لم يزعجني أبدا ولم يدهشني نبأ الإفراج عن الدكتور زكريا عزمي, ومن قبله صفوت الشريف والدكتور فتحي سرور وغيرهما, ولن انزعج إذا حصل الرئيس السابق حسني مبارك وهو احتمال وارد علي البراءة في نهاية المطاف. ولا أرمي من وراء كلامي لا سمح الله السخرية ولا الاستهزاء بقضائنا الشامخ, الذي أصدر أحكاما تبرئ ساحة الأضلاع الرئيسية لعهد مبارك, لأن القاضي لا يعتد سوي بأوراق تثبت أو تدحض الاتهامات الموجهة للواقفين في القفص أمامه, حتي لو أجمع البشر علي تورطهم في الفساد وتقويض أركان الحياة السياسية لعقود متتالية, فلا يلومن أحدكم القضاء لالتزامه بمعيار العدل وعدم الركض وراء دعوات الشارع المطالبة بقطع رؤوسهم. كما لا أسعي للاشتراك في وصلة الندب ولطم الخدود التي تبدأ فور تبرئة كبار مساعدي ووزراء مبارك, وأزيدكم من الشعر بيتا بأنه لا يشغلني بتاتا بقاء عزمي وسرور والشريف في السجن من عدمه, فما يهمني ينصب علي قضية أظنها تستحق الانشغال بها. فلا مانع عندي من إعطاء الأمان التام لعتاولة النظام السابق, شريطة أن يكفروا عما فعلوه في حق بلادهم بالإدلاء بشهاداتهم أمام لجنة وطنية مهمتها المحافظة علي تاريخنا من الاندثار, والتحدث بتجرد عن سلبيات وإيجابيات30 عاما من حكم مبارك. الغرض من الشهادة لن يكون محاولة تحميل الرئيس السابق أو غيره وزر الأخطاء, بل إطلاع الأجيال المقبلة علي الحقيقة لكي تستطيع الحكم علي هذه الحقبة اتكاء علي معلومات وحقائق مؤكدة موثقة وليس علي روايات يحرص أصحابها علي الظهور كأبطال وتصوير الآخرين كشياطين. ولا ريب في أن المصريين يمكنهم التماس الغفران لزكريا عزمي مثلا إن أخبرهم عن مصير آلاف الوثائق التي كانت في عهدته, واختفت أو دمرت عقب الثورة, فهو كان خزينة أسرار متحركة. أدرك أنهم يخشون عقبة شهاداتهم, خصوصا وهم في سن الشيخوخة, وبعد معاناتهم من قسوة تجربة السجن, وتفضيلهم أن تدفن الأسرار معهم في قبورهم, غير أن إعطاءهم الضمانات الكافية قد يشجعهم علي البوح, وفي كل الأحوال هنيئا لكم البراءة. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي