من أسوأ الظواهر التي تشهدها مصر حاليا, التنصل من المسئولية. فكل أطراف الساحة المصرية أصبحت تنكر ارتكاب أخطاء وتلقي دائما بالمسئولية علي غيرها. قبل الأحداث الأخيرة كان متوقعا أن تشهد ذكري ثورة25 يناير تظاهرات حاشدة واحتجاجات لأسباب كثيرة وكان واضحا أن بعض القوي قد تستغل التظاهرات لتصوير الأمر كأنه ثورة ضد الحكم والرئاسة. كما كان موعد النطق بالحكم في قضية مجزرة بورسعيد محددا مسبقا وكان شبه مؤكد أن يتسبب الحكم في ردود فعل غاضبة. رغم كل ذلك بدت السلطات والأجهزة الرسمية في حالة تفاجؤ بما يجري. وكأنها كانت تتوقع أن تكون ذكري الثورة احتفالية فقط, أو أن تنزل أحكام قضية بورسعيد بردا وسلاما علي الجميع. رغم أن رابطة التراس الأهلي أعلنت تحديها لسلطات الدولة قبل أيام من صدور الحكم ووجهت تحذيرا صريحا وعمليا تحت عنوان القصاص أو الفوضي. سوء التقدير ونقص الاستعداد كان ظاهرا في التعامل الرسمي مع أحداث الأيام الماضية بكل ملابساتها.وهو خطأ فادح كان علي أجهزة الدولة عدم الوقوع فيه والقيام باحتياطات أمنية وإجراءات سياسية وتهدئة إعلامية سابقة علي الأحداث. مثلا كان يجب نقل المتهمين في قضية بورسعيد إلي خارج المحافظة قبل النطق بالحكم. كان يجب علي الدولة الإعلان مسبقا عن موقف واضح حازم تجاه أي محاولات لاستخدام العنف أو استفزاز قوات الأمن في أثناء ذكري25 يناير. وأخيرا كان يجب علي وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات القانونية والأمنية المفترضة منذ اللحظة الأولي لبدء أحداث شارع الشيخ ريحان مساء الخميس24 يناير, بالقبض علي العناصر التي كانت تلقي الحجارة وزجاجات المولوتوف, وكانوا لا يزيدون علي بضع عشرات. وللأسف لم تقتصر أخطاء أهل الحكم علي ما قبل الأحداث, فاستمر التعامل الضعيف لفترة الأحداث ذاتها وتأخر اتخاذ قرارات كانت ضرورية من اللحظة الأولي. وكان غريبا للغاية أن يدعو مجلس الدفاع الوطني مؤسسات الدولة إلي الاضطلاع بمهامها واتخاذ ما يلزم من إجراءات, فالمجلس يضم بالفعل تلك المؤسسات. في المقابل, لم تكن أخطاء المعارضة أقل سوءا وضررا بمصر واستقرارها. فالمعارضة( السياسية) انشغلت عشية ذكري الثورة بالدعوة إلي الحشد والخروج إلي الميادين, وشحن المصريين لإسقاط الدستور بل إسقاط النظام, دون التفات إلي أن تلك التعبئة قد تشجع دعاة عدم الاستقرار والمتربصين بمصر علي القيام بأعمال عنف والخروج علي السلمية تحت مسمي التظاهر والاعتراض علي الحكم القائم. وبدا الأمر كأن بعض قوي المعارضة المصرية ليس لديها مانع إن لم تكن تفضل- وقوع تجاوزات وأعمال عنف قد تخدم الهدف السياسي الرئيس وهو الإطاحة بالرئيس وحكم الإخوان المسلمين. كان علي المعارضة المصرية أن تنأي بنفسها عن أعمال العنف, وأن تؤكد بشكل واضح وعلني رفضها لأي تجاوزات سياسية أو أمنية. وبعد وقوع أحداث سواء في القاهرة أو بورسعيد أو السويس, كان علي المعارضة أن تبادر إلي تحرك عملي نحو نزع فتيل الموقف والتمييز بين المواقف السياسية الرافضة والمعارضة لسياسات وطريقة إدارة الحكم, والتخريب واستخدام السلاح للاعتداء علي قوات الأمن والمواطنين والمنشآت. المسئولية عما جري في الأيام الماضية مشتركة ومتبادلة, بين الحكم والمعارضة.. كلاهما يريد إقصاء الآخر ويتجاهل وجوده. كلاهما يتعامل مع مصر والمصريين كملكية خاصة أصبحت مشاعا يتنازعها الجميع بعد ثورة25 يناير. لقد عجز أهل الحكم والمعارضة عن إدارة وممارسة السياسة والديمقراطية. المزيد من مقالات سامح راشد