تفاءلت كثير من الاوساط السياسية بما تم التوصل اليه من اتفاقات بين السودان وجنوب السودان في سبتمبر العام الماضي ولاسيما انها سلطت الضوء علي عدد من القضايا الحيوية المهمة لضمان مستقبل الاستقرار السياسي و الاقتصادي في البلدين. فاتفاقيات التعاون الثماني وجدت ترحيبا من المجتمع الدولي والاقليمي باعتبارها اول اختراق حقيقي يحدث في ملف قضايا ما بعد استقلال جنوب السودان في التاسع من يوليو2011, ولكن بدرت بعض التحفظات والمخاوف في بعض الاوساط الجنوبية ازاء منطقة الميل14 المضمنة داخل المنطقة منزوعة السلاح, وكذلك الحال في الخرطوم حيث روجت كثير من الصحف المحسوبة علي حزب المؤتمر الوطني الحاكم للاتفاق باعتباره انبطاحا للجنوب وفق نظرة المتشددين هناك ايضا. اصطدم اتفاق التعاون بين البلدين بعقبات ومصدات اساسية حالت دون تنفيذ اي جزء منه علي ارض الواقع نسبة لشروط ومراوغات جديدة انتهجتها الخرطوم لتضييع الوقت ومحاولة اخضاع جنوب السودان من خلال الضغط عليه بمسألة البترول واعادة تصديره عبر ميناء بورتسودان, وقد ظهرت تلك العراقيل حينما عقدت اجتماعات اللجنة السياسية الامنية المشتركة بجوبا لمتابعة وتنفيذ البنود المتعلقة بالمسألة الامنية و المنطقة منزوعة السلاح. اذ جاء الوفد السوداني باجندة جديدة للاجتماع وهي بالطبع أجندة لم ترد الاشارة اليها في الاتفاقية ولو عن طريق التلميح, فكيف للجنوب ان يوافق علي تمديد المنطقة منزوعة السلاح لتشمل مناطق النيل الازرق وجبال النوبة ؟ ثمة جدل يدور في الاوساط المراقبة لطبيعة الاوضاع بين دولتي السودان حول حقيقة وجود فرص مستقبلية حقيقية من شأنها ان تؤسس لعلاقات انفتاح وتواصل بين الدولتين, وهي تساؤلات جديرة بالاجابات الموضوعية الشافية نظرا لتركة الماضي الثقيلة والحرب التي امتدت تأثيراتها واستمرار طلعات الجيش السوداني الذي مازال يقصف القري الحدودية في شمال بحر الغزال, ولاية الوحدة وجزء من اراضي غرب بحر الغزال المتاخمة لحدود دارفور, فالمؤتمر الوطني اصبح يستخدم التفاوض في ظل الوساطة الافريقية آلية للمماطلة و التسويف واهدار الوقت بشكل تكتيكي منقطع النظير, الشئ الذي عادة ماينتهي الي توقيع الاتفاق ومن ثم الاعتراض عليه او التنصل منه او نكرانه تماما, وهناك حالات وأدلة عديدة يمكننا الاستشهاد بها علي سبيل المثال وليس الحصر, منها اتفاق عقار نافع مع قطاع الشمال الذي يتحدث عن مستقبل الحركة الشعبية قطاع الشمال كحزب سياسي يحق له ممارسة نشاطه دون تضييق, هذا الاتفاق تم نقضه بالكامل ومن ثم استعداء ومحاربة قطاع الشمال تحت زريعة جمع السلاح من قوة نصت علي وجودها اتفاقية السلام والبرتكولات المتعلقة بجبال النوبة و النيل الازرق و التي تحثت علي قيام مشورة شعبية تحدد مستقبل المنطقتين, وكذا الحال بالنسبة لتقرير وسيط الاتحاد الافريقي ثابومبيكي حول منطقة ابيي. ليس هناك وقت مفتوح او لا نهائي لانجاز الحلول وتسوية جمبع القضايا والملفات العالقة بين البلدين. جنوب السودان اظهر كامل استعداده للحوار وتنفيذ الاتفاقات علي مستوي رفيع واظهارا لحسن النيات قام بسحب قوات الي عمقه بمسافة عشر كيلومترات انفاذا للاتفاق الامني من جانب واحد. جنوب السودان يؤمن بان الآلية الرفيعة للاتحاد الافريقي ستعد تقريرها النهائي في اجتماع قمة الرؤساء المنعقدة في الرابع والعشرين من هذا الشهر, وهي حتما الفرصة الاخيرة امام البلدين قبل احالة الملف لمجلس الامن الدولي الذي سيبت فيه نظرا لان القضية استغرقت وقتا طويلا في التفاوض من اجل التفاوض, هنا علي الخرطوم ان تعيد ترتيب اوراقها من جديد لان جنوب السودان قاد حملة دبلوماسية رفيعة لمساندة موقفه, كما ان الضغط الدولي المتزايد سيعجل بضرورة حسم تلك الملفات العالقة بين البلدين اللذين خرجا من حرب طويلة نعتقد ان اعادة اشعالها ستكون لها كلفتها الباهظة علي المستويين الاقليمي والعالمي في الوقت الراهن.