بعد بدء زيادة عددها.. أعرف مصروفات kg1 للعام الجديد في المدارس الIPS    تعرف على أسعار البصل اليوم الجمعة 11-5-2024 بالأسواق    أسعار القمح اليوم.. الأردب يصل إلى 2000 جنيه    وزارة البيئة تناقش مع بعثة البنك الدولي المواصفات الفنية للمركبات الكهربائية    جوتيريش: الأوضاع في رفح الفلسطينية وصلت إلى الهاوية    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    القوات الروسية تشن هجوما واسعا على منطقة خاركيف في أوكرانيا    الاتحاد يختتم تدريباته بمعسكره المغلق استعدادًا للمقاولون    افتتاح فعاليات بطولة الجمهورية للفروسية فى نادي سموحة بالإسكندرية    بطولة العالم للإسكواش 2024.. نور الطيب تقصى بطلة هونج كونج    أنشيلوتي يرشح لاعبا من ريال مدريد للفوز بالكرة الذهبية    هيئة الأرصاد الجوية: انخفاض درجات الحرارة غدا    «الجيزاوي» يتفقد مستشفى بنها الجامعي للاطمئنان على سير العمل وجودة الخدمة    تشييع جثمان عقيد شرطة توفي فى حادث بطريق الزعفرانة ببنى سويف    نادية الجندي تنعى والدة الفنان كريم عبدالعزيز    انطلاق ملتقى تراث جمعيات الجنوب ضمن أجندة قصور الثقافة    محمد الشرنوبي يثير الجدل في حفل زفاف لينا الطهطاوي ومحمد فرج    خطيب الجامع الأزهر: دعوات إنكار التراث الإسلامي تستهدف العبث بعقول الشباب    وكيل «صحة الشرقية» يتابع أعمال إنشاء مبنى جديد بمستشفى الحسينية    أزمة الكليات النظرية    السكرتير العام المساعد لمحافظة دمياط يفتتح مسجد فاطمة الزهراء بالروضة    إفتتاح مسجدي نصار والكوم الكبير في كفر الشيخ    «مش طايق نفسي».. باسم سمرة يكشف رأيه في تعدد الزوجات (فيديو)    تركيب بلاط الانترلوك بالشوارع الضيقة بمركز منفلوط ضمن خطة التطوير    117 مشروعًا وبرنامجًا مع 35 شريك تنمية لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا    منها القهوة والبطاطس المحمرة.. 5 أطعمة لا تأكلها أيام الامتحانات    أول تعليق من تعليم الدقهلية على تطابق امتحان العلوم للصف الثاني الإعدادي وتسريبه    الاتحاد الأوروبي يحتفل بالقاهرة بمرور 20 عامًا على تأسيسه    المفتي: من أهم حيثيات جواز المعاملات البنكية التفرقةُ بين الشخصية الاعتبارية والفردية    تربط شرق القاهرة بغربها.. محطات مترو الخط الثالث وموعد تشغيلها (من عدلي منصور لجامعة القاهرة)    مباشر مباراة الأهلي والزمالك الثالثة في دوري السوبر لكرة السلة    محافظ الأقصر ورئيس هيئة الرعاية الصحية يناقشان سير أعمال منظومة التأمين الشامل    الامين العام للأمم المتحدة يدعو قادة الاحتلال وحماس للتوصل إلى صفقة لوقف إراقة الدماء    خلال 24 ساعة.. تحرير 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة    «تالجو ومكيف وروسي»..تعرف على مواعيد القطارات خط «القاهرة/ الإسكندرية» والعكس    ترغب في التخسيس؟- أفضل الطرق لتنشيط هرمون حرق الدهون    حفاران حطما الجدران.. كيف ساهمت مياه الشرب في إخماد حريق الإسكندرية للأدوية؟- صور    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم على مباني الأونروا في القدس الشرقية    الملتقى الأول لشباب الباحثين العرب بكلية الآداب جامعة عين شمس    سنوات الجرى فى المكان: بين التلاشى وفن الوجود    وزير الري يلتقى المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو بالقاهرة    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    رد فعل محمد عادل إمام بعد قرار إعادة عرض فيلم "زهايمر" بالسعودية    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    فيلم السرب يفرض نفسه على شباك التذاكر.. رقم 1 بإيرادات ضخمة (تفاصيل)    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصري
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 05 - 2010

‏(1)‏ قالوا عن قريته أم القري‏,‏ كبيرة وواسعة‏,‏ وفيها أشياء كثيرة لا وجود لها في غيرها من القري أو العزب والكفور والنجوع‏,‏ تلف داير الناحية‏,‏ وتصل إلي مربط البهائم علي رأس الغيط والساقية بالتوك توك‏ ,‏ يسأل الفلاح جاره عن موعد الري بالموبايل‏,‏ لكن مصري لم يجد شغلانة وسط الزحام الذي هبط علي أم القري‏,‏ سمع شيخ الجامع يقول‏:‏ الإيد البطالة نجسة سأله‏:‏ وأين الشغل يا مولانا؟ طرده الشيخ شر طرده‏.‏
‏(2)‏
باع وباع وباع حصيلة البيع صرها في منديل‏,‏ ولف به وسطه‏,‏ وقرر أن يترك أم القري إلي أم المدن أمهات في كل مكان‏,‏ ومصري لا يشعر وسطهن سوي باليتم‏,‏ فلوسه حول وسطه وعنوان قريبه‏,‏ ابن عم المرحومة أمه لزم مكتوب في ورقة معه‏,‏ ولم يجد في نفسه رغبة أن يلتفت لأم القري ليقول وداعا‏.‏
‏(3)‏
قريبه لم يتمكن من مساعدته‏,‏ ما تحتاجه الدار يحرم علي الجامع‏,‏ أولاده وبناته بلا عمل والشقة لا تسعهم‏,‏ والطعام لا يكفيهم‏,‏ ثم أنه لا يتذكر المرحومة أمه التي يقول إنها بنت عمه لزم‏,‏ سأله عن أي أموال معه‏,‏ طلبها منه ليخبؤها له في مكان أمين‏,‏ لأن أهل أم المدن يسرقون الكحل من العين‏,‏ قرر قراره أن يترك دار قريبه وبلدياته‏,‏ وأن يجرب حظه وحيدا هذه المرة‏,‏ لم تقدر قدماه علي حمله‏,‏ إنها الاتوبيسات الكبيرة‏,‏ خاف أن يقترب من الصغيرة‏,‏ أجرتها غالية‏,‏ رغم أنه يعرف خط سيرها من نداءات الأولاد عليها‏.‏
‏(4)‏
بلد لا أول له ولا آخر‏,‏ بر بأكمله تجول في أحياء ما كان يعرف أسماءها‏,‏ كهارب وأنوار وزحام‏,‏ كأنه يوم الموقف العظيم‏,‏ ونساء عرايا يسد لحمهن الأبيض وجه الشمس‏,‏ كله كوم وبنات البندر وحكاياته معهن لم يأت أوانها بعد‏,‏ كل من علي يمينه أولاد الحلال‏,‏ وكل من علي شماله أولاد الحرام‏,‏ واحد ابن حلال مصفي اصطحبه للمعلم في حوش كبير أخذ بطاقته وسلمه عربة يد صغيرة‏,‏ يوم يسرح بالذرة يشويها‏,‏ ويوم بالبطاطا‏,‏ وثالث بالتين الشوكي يقشره للزبائن‏,‏ لم يعد يشعر بأصابعه‏,‏ إن باع الذرة المشوي والبطاطا المشوية لسعته النار‏,‏ وإن قشر التين عاد وأصابعه غابة من الشوك يعود آخر الليل مهدود الحيل يحاسبه المعلم يأخذ منه ما معه‏,‏ ماذا ستأخذ الرياح من البلاط؟ إيجار العربة ثمن البضاعة‏.‏ مكسب المعلم ما يتبقي له لا يكفي طعامه‏.‏
‏(5)‏
الفلوس التي حول وسطه تناقصت وأوشك أن يصل لآخرها شغلانات كثيرة عرضت عليه بواب عمارة رفض‏.‏ لم ينس أنه يقرأ ويكتب‏.‏ وأن له أصلا وفصلا‏,‏ صبي مكوجي‏.‏ قال لا‏.‏ صبي قهوجي‏.‏ الفوطة علي كتفه والمريلة فوق ملابسه‏.‏
والسيجارة خلف أذنه‏,‏ ألف لا‏.‏ ينظف الشقق باليومية‏.‏ كاد أن يمسك في خناق من عرض عليه الشغلانة‏,‏ خدام‏.‏ تف من بقك‏,‏ مع أنه لا أحد يعرفه في هذه البلاد‏.‏
ميزة أم المدن اتساعها وضخامتها شارع سلمه لشارع حتي وجد نفسه في مكان يقولون له مصر الجديدة‏,‏ هل كان إذن في مصر القديمة‏,‏ وهو لا يدري؟ ما رفضه من فرص العمل وما تركه وراءه وجده في انتظاره؟ ولم يكن علي لسانه غير كلمة لا‏.‏
‏(6)‏
تعبت حتي عظامه أخرج فكرة الرجوع للبلد من رأسه‏,‏ لن يرجع إلا بعد أن يصبح كبيرا راكبا سيارة لم ترها أم القري من قبل‏,‏ وجد سراية محندقة من دور واحد‏,‏ حولها جنينة ترد الروح‏,‏ ها هي الخضرة والماء‏,‏ لم يبق سوي الوجه الحسن‏,‏ هنا يمكنه أن يعمل حارسا للسراية التي لا حد لجمالها جلس تحت شجرة علي الرصيف‏,‏ عينه علي السراية ما أن تطل ابنة أصحاب السراية حتي يبرز لها‏,‏ تعبان ومبهدل‏,‏ ولكن الراحة ستعيد له نضارته‏,‏ من يدري ربما يستعيد جماله الرجولي الذي كان يتميز به في قريته البعيدة‏.‏
‏(7)‏
مر وقت طويل‏,‏ ولم يظهر صريخ ابن يومين في السراية‏,‏ اقترب أكثر‏,‏ لافتة زرقاء مكتوب عليها‏:‏ فيللا سندس‏.‏ الله‏.....‏ الله‏...‏ أمسك بطوبة ورماها في الجنينة‏,‏ إظهري وباني عليك الأمان‏,‏ لا حس ولا خبر‏,‏ وطوبة ثانية‏,‏ ثم ثالثة‏,‏ هل معقول أن هذه الجنة مهجورة؟ والجنة من غير ناس ما تنداس‏.‏ لا‏.‏ قد تنداس لخلوها من الناس بعد أن تأكد من خلو المكان حتي من كلب الحراسة‏,‏ واكتشف قفلا كبيرا علي الباب الخارجي‏,‏ قرر أن يجرب حظه‏,‏ مكان آمن مهجور يأويه حتي يتبين أمره‏,‏ ويعرف مصيره‏,‏ يا سلام لو وجد غرفة الحارس مفتوحة‏,‏ ودورة مياه وسرير ينام عليه‏,‏ قفز من فوق السور الذي كان منخفضا فركة كعب وأصبح بداخل السرايا نفسها شرفتها قريبة من أرض الحديقة‏.‏
كلما تقدم أكثر‏,‏ ولم يعترضه أحد قل حذره‏,‏ وزادت سعادته‏,‏ لأول مرة منذ أن وصل إلي أم المدن‏,‏ مد يده علي الباب الزجاجي الذي يفصل الشرفة عن داخل السراية‏,‏ فانفتح‏,‏ هل تتحقق الأحلام هكذا‏...‏ خشي أن يصيح افتح يا سمسم‏,‏ فتنفتح له كل الأبواب المغلقة‏,‏ ليست مغارة علي بابا‏,‏ وهو لن يحتاج ل‏43‏ حرامي معه لحمل ما فيها‏.‏
المزيد من مقالات يوسف القعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.