عندما يكون السؤال ما أخطر مؤامرة ضد ثورة25 يناير؟ يكون الجواب دون تردد مذبحة بور سعيد التي راح ضحيتها74 من جماهير الأهلي من خيرة أبناء مصر, لأن النكبة هنا لم تتمثل فقط في أننا خسرنا هذا العدد الكبير والعزيز من زهرة شبابنا, بل لأنها قسمت المجتمع المصري إلي جناة وضحايا, وأشعلت العداء بين مدن القناة والوطن الأم, فالذين خططوا لهذه الجريمة البشعة بروح انتقامية مسمومة حققوا عدة أغراض مأساوية ضد مصر وثورتها, ربما بدرجة تفوق بكثير ما كانوا يحلمون به أو في نيتهم إنجازه.. ويكفي أن نقرأ مانشيتات الصحف عقب إعلان الحكم في القضية يوم26 يناير الماضي حتي نكتشف حجم ما فعلته بنا هذه الجريمة البشعة ومن ذلك مجزرة جديدة في بور سعيد..387 قتيلا وجريحا في احتجاجات بعد الحكم بإعدام21 متهما بمذبحة الاستاد وتوقف الحياة داخل بور سعيد.. وأعمال العنف تشتعل هذا عدا ما يمكن أن يسفر عنه إعلان النطق بالإعدام, والحكم علي باقي المتهمين في9 مارس المقبل. وكان من تداعيات هذا المخطط الجهنمي لمذبحة بور سعيد, توقف الدوري العام في مصر, حيث تبين أن كرة القدم ليست مجرد لعبة شعبية ترفيهية في حياة المصريين بل فوائدها تتجاوز ذلك بكثير, فهي مصدر دخل لقطاع عريض لا يستهان به من المواطنين, كما أن المباريات لها مزايا معنوية, فهي تبث الحماس والتفاؤل والبهجة في روح الشباب وغيرهم من قطاعات المجتمع, فغاب مع توقف الدوري إحساس إيجابي بالحيوية وروح المنافسة, مما دفع الشباب إلي تفريغ طاقتهم في الاندفاع بشكل مبالغ فيه نحو الميادين, للمشاركة في أعمال عنف واعتداءات عشوائية تصيب غالبا الأبرياء والمؤسسات الخاصة والعامة, مما أدي لمزيد من القتلي والحرائق والصدامات, بدرجة تفوق ما حدث في أيام الثورة الأولي. وأوصلت هذه المذبحة الإجرامية التي تصل لمستوي الجريمة الكاملة مجتمعنا لحالة من الانقسام والانشطار لم يسبق لها مثيل في الأهداف والمصالح, لأن صدور الحكم بإعدام المتهمين أو بعضهم يسعد أهالي الضحايا, وكل جماهير الأهلوية, ويؤدي إلي الهدوء بمعظم المدن المصرية وميادينها, عدا مدينة بور سعيد التي لا شك ستشتعل وتعمها الاحتجاجات, وهو ما حدث بالفعل بعد الحكم الصادر, أما إذا جاء الحكم بالبراءة للمتهمين, فإن مصر في معظمها سترتبك ويصاب الجميع بالإحباط والغضب, فقد أوصلت هذه المذبحة الماكرة اللعينة بلدنا إلي مفترق طرق وتضارب لا يطاق, حيث أصبح الحكم العادل في نظر البعض هو الظلم بعينه, بينما ترحب به فئة أخري. هذا عدا ما تولد من شعور سلبي ضد ثورة يناير, حيث كانت المذبحة علي خلفية قيام شباب الألتراس بالمشاركة القوية في الثورة, فكان الانتقام هو الدافع وراء عقاب هؤلاء الضحايا بنية مبيتة وإصرار وترصد, وهو ما أكدته لجنة تقصي الحقائق في المذبحة, التي اكتشفت إضافة لحام حديدي جديد علي الأبواب الحديدية أمام جماهير الأهلي فجعلوهم بلا رحمة في مصيدة فولاذية, لا نجاة منها إلا بالموت الذي أصبح من أمامهم ومن خلفهم. لقد بدلت هذه المذبحة المخيفة المزاج المصري بأكمله, من التضامن إلي التناحر, ومن المحبة إلي التعصب والصراع. ولعل قمة الألغاز في هذه المأساة أنها وقعت في بورسعيد, لأنها مدينة تعشق الأهلي, فهي أهلاوية الهوي, فإذا أضفنا إلي ذلك أنه في هذه المباراة تحديدا كان فريق المصري منتصرا علي الأهلي ليس بهدف واحد بل بالثلاثة, يصبح الأمر برمته محل التباس وغموض لغياب المبرر المنطقي لنقل المباراة عقب نهايتها إلي جولة جنونية من الانتقام وإهدار الدماء. ويحسن مثلما بدأ هذا المقال بسؤال عن أخطر مؤامرة تعرضت لها ثورة يناير أن تكون نهايته بسؤال أيضا لا يقل أهمية ومغزي, وهو السؤال الذي نشرته جريدة روزاليوسف عقب الحكم في القضية ويقول اللي ماتوا شباب.. واللي هيتعدموا شباب.. أين رأس الأفعي؟! والجواب ببساطة, فتش عن المستفيد وصاحب المصلحة في ضرب ثورة25 يناير. المزيد من مقالات د.عبد الغفار رشدى