نشرت مجلة الأزهر مع عدد شهر ربيع الأول كتابا بعنوان نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي: احتفاء بمولد رسول الله صلي الله عليه وسلم, الكتاب من تأليف الراحل الدكتور عز الدين فراج الأستاذ بجامعة فؤاد الأول ورئيس دائرة المعارف العلمية سابقا, وقدم له الدكتور محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر. ويركز علي فكرة مهمة ألا وهي أن الغرب ليس كله في كفة واحدة, فإن كان هناك من أساءوا للإسلام ورسول الإسلام, سواء عن طريق الهجوم المباشر أو الرسوم المسيئة أو الفيلم المسيء- فإن هناك محايدين آثروا قول الحقيقة وجهروا بها, وأنصفوا الإسلام ونبيه الكريم, وهكذا يعلمنا إسلامنا أننا لا بد أن ننصف الناس ونعترف بالفضل لأهله حتي ولو كانوا مخالفين لنا في العقيدة, فكما يقول الدكتور محمد عمارة في تقديمه للكتاب: يجب أن نميز في الآخر الغربي بين هذا الإنسان( يقصد الإنسان الغربي) وهذا العلم وبين مؤسسات الهيمنة الغربية السياسية والدينية الطامعة تاريخيا وحاليا في استعمار الشرق لنهب ثرواته وإلحاقه هامشا للأمن الغربي وتابعا للمركزية الحضارية الغربية; ولهذه الحقيقة المنهجية: فإن علينا أن نميز في الفكر الغربي بين افتراءات الجهلاء الغربيين الذين يزدرون ديننا ومقدساتنا- وبين الشهادات الغربية التي أنصفت الإسلام وتحدثت بإعجاب وانبهار عن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام, ولو أن الجاليات الإسلامية في الغرب وعت هذا المنهج, وأعادت نشر الشهادات الغربية التي تنصف الإسلام وتثني علي رسوله لحدث ترشيد كبير للعقل الغربي المعاصر الذي تغرقه أكاذيب الإعلام الذي يرتزق أهله من صناعة الكذب علي الإسلام والمسلمين: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون, الواقعة:28]س. وبدأ المؤلف كتابه موضحا لنا فكرته قائلا: تخرج لنا دور النشر والصحافة والإذاعة في الشرق كل يوم صورا متباينة عن عظمة نبينا الكريم وسيرته العطرة, بأقلام شرقية وعقليات إسلامية, ولكن الشيء الذي تتوق إليه عقولنا بين حين وآخر, هو أن نعرف كيف صور قادة الفكر الغربي عظمة هذا الرسول, فهؤلاء بعقلياتهم المختلفة وتفكيرهم المتباين ومنطقهم الخاص, يفتحون أمامنا آفاقا جديدة من التأمل والتفكير, ويخلعون علي حياة هذا الرسول ألوانا جديدة من الإجلال والإكبار, ويضيفون إلي سيرته صورا شائقة قشيبة من العظمة والعبقرية, وليست هذه الصور الرائعة المجيدة منبعثة من مكان واحد بل هي صيحات تجاوبت أصداؤها بين لندن وباريس ونيويورك وموسكو, وليست هذه السيرة المجيدة منبعثة من جوانب مفكر واحد أو فيلسوف واحد, بل منبعثة من مفكرين وفلاسفة, اختلفت أجناسهم وتنوعت أقطارهم وتباينت عصورهم. ثم تحدث المؤلف عن العالم قبل بعثة النبي الكريم, وكيف كان يموج في الاضطرابات والقلاقل والفتن في الشرق والغرب علي السواء, ثم أورد المؤلف ما قاله توماس كارليل مثنيا علي رسولنا الكريم قائلا: من العار أن يصغي أي إنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلي وهم القائلين أن دين الإسلام كذب, وأن محمدا لم يكن علي حق, لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة, فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمان لملايين كثيرة من الناس, فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع؟؟!!. ثم واصل كارليل ثناءه علي رسولنا الكريم قائلا: أحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع, ولقد كان ابن الصحراء مستقل الرأي, لا يعتمد إلا علي نفسه, ولا يدعي ما ليس فيه, ولم يكن متكبرا ولا ذليلا..., ثم راح يذب عن رسول الله ويثني علي أمنا خديجة رضي الله عنها موضحا أهمية إيمانها به مبكرا ووقوفها بجانبه في بداية دعوته. ثم أورد المؤلف شهادة المفكر والفيلسوف الغربي الجريء برنارد شو التي قال فيها: إنني أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم في العالم بأجمعه لتم النجاح في حكمه ولقاده إلي الخير وحل مشكلاته علي وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة ثم أكد برنارد شو صلاحية رسالة الإسلام للعالم كله كي تحل مشكلاته, وأثني علي الأمة الإسلامية بأنها أمة دستورية ديمقراطية يتكافل فيها الجميع, حيث تقف المرأة بجوار الرجل ويتعاون الناس فيما بينهم. ثم أورد المؤلف شهادة المفكر الغربي بوسورث سميث في كتاب له بعنوان محمد والدين المحمدي التي قال فيها: زوكما كان محمد رئيسا للدولة كان رئيسا للدين أيضا, أي أنه كان قيصرا وبابا في شخص واحد, لكنه كان بابا من غير مزاعم البابا, وقيصرا دون أن يكون له جيوش قيصر, كان محمد في وقت واحد مؤسسا لأمة ومقيما لإمبراطورية وبانيا لدين, وهو وإن كان أميا فقد أتي بكتاب يحوي أدبا وقانونا وأخلاقا عامة, وكتبا مقدسة في كتاب واحد, وهو كتاب يقدسه إلي يومنا هذا سدس مجموع النوع البشري; لأنه معجزة في دقة الأسلوب وسمو الحكمة وجلال الحق ثم أورد المؤلف شهادة السير وليم ميور التي وصف فيها النبي الكريم قائلا: ومن صفاته الجديرة بالتنويه الرقة والاحترام, اللذان كان يعامل بهما أتباعه حتي أقلهم شأنا, فالتواضع والرأفة والاحترام وإنكار الذات والسماحة والسخاء تغلغلت في نفسه فأحبه كل من حوله. ثم تحدث المؤلف عن شهادة كبير مفكري الهند وهو المهاتما غاندي مثنيا علي النبي الكريم: لقد كان محمد نبيا عظيما وكذلك كان المسيح, وقد أصبحت أعتقد أنهما كانا لا ينشدان إلا الحق, ولا أجد جديدا فيما أقول الآن, وكانا يخافان الله... لقد لاقي محمد كثيرا من الاضطهادات ولكنه كان شجاعا لم يخف غير الله ولم يرهب أي إنسان, كان النبي العظيم فقيرا زاهدا في متاع الدنيا في الوقت الذي كان يستطيع فيه أن يكون مثريا كبيرا لو أراد, لقد ذرفت الدموع والكلام لغاندي- وأنا أقرأ تاريخ ذلك الرجل العظيم; إذ كيف يستطيع باحث عن الحقيقة مثلي ألا يطأطئ الرأس أمام هذه الشخصية التي لم تعمل إلا من أجل مصلحة البشرية كلها كذلك تحدث المؤلف علي الداعية الإسلامي والمفكر الهندي أبو الحسن الندوي يرحمه الله وحديثه عن رسول الله في كتابه الماتع ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ اللهم صل علي معلم البشرية الخير, والحق ما شهدت بها الأعداء.