أصبح المصريون أسري واقع حزين يحمل وقع المأساة, فالإحساس بأنهم لن يستعيدوا استقرارهم الاجتماعي وأمنهم حتي ولو كان مغموسا بذل الحاجة, كما اعتادوا في ظل النظام الماضي , تحول الي هاجس مخيف بعد أن اصبحوا يعيشون دون أمل من الفكاك من دائرة جهنمية من العنف والبلطجة تغذيها حالة ابتزاز سياسي تجمع نظام الحكم والمعارضة في تناغم يندر بأن يتكرر في مشهد آخر من مشاهد التناحر السياسي الذي يبدع فيه الطرفان. الصورة تبدو شديدة القتامة عند رصد حياة المصريين حاليا وهم يعبرون أخطر وأكثر فترات تاريخهم دموية وانقسام, فاللاعبان الرئيسيان علي المسرح'' سلطة ومعارضة'' يخوضان معركة تكسير عظام طاحنة يتواري معها أي اعتبار للأمن الاجتماعي أو الاقتصادي أو الرغبة في الحفاظ علي الثقل الاقليمي والسياسي لوطن لطالما لعب أدوارا مؤثرة في منطقة تموج بالتفاعلات برغم محاولات تركيعه اقتصاديا أو فرض العزلة السياسية عليه. التخوين هي اللغة التي وحدت طرفي الصراع السياسي في مصر وتزامن وضع لبنات بناء دولة القانون والمؤسسات استهلالا بالإعلان الدستوري في عهد المجلس العسكري, مرورا بانتخابات عامة ورئاسية, وانتهاء باستفتاء علي الدستور تزامن الإنجاز مع اشتداد سرعة معاول الهدم التي تقوم بعملها بكل دأب واجتهاد, حتي بات ما تهدم يفوق بمراحل ما قد نلمسه من تحول ديمقراطي خجول في حياتنا. ولم يعد السؤال الذي تردده القلة الرشيدة التي لا يزال قلبها ينبض عن وعي بحب هذا الوطن هو متي ينتهي هذا الانقسام المؤسف الذي أوجده مبضع جراح لئيم بين المصريين, لكن الاستفهام الواقعي هو عن المدي الذي ستبلغه حالة الكراهية والتخوين بين أبناء مصر. وقد أصبحت ممارسات المغالبة والاستقطاب والرغبة في الانفراد بالقرار ورفض مشاركة الآخر هي المزيج الذي يتجرعه المصريون يوميا من نخبهم السلطوية أو المعارضة علي السواء, وهم يتحلقون يوميا صباح مساء حول فضائيات رحبة يتوقون سماع ما يثلج صدورهم ويطمئنهم علي وطن لا ملاذ آمنا لهم سواه, لكن هيهات أن يجدوا ما يتمنونه. رجال السلطة والمعارضة وحواريوهم علي السواء يبدو وكأنهم قد أقسموا باليمين الغليظة أن ألا يهنأ المصريون بعد الآن, فكلا الطرفين فشل في تقديم مشروعه السياسي, فالإخوان فشلوا عن جدارة في تقديم البديل المؤسسي لنظام مبارك واستنزفوا جهودهم في سباق لاهث للسيطرة علي أركان الدولة ومفاصلها, أما المعارضة فلم يفتها أن تجاري خصمها وتبادله علاقة ثأرية تكاد تتحول الي مزمنة حادت بها عن أهم مهامها للوصول إلي رجل الشارع وهو أن تقدم مشروعها السياسي البديل للنظام وهو أضعف الايمان لأي معارضة حقيقية تحترم نفسها. قد يكون الإخوان الأكثر تنظيما مما أوجد لهم قاعدة شعبية لا بأس بها ربما تكون الأوضح في المشهد أمام معارضة منقسمة تئن من وطأة الاطماع والمصالح والنيات غير الطيبة في بعض الأحيان, لكن الطرف الحاكم لا يلجأ الي الديمقراطية سوي عندما يتحصن بأسوارها أمام هتافات المطالبة برحيله فهو لا يعرفها إلا عند الحاجة, ونفس النهج لا تحيد عنه المعارضة النخبوية منها أو الشعبية ممثلة في القوي الثورية التي تتشدق بشعارات ديمقراطية لإضفاء الشرعية عليها, بينما هي تدير ظهرها للتجارب الديمقراطية في العالم المتحضر, حيث تلتزم المعارضة بآليات ناعمة شديدة البأس لإسقاط الانظمة دون قطرة دماء, فلم نسمع عن ديمقراطية أقيمت علي أنقاض مقار لوزارة داخلية أو محطة مترو أو علي وقع سباب لرئيس جمهورية ورفع الحذاء علي صورته. للأسف أصبحنا أسري دوامة ثأر في ثأر, فحتي لو نجحت المعارضة بأدواتها غير العقلانية في إسقاط النظام فالمؤكد أن الادوار ستتبدل وسيعود الإخوان للانتقام من أي نظام بديل باستخدام نفس الوسائل غير النظيفة ليبقي المصريون أسري تلك الدوامة التي لا تسمح بأي حياة كريمة آمنة وليعيشوا في قدر فرض عليهم البحث بلا أمل عن ملاذ آمن!.