كتبت : فاطمة الدسوقي محكمة.. قضت محكمة استئناف الإسكندرية للأحوال الشخصية برفض دعوي استئناف الزوج وتأييد الحكم بخلع زوجته له.. وذلك لعدم جواز استئناف حكم الخلع.. رفعت الجلسة. صرخة مدوية.. اطلقها الزوج المشلول شقت قلوب الحضور وأبكت العيون. يا سيدي ارجو أن يتسع صدر عدالتكم لي واسمعوا مأساتي.. لم يهزمني أحد طيلة حياتي مثلما قهرتني تلك التي تقف أمامك.. لأول مرة أراها بالفعل.. غدارة مثل كل البشر.. كنت ارتوي من حنانها.. وأصمد أمام أنفاسها.. وجهها كان يبزغ لي كحلم في ليلة مقمرة.. أحببت فيها كل البشر. أجل سيدي كل البشر.. كلماتها كانت تعانقني في خشوع حتي كدنا نفقد كل مشاعر الزمن ولم ندرك سوي مشاعرنا.. جئتها فاردا عمري علي عمرها.. فاحتوتني بثقة وحولتني بحنانها إلي نقطة ماء استكانت في أحضان قلبها.. كانت لي كل المعاني الجميلة المستلهمة من الجنة حتي أردت الميلاد والموت داخل معبدها حقا: اسكنتها في كل أوردتي. يا سيدي تلك الغدارة الخداعة رحلت بباقي زمني.. لم أعلم حتي برحيلها.. لم أدرك أن روحها المسكونة داخلي ستكون جمرة تحرق صدري في الثانية ألف ألف مرة.. رحلت بآخر ما تبقي لها من مبررات ل لكي تستمر في وجودها معي.. وأغلقت الباب للأبد.. ما تركته لي من تعاسة كفيلا أن يفقدني حماسي للحياة محبط أنا سيدي.. ضعيف.. حزين.. ولكني أحمل في حزني الحياة. يا سيدي.. أتمني أن تكون تلك الأنانية هي آخر رحلتي.. وبرغم من أنها قسمت وجودي وهزمت الدنيا داخلي.. فأنني أتمني الموت وهي في عصمتي.. لا أقدر علي الحياة بدونها.. فهي سر بقائي ووجودي.. أتأسف لكم سيدي وأرفض خلعها لي.. واستأنف الحكم أمام عدالتكم.. احكموا لي سيدي بعودتي للحياة وأعيدوني لعصمة زوجتي قبل أن تزهق روحي.. فهي جواز دخولي الجنة!! يا سيدي تزوجتها منذ عشرين عاما.. كانت بنت الجيران الذي شغف قلبي بها حقا.. تبادلنا النظرات.. أمطرتها بالخطابات التي حوت كل حروف الأبجدية لتقسم علي حبي لها.. وبعد رحلة طويلة من الانتظار تزوجتها بعد أن تخرجنا في الجامعة.. وهبتنا الأقدار ثلاثة أبناء.. سارت بنا سفينة الحياة في هدوء.. توجتها أميرة في مملكة حياتي.. رفضت خروجها للعمل حتي لا تتعرض لأي مكروه ولا يقع بصر أحد عليها.. اشتغلت في أعمال أخري غير وظيفتي حتي ألبي كل طلباتها.. وعندما كانت التجارة تدر علينا دخلا وفيرا وأموالا لا حصر لها.. تركت وظيفتي وتفرغت للتجارة وأمطرتها بالأموال.. وفجأة اختطف القدر فرحتنا وأمننا واستقرارنا.. واصابني مرض افقدني الحركة وفي لمح البصر أصبحت مشلولا لا أقوي حتي علي قضاء حاجتي.. وأنفقت أموالي في العلاج والسفر للخارج.. ولكن دون جدوي وبدلا من أن تقف زوجتي بجواري وترعاني.. فوجئت بها تخلعني وحصلت علي حكم بالخلع وهي تعيش معي في الشقة وتحدثني وتأكل معي وتنام في غرفتنا وكنت آخر من يعلم بأنني مخلوع. يا سيدي.. برغم أنها حرقت قلبي بنيران غدرها.. فإنني لا أقوي علي فراقها ولا اتخيل الحياة بدونها.. فهي الدماء التي تسري في أوردتي والهواء الذي اتنسمه.. ارجوكم سيدي احكموا لي بالغاء حكم الخلع والحكم بعودتي للحياة معها لأني عدت مثل عصفور انطوت بين جناحيه السماء.. فلم يجد سوي أحلام للبقاء واحلم سيدي ببقائها معها. الزوجة: يا سيدي لست الغدارة.. الأفاقة.. الخداعة كما يعتقد حبيب العمر.. احببت فيه اختياره لي دون البشر, ولكن للحقيقة ألف وجه وألف جزء غير مكتمل, ولكن تفوح منها رائحة حبي له وعشقي لكل ذرة في جسده.. وبرغم أن اتهاماته وظنونه أبكتني فإنني أنا الأخري لا أقوي علي فراقه وأرغب الموت داخل معبده.. فلم أشعر يوما بالأمان إلا بين أحضانه.. لم أعرف الضحكة والفرحة ودفيء المشاعر إلا بعد أن سكنت قلبه.. أجل سيدي كان لي الأمان والانتماء.. كيف أتخلي عنه بعد أن عشت في نعيم جنته عشرين عاما.. كيف أقضم اليد التي مسحت دموعي عند رحيل والدي.. كيف أحرق القلب الذي احتواني.. كيف أخنق النفس الذي كنت استدفيء به في ليالي الشتاء القارسة.. كيف اقطع اللسان الذي أغرقني بأجمل الكلمات وأعذب الأوصاف.. هل بعد ذلك الحب حب يا سيدي؟!. أجل سيدي.. أنا خلعته دون أن يدري.. وأنا مقيمة معه في عش زوجيتنا.. ولم أغب عنه دقيقة واحدة.. أنام في فراشه.. أنظف جسده بعد قضاء حاجته.. أقدم له الطعام والشراب أحدثه.. أسامره.. أغازله.. وزاد حبي له بعد مرضه وأسأله سيدي عن أي تغيير طرأ علي بعد اصابته بالشلل.. فأنا أعشقه حتي إنني أحببت كل ذرة في جسده بالشلل.. فهو الرجل الأول والآخير في عمري. يا سيدي.. بعد اصابة شريك العمر بالعجز.. أنفقنا كل الأخضر واليابس علي علاجه ولم يتبق لنا مليم واحد نسد به جوعنا أو نشتري به قرص دواء له.. بدأت في خلسة منه أبيع الأشياء الثمينة في المنزل للإنفاق علي أبنائي الذين هم الآن في مرحلة التعليم الثانوي وأنتم تدركون كم تكبدنا الدروس الخصوصية وغيرها.. طرقت أبواب أشقائي للسؤال والمساعدة منهم من كان يعطيني وهو يدعو الله في سره ألا يراني ابد الدهر.. والآخر كان يختفي داخل غرفته وتخبرني زوجته أنه في عمله والثالث رفض أن يفتح لي باب شقته.. وتجرعت كئوسا من الذل والهوان علي يد أشقائي وأقاربي.. خاصم النوم جفوني أيام وليال ولم أجد أمامي سبيلا سوي ذلك الطريق وبمساعدة زوجها المحامي أقامت دعوي خلع وأمام المحكمة تنازلت عن جميع حقوقي الزوجية وكانت اعلانات موعد الجلسات تأتي للمنزل باسم زوجي وأتسلمها وأخفيها عنه حتي قضت المحكمة بخلعي.. وكانت ورقة الخلع بمثابة شهادة وفاتي.. فكيف طاوعني قلبي علي خلع شريك العمر.. وتقدمت بالحكم إلي ادارة المعاشات وبعدها حصلت علي مبلغ ألفي وخمسمائة جنيها شهريا معاش المرحوم والدي والتي كنت أنفقها كلها علي علاج زوجي. يا سيدي ذات يوم فوجئت به وقد بدت علامات الشك والريبة في عينيه, وأظن أنني بدأت السير في طريق الرذيلة.. لم احتمل نظراته واتهاماته واتكفأت علي قدميه أقبلها وكشفت له المستور. أعلم سيدي أنني اخطأت.. ولكن الخطأ الأكبر أن يموت شريك العمر من قلة الدواء أو الجوع. إن كنت مخطئة أسفحوا دمي واستبيحوه.. وإن كنت محقة أرجوا أن يتقبل شريك العمر معذرتي. ظهرت علامات التأسي علي وجه هيئة المحكمة.. إلا أن القانون لا يعرف العواطف.. وقضت برئاسة المستشار محمود خليل برفض دعوي استئناف الزوج وأيدت الحكم بخلعه وخرج الزوج من المحكمة علي الكرسي المتحرك ومن خلفه من كانت زوجته تدفعه أمامها برفق وهو يرفع يده بسلام أخير في خطوة الافتراق محزونا مجروحا بالقهر والمفاجأة.. والزوجة تردد عبارة واحدة:رائع أن أكون جرحك.. وأدوات الجراحة التي تنقذك!!