنوبه وشماله ومصر‏,‏ وإن تعثرت مرحلته الثانية بالحرب الأهلية المريرة والآثمة بين ناس الشمال وأهل الجنوب ثم الإقتتال بين ناس الجنوب والجنوب‏!‏
ومرة أخري وجب استدعاء ما أورده جمال حمدان من أنه في بداية العصر العربي في مصر‏,‏ كان منسوب‏16‏ ذراعا لارتفاع الفيضان عند المقياس هو الحد بين الكفاية والحاجة حتي سميت ملائكة الموت فإذا ما أرتفع إلي‏18‏ ذراعا كان فيضانا سلطانيا وعم الرخاء‏.‏ فإذا ماتعدي علامة العشرين كان الاستبحار أي الغرق للإرض والزرع‏.‏ وقد يصل إلي‏24‏ ذراعا فتكون اللجة الكبري أي الطوفان الكاسح‏,‏ وهذا يعني غالبا الطاعون أي الوباء حيث يتحول الوداي إلي مستنقع ملاري كبير‏.‏ أما إذا هبط النهر عن الحد الفاصل‏16‏ ذراعا‏,‏ فهي الشدة التي قد تصل إلي حد المجاعة ولقد كانت المجاعة ملمحا تعسا يبرز في تاريخ مصر الوسيط بشكل ملح‏.‏ وسجل من هذه المجاعات من القرن‏14‏ إلي القرن‏18‏ نحو‏50‏ وباء ومجاعة‏,‏ و أي بمعدل مرة كل‏11‏ سنة‏.‏ ورب دفعة متصلة من سني القحط تتوالي بلا فاصل أو انقطاع كالسبع العجاف فتقطع دورة الحياة قطعا‏,‏ إذ تتزامن المجاعة والموقت وفناء السكان‏.‏ والواقع أن أدني هزة في موارد المياه والزراعة ما أسرع ما كانت تترك أثرها في السكان برجة تخريبية وتناقص نكبائي خطير‏!‏
ولعل هذا يفسر لماذا كانت العرب تقول‏:‏ إن مصر أسرع الأرض خرابا كما كتب المقريزي في الجزء الأول من خططه‏,‏ ولماذا كان هذا الإقليم إذا أقبل فلا تسأل عن خصبه‏,‏ وإذا أجدب فنعوذ بالله من قحطه‏!‏ كما يقول المقدسي في أحسن التقاسيم‏.‏ وباختصار‏,‏ في حالتنا‏,‏ فان الاستبحار في فيض مياه بلدان المنابع تقابله المجاعة من شح مياه مصر فضلا عن شمال وشرق وغرب السودان ومناطق أخري ببلدان المنابع‏.‏
وكما شرحت في مقالات سابقة‏:‏ إن مصر المعاصرة قد أدركت صعوبة أو استحالة خطر منع تدفق مياه النيل الأزرق من أثيوبيا الي مصر فلا جدال أن الأمن المائي لمصر توفره حقوق مصر الطبيعية والتوازن الطبيعي بين الموارد والحاجات المائية‏,‏ وكفاية المياه الطبيعية لكل بلدان حوض النيل‏,‏ وضمانات الطبيعة لمصر‏,‏ إضافة الي بناء السد العالي‏.‏ لكنه لا يمكن لمصر تجاهل تهديد أمن مصر المائي بذريعة أكذوبة وخرافة الحقوق المغتصبة حين تشرع في وجه الحقوق المكتسبة وخاصة بتهديد تدفق مياه النيل الأبيض‏,‏ الذي يمثل مورد مياه النيل الوحيد في غير شهور الفيضان الأثيوبي‏.‏ و ينبغي ألا تفتر عزيمة مصر علي تعزيز أمنها القومي والإنساني وحماية أساس وجودها بمضاعفة النفع المتبادل بينها وشقيقاتها من بلدان حوض النيل‏,‏ ليس فقط بمجابهة لخطر نقص المياه في السنوات العجاف‏,‏ بل أيضا بتنمية الموارد المائية المتاحة لها جميعا بمضاعفة الاستغلال المشترك لوفرة المياه في السنوات السمان‏,‏ وهو ما كانت استهدفته مبادرة حوض النيل‏.‏ والواقع أن نهج الكسب المتبادل ليس غريبا علي مصر وخاصة في عهد مبارك‏,‏ حيث كان هذا النهج روح مبادرة حوض النيل‏,‏ وقد غلبت الحكمة مصر رغم عجلة الأشقاء الذين وقعوا الاتفاقية الإطارية الأخيرة منفردين‏,‏ وسيبقي نهج الكسب المتبادل سبيل مصر‏,‏ تؤكده إمكانية إعادة توزيع ثراء الوفرة المائية المطلقة في حوض النيل وإمكانية تنمية موارد نهر النيل ذاته وتقليص الفقر المائي النسبي الذي يعانيه سكان مصبه وبعض ضفافه‏!‏
[email protected]
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.