القوي السياسية منقسمة بين مؤيدين ومعارضين, تزداد شقة الخلاف بينهم يوما بعد يوم, لكنهم لحسن الحظ متفقين علي مسألة أساسية هي أن حكومة الدكتور هشام قنديل تعاني من فشل ذريع. المعارضون, ومعهم حزب النور السلفي, يرون وجوب رحيلها الآن, بينما يري الإخوان المسلمون أن فشلها محتمل لبضعة أشهر حتي يشكل الحزب أو التحالف الفائز بالاغلبية في الانتخابات البرلمانية الحكومة الجديدة. لم نعد نمتلك ترف الانتظار. الدولة العاجزة هي التي تبقي علي حكومة فاشلة. هكذا ينظر العالم, ويتأمل, ويقيم طبيعة الحكم بعد الثورة. لا يصح بقاء حكومة ثبت فشلها لمجرد العناد السياسي, أو وجود رغبة في تقديمها كبش فداء يستنفد الغرض منه من نقد وتشريح وصدام تمهيدا لتشكيل حكومة قادمة يتوقع الإخوان المسلمون أنهم سوف يشكلونها بالأغلبية التي يحصلون عليها بمفردهم أو بالتحالف مع غيرهم. الإشكالية الحقيقية أن بقاء هذه الحكومة, وهو ما يجب أن يعيه الإسلاميون أنفسهم, يحرق أسس النظام القائم, ويؤلب قطاعات عريضة من المجتمع ضده, سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية, كما يتضح من الاحتجاج الذي يجتاح مختلف محافظات الجمهورية, فضلا عن أن أداء أعضائها, في مقدمتهم رئيسها, يتسم بالعجز والتراجع وضعف التواصل مع المجتمع. وإذا كان من المعتاد في الممارسة المصرية أن يقاس أداء الحكومات بالانجاز الاقتصادي فإنه علي يد هذه الحكومة يتداعي الاقتصاد بشكل ملفت, ومتراكم, ومقلق. لم تفلح الحكومة الراهنة أسوة بالحكومات التي أعقبت الثورة في تفعيل الوجود الأمني علي نحو يشعر به المواطن اللهم إلا في تزايد الممارسة الخشنة التي تنتهجها مؤخرا قوات الأمن في تعاملها مع المتظاهرين, والتي يحاك حولها روايات تتعلق بالخطف والتعذيب والرصاص الحي والتحرش الجنسي واستهداف قيادات شابة بازغة في حقل المعارضة, وجميعها تحتاج إلي تحقيق نزيه وشفاف لمعرفة هوية مرتكبيها, ولا تقيد هذه الجرائم ضد مجهول أو ما يعرف بالطرف الثالث الذي يعبث بالمجتمع المصري قتلا وترويعا علي مدي أكثر من عامين دون تحديد ماهيته أو معرفة من وراءه. ولعل أخطر ما أدت إليه هذه الحكومة, التي هي من عمر الرئاسة الجديدة تقريبا, إشاعة الإحباط في نفوس المصريين علي نحو غير مسبوق, ينعكس ذلك علي ما نشاهده في الحياة اليومية من غضب وعنف واحتقان وتحرش لفظي وجسدي, وانفلات واضح علي مستوي الشارع. وإزاء الإصرار علي بقاء هذه الحكومة, التي وقعت في عهدها كوارث إنسانية كبيرة ولم تبادر بالاستقالة, يتعزز الاعتقاد الذي يردده المعارضون أن هذه الحكومة التي تحمل غضب وكراهية المجتمع لسوء الأداء, مقدر لها أن تكمل دورها حتي النهاية في التأثير علي نزاهة الانتخابات القادمة لصالح أهل السلطة علي حساب المعارضة. وهو اتهام لا يمكن اثباته أو نفيه الآن, لكنه يظل تساؤلا هاجسيا تعبر عنه القوي السياسية المعارضة كلما ارتطمت المطالب بتشكيل حكومة جديدة بحائط صلد من الرفض. وإذا كان تقليديا- قبل ثورة25 يناير علي الأقل انصراف الحكومات عن الشأن السياسي المباشر, فإن الحكومة الحالية رغم أنها ليست طرفا مباشرا في الأزمة السياسية بين الرئاسة والمعارضة, إلا أنها تتدخل في الشأن السياسي, ويصدر عن رئيسها خطابات سياسية لا تخلو من تقريع ولوم واشتباك مع المعارضة, وهو أمر يثير الاستغراب نظرا لأن رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل- مع كامل التقدير لشخصه- لم يعرف عنه أنه كان عضوا فاعلا في حزب سياسي, أو كان ممارسا للحياة السياسية, بل قضي معظم حياته المهنية في مجال عمله البيروقراطي وتخصصه الفني. يضاف إلي ذلك أن الإشارات التي تصدر عن الحكومة مقلقة سياسيا, تنبئ بأنها تريد أن تسكب البنزين علي النار السياسية التي لا تريد أن تنطفئ من خلال التلويح بمجموعة من مشروعات القوانين التي تسعي من خلالها إلي تكبيل المجال العام مثل قانون تنظيم التظاهر أو قانون الجمعيات الأهلية, وجميعها من القوانين ذات الاتصال المباشر بالفضاء المدني المتاح للمواطنين, لا يصح تقييده أو فرض الهيمنة والوصاية عليه, والأولي بالحكم أن ينتظر حتي انتخاب مجلس النواب, ويضع هذه المشروعات تحت بصره في أجواء أقل سخونة سياسيا, ويكون هناك متسع من الوقت لدراستها, وإدارة حوار جاد بشأنها. في الواقع ان تغيير حكومة الدكتور هشام قنديل يخفف من أجواء الاحتقان في الشارع, ويرفع مستويات التفاؤل لدي المواطنين بأن هناك إمكانية في التغيير السياسي, وإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في أجواء سياسية أكثر هدوءا, وحافزية علي المشاركة. أمر هذه الحكومة في يد الرئاسة, التي أتمني أن يكون التردي الاقتصادي والأمني والاجتماعي والنفسي في المجتمع ووصول الغضب إلي مستويات شعبية عريضة قد أقنعها بأهمية تغييرها, وتشكيل حكومة مؤقتة محلها من التكنوقراط غير المحسوبين علي تيارات أو أحزاب سياسية, تتولي إدارة شئون البلاد. في تقديري أن من أبرز مهام الحكومة الجديدة تهدئة الأوضاع السياسية العامة, والتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة, وإدارة حوار مجتمعي حول الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للمرحلة المقبلة في سياق مؤتمر موسع تشارك فيه كل القوي والتيارات السياسية للاتفاق علي برنامج عمل يسترشد به الحزب أو الائتلاف الذي سوف يفوز في الانتخابات البرلمانية, ويعمل علي تطبيقه. بالطبع سوف يظل هناك في الشارع من يطالبون بتغيير جذري في النظام, وليس فقط رحيل الحكومة الحالية, ولكن تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط سوف يسهم في التقليل من وتيرة الغضب السياسي, ويسكن المخاوف من اتجاهات ونوايا الحكومة القائمة, ويشجع القوي السياسية جميعا علي المشاركة في الانتخابات, ويخفف الضغط عن مؤسسة الرئاسة, ويهدئ الأوضاع السياسية مما سيكون له انعكاس ايجابي علي الواقع الاقتصادي, وعلاقات مصر الخارجية التي تأثرت بشدة من انسداد الأفق السياسي, وما يرافقه من مشاهد العنف والدم. المزيد من مقالات د. سامح فوزى