تداولت وسائل الإعلام أنباء عن بدء لجنة التعليم بمجلس الشوري مناقشة مشروع قانون بإنشاء المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي, وصاحب تلك الأنباء كثير من اللغط والقلق في الوسط الجامعي بسبب عدم استطلاع رأي أساتذة الجامعات والهيئات المعاونة ومراكز البحوث في اختصاصات وتشكيل المجلس حسب مشروع القانون. بداية نؤكد أن أهمية التعليم في تشكيل الهوية لأي دولة لا تخفي عن فطنة المراقب, وأن إنشاء المجلس الوطني يتم بحثه وفقا للدستور( المادة214) حيث حدد الدستور لهذا المجلس أربع مهام علي سبيل القطع والتحديد لأدائها وهي: أولا, وضع إستراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله وتحقيق التكامل بينها. وثانيا, وضع إستراتيجية النهوض بالبحث العلمي. وثالثا, وضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمي. ورابعا, متابعة تنفيذ هذه الإستراتيجية. حسب رأي كاتب هذه السطور فإن الاتجاه نحو توسيع الاختصاصات, ومنح سلطة الرقابة وليس المتابعة, ورسم السياسات وليس الاستراتيجيات, وضم كيانات تنفيذية داخل الهيكل التنظيمي للمجلس, سيكون بمثابة خطأ فادح سواء من الناحية القانونية أو المنطقية وستضر بالصالح العام, فتوسيع سلطات المجلس الوطني للتعليم ستقضي علي صلاحيات مجالس الكليات والجامعات والمجلس الأعلي للجامعات ومن قبلنا وزير التعليم العالي نفسه, وعلي نفس المنوال ستتأثر بالسلب مراكز البحوث وقطاع التعليم ما قبل الجامعي. البدائل المطروحة نظريا يتصدرها توسيع الصلاحيات- وفقا لنماذج خليجية لها خصوصيتها ونتحفظ علي تقليدها- أو توسيع دائرة النقاش المجتمعي المباشر- وليس عبر العالم الافتراضي-للوصول لصيغة تتيح للمجلس الوليد أن يرسم استراتيجيات بعيدة المدي تراعي إمكانات وأولويات بقية الوزارات ومقدرات الدولة بشكل عام, مع المتابعة فقط وليس الرقابة لأن مجلس الشعب هو المختص بسلطة الرقابة ومنوط به ممارسة هذا الدور علي الحكومة, لكنه لن يمارس الدور نفسه علي المجلس الوطني للتعليم الذي سيكون بهذا الشكل إما جزيرة منعزلة, أو منصة لتمرير سياسات من يقف علي هرم السلطة في مصر. وفي جلسة لجنة التعليم بمجلس الشوري برئاسة د. محمد خشبة وبحضور وزير التعليم العالي د. مصطفي مسعد وممثلين عن وزارة التعليم ومراكز البحوث وهيئة ضمان الجودة, قدمت نقابة علماء مصر رؤيتها المكتوبة في هذا الصدد لرئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري فأكدت أن المهام الأربع للمجلس الوطني طبقا للدستور هي أعمال فنية خالصة تقتضي في القائمين عليها توافر شرائط العلم الوفير والخبرة العالية والإحاطة الواسعة بالنظم والتجارب العالمية في هذا المجال, فضلا عن الإلمام بالواقع التعليمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للوطن وخططه المستقبلية. وأيضا فإن هذه المهام تنفي عن هذا المجلس كل صفة إدارية وتقصيه عن كل عمل تنفيذي. واقترحت الرؤية ذاتها نقاطا محددة تتمثل فيما يلي: أولا, يتشكل المجلس من عدد قليل من الخبراء الفنيين والمسئولين السياسيين المنتخبين. وثانيا, يقوم بالعمل في هذا المجلس لجان فنية متخصصة أهمها: لجنة وضع إستراتيجية وطنية للتعليم. ولجنة وضع إستراتيجية وطنية للبحث العلمي. ولجنة وضع معايير جودة التعليم والبحث العلمي. ولجنة متابعة تنفيذ إستراتيجية التعليم. ولجنة متابعة تنفيذ إستراتيجية البحث العلمي. ولجنة الدعم الوطني وتضم ممثلين عن الوزارات ذات الصلة مثل: التعليم العالي والتعليم العام والمالية والصحة والإسكان والزراعة وغيرها. لكن ذلك كله لا بد أن يسبقه إعداد إستراتيجية وطنية للدولة أولا ثم تنبثق منها إستراتيجية لكل قطاع من قطاعات الدولة. في المقابل يقترح بعض الخبراء للخروج من مأزق التطبيق الفضفاض للمادة214 بالدستور أن يتم فتح الحوار المجتمعي بشأن صياغتها, ومدي جدوي أن تضم للمواد الخلافية التي وعد مسئولون قبل الاستفتاء وبعده بفتح الباب لتغييرها في المجلس التشريعي, حتي لا يحدث تداخل أو تعارض بين أفرع السلطة التنفيذية وصلاحيات المجلس الوطني للتعليم. وتتبقي في هذا الإطار كلمة تتلخص في ضرورة الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في التعليم, وتوسيع دائرة الحوار المجتمعي تجنبا لمزيد من الاحتقان والهواجس. في جميع الأحوال فإننا نتمني أن تتركز الجهود في الجلسات المقبلة بلجنة التعليم علي ضمان العمل علي بلورة تشريع يوفر آليات تضمن تحقيق تقدم ملموس يفتح أبواب الأمل علي ثلاثة محاور: الحفاظ علي هوية وخصوصية المجتمع المصري ومراعاة ظروف نموه الاقتصادي والاجتماعي, ومواكبة الظروف العالمية والتطور المعاصر للارتقاء بالبحث العلمي, نوعية الطلبة في المرحلة الجامعية وأعدادهم والتوجهات الاستراتيجية للدولة..وكل هذا لن يتحقق إذا ما حدث تجريف للدولة والوزارات ومجالس الجامعات لصالح المجلس الوطني للتعليم. المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور