إنتخاب الرئيس محمد مرسي, قبل ستة شهور, كان ساعة الصفر في واشنطن لبناء شراكة مع الحكم الجديد في القاهرة وفي سبيل الوصول إلي شراكة كاملة وضعت الإدارة الأمريكية أولوية لتقوية موقف أول رئيس منتخب في مصر بعد ثورة يناير من خلال سبل عدة أولها الدعم الاقتصادي والثاني طمأنة المؤسسة العسكرية المصرية علي مستوي التعاون والمساعدات التي تمثل العسكرية منها الجزء الأعظم والثالث المساعدة في بناء روابط اقليمية بين رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وبين دول عربية تشعر بريبة تجاه الجماعة ومشروعها السياسي. كل الملفات السابقة تم ترحيلها بدرجة أو بأخري إلي مطلع العام الجديد بتأثير مشكلات العملية الإنتقالية وأزمة الدستور الجديد. الدائر في واشنطن أن تمرير الدستور يوفر للإدارة الأمريكية فرصة أكبر اليوم لتمرير حزمة سياسات من أجل تقوية العلاقات مع الرئيس مرسي رغم كل الجدل الدائر حول مواد الدستور الجديد ووجود إعتراضات علي مواد تثير الإلتباس حول مستقبل الحريات العامة ودور الدين في صياغة المجتمع المصري في السنوات القادمة. في حوار سابق مع مسئول في الإدارة الأمريكية, قال ل الأهرام أن الولاياتالمتحدة سوف تستخدم نفوذها وعلاقاتها بالحكم الجديد من أجل تصحيح مسار الديمقراطية الوليدة وعدم الإنتقاص من حقوق الأقليات وحقوق الإنسان تحت حكم رئيس ينتمي للتيار الديني. بداية, سوف تستهل الإدارة العام الجديد بالسعي للإفراج عن حزمة المساعدات المقررة لمصر والتي تواجه معارضة في الكونجرس فيما تشير المعلومات إلي أن قرض صندوق النقد الدولي في طريقه إلي القاهرة بعد تدخل البيت الأبيض لمنح الحكومة المصرية شهادة دولية تتيح لها التوسع في الإقتراض والعلاقات المالية مع المؤسسات الدولية وبعد تهيئة الأجواء المناسبة سوف تأتي زيارة الرئيس مرسي لواشنطن من أجل ارسال إشارة أن الولاياتالمتحدة مستمرة في بناء علاقة أقوي مع السلطة المنتخبة والتي تتفهم في المقام الأول المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. قبل زيارة مرسي لواشنطن في3102 يتعين علي الرئيس أن يصل إلي حد أدني من التوافق المجتمعي وتقليل مستوي التوتر في الداخل حتي لا تقابل الزيارة بإعتراضات وإنتقادات ربما تقلل من الأثر الإيجابي لها في الداخل الأمريكي والذي تقوم جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بمجهود كبير ومتواصل لشرح مواقفها للدوائر المؤثرة مثل الكونجرس ومراكز التفكير الكبري. وفي حال إقرار تعيين جون كيري السناتور الديمقراطي الشهير ليخلف هيلاري كلينتون في منصب وزير الخارجية الأمريكية في الفترة الثانية للرئيس باراك أوباما وتعيين السناتور الجمهوري' المعتدل' شاك هيجل في منصب وزير الدفاع ستكون السياسة في أهم إدارتين تتعاملان مع مصر, الخارجية والدفاع, أقرب إلي التوافق مع سياسة البيت الأبيض لتقوية العلاقة مع مؤسسة الحكم الجديد في مصر. كما أن قدوم كيري وهيجل من مجلس الشيوخ سيكون عاملا مساعدا أكبر في بلورة سياسة متماسكة تجاه التحولات في مصر سواء بتقوية العلاقات الثنائية والتنسيق علي مستوي السياسات الإقليمية أو وضع معايير للتعامل مع الشأن الداخلي المضطرب في مرحلة حرجة. وقد قال باحث كبير مقرب من الإدارة الأمريكية قبل أسابيع ل الأهرام في واشنطن أن اللعب بورقة قطع المساعدات ستمثل خطرا علي المصالح الأمريكية ولا يوجد من يؤيد تلك الخطوة في الوقت الراهن. في جانب المعارضة المصرية, لا تبدو الأحزاب غير المشاركة في تركيبة الحكم في مصر قادرة علي التواصل الجاد أو إدارة حوار مع الولاياتالمتحدة نتيجة عدة أسباب منها, إلتزام المعارضة المدنية في مصر بمقولات ثابتة عن السياسة الخارجية الأمريكية عن تغليب المنفعة في حساباتها عندما يتعلق الأمر بعلاقة واشنطن بالقوي الإسلامية في الشرق الأوسط وأنها لم تعد في سبيل تحقيق مصالحها تلتفت إلي قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وعدم الإلتفات إلي تفاصيل الواقع المصري الممكن أن يفرز حالة جديدة من الديكتاتورية وهو ما يرد عليه الإخوان المسلمون في إتصالاتهم بالجانب الأمريكي بإلتزامهم بالعملية الديمقراطية ومخرجاتها في المدي القصير والبعيد. كما أن المعارضة المدنية لا تملك بعد ماكينة إعلامية تكافئ زخم شبكة علاقات الإخوان المسلمين التي بزغت ونمت في العقود الماضية خارج مصر واليوم يستفيد منها الرئيس وحزب السلطة. وقد كانت وجهة نظر اطراف عدة في الإدارة الأمريكية قبل وأثناء أحداث الإتحادية أن القوي المدنية لا يتوافر لها الزخم الكافي لمواصلة الإحتجاج علي الدستور الجديد قبل التصويت عليه والمعضلة اليوم أن تلك الرؤية رغم إستمرار الأوضاع المتقلبة تبدو أقرب إلي الصواب بعد قبول المعارضة دعوة الجماهير للتوجه إلي الصناديق في منتصف ديسمبر لرفض الدستور وليس مقاطعة العملية برمتها. ولكن, وفي المقابل, تبدو واشنطن اليوم أكثر رغبة في إقامة حوار مع المعارضة المصرية بعد أن أظهرت نتيجة الإستفتاء تواجدا أكبر لتلك القوي في الشارع نتيجة إخفاقات الحكم الجديد سياسيا وإقتصاديا وظهور امكانية لمزاحمة التيار المدني للإسلاميين في الصناديق في المستقبل وهو ما لم يكن في الحسبان في المدي القصير. ومن أهم إنتقادات واشنطن للمعارضة المدنية في مصر اليوم هو الإسراف الشديد في نقد السياسة الأمريكية ونعتها بأوصاف الإنتهازية وبناء تحالفات علي حساب القيم والمثل الأمريكية, فيما يؤكد الإخوان, ومن باب المفارقة, في رسائلهم للأمريكيين علي وجود أرضية مشتركة تحترم القيم الديمقراطية! وقد بعثت أطراف أمريكية عديدة برسائل للمعارضة المصرية بالإنتقال إلي علاقة أكثر نضجا في التواصل مع واشنطن في إطار براجماتي يبتعد عن توجيه الاتهامات والفهم الأوسع للمصالح الأمريكية في المنطقة. علي الصعيد الإقليمي, إعادة انتخاب بنيامين نيتانياهو لفترة جديدة في رئاسة الحكومة الإسرائيلية في الأسبوع الأخير من يناير, وهو الأرجح, يمثل تحديا للعلاقة بين الرئاسة المصرية والسلطة في إسرائيل في العام الجديد, حيث تترقب الأوساط الأمريكية أن يترجم التقارب مع أمريكا في صورة تقارب ملموس تجاه العلاقات مع تل أبيب في ظل غياب أي نوع من الاتصالات الرسمية بين الجانبين في الشهور الستة لمحمد مرسي في السلطة, وسوف يواجه الرئيس خلال زيارته المحتملة لواشنطن بأسئلة عديدة من كبار المسئولين الامريكيين, خاصة في الكونجرس, حول موقفه من دولة إسرائيل, وبالقطع يترقب الإسرائيليون موقف الرئاسة المصرية من المواجهة المحتملة بين السلطة الفلسطينية ونتانياهو حول مشروع بناء مستوطنات جديدة في ظل تهديد الرئيس محمود عباس باللجوء إلي المنظمات الدولية بعد حصول بلاده علي وضع دولة مراقب في الأممالمتحدة. كما أن الأزمة السورية في منعطف أكثر غموضا وتنخرط مصر في قلب لعبة إقليمية كبري ربما تضطر الرئاسة المصرية معها إلي ترشيد مسعي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا للوصول إلي الحكم لتهدئة المخاوف الإقليمية من طموح التنظيم الواسع الانتشار في إحكام القبضة علي السلطة في عدد من الدول العربية ولكن في جميع الحالات يبدو مسار العلاقة بين دول الخليج العربي-بإستثناء قطر- والرئاسة المصرية صداعا في رأس واشنطن في ظل تخوفات دول الخليج من المشروع السياسي للإخوان وعدم رغبيتها في تطوير العلاقة في تلك المرحلة بكل ما تتضمنه من إمكانية دعم مصر إقتصاديا. في النهاية, لو وصلت مصر إلي مرحلة إنتخابات مجلس النواب الجديد دون عوائق سياسية سيكون البرلمان الجديد هو البوصلة التي سوف تبني عليها واشنطن كثيرا من سياساتها تجاه مصر سواء إحتفظ الإسلاميون بالأغلبية او حدث توازن بين القوي الإسلامية والمعارضة المدنية في الصناديق حيث ستفرض النتائج واقعا جديدا يعزز من علاقة الرئاسة المصرية والبيت الأبيض أو تدخل المعارضة في الصورة بثوب جديد! الشرق الأوسط يبحث عن أجوبة لأسئلة الربيع العربي تقف أنظمة الشرق الأوسط عند مفترق طرق, فهي تملك قدرا هائلا من الثروات الطبيعية, والموارد البشرية, إلا أنها ظلت لعقود طويلة تؤجل عملية الاصلاح السياسي, ولم تسفر محاولاتها الخجولة للإصلاح الاقتصادي إلا عن مزيد من الآلام لمحدودي الدخل والمهمشين, الأمر الذي عجل بانتفاضات الربيع العربي, وباتت الأنظمة جميعها في حيرة شديدة من جراء حالة التململ الكبيرة ما بين قطاعات واسعة من الناس, وبالأخص بين الشباب, ويبدو أن الجميع سواء من أصابه الربيع أو ينتظر دوره دخل ظلال الأزمة الممتدة, ويبحث عن أجوبة لأسئلة ليست وليدة اليوم, إلا أنها باتت ملحة في ظل الغضب الشعبي, وعدم القدرة علي الانتظار. والمثير في الأمر أن الإصلاح السياسي علي أهميته ليس بذات خطورة الأوضاع الاقتصادية, فالمنطقة رغم كل شيء مهددة بتضاؤل أهميتها علي نحو متزايد, وذلك في ظل اقتصاد عالمي يتسم بالشراسة, فاقتصادات المنطقة خاصة دول الربيع العربي في احتياج الي تحديث الاقتصاد, وتنفيذ اصلاحات جذرية من أجل توليد النمو, والأخطر توفير فرص العمل لقطاعات عريضة تعاني البطالة, إلا أن المسألة ليست بهذه السهولة, فالأنظمة مابين خيارين كلاهما مر: الاسراع بتقليص عجز الموازنة من خلال تقليص الدعم أو ترشيده وزيادة الاعباء علي المواطنين, وذلك في ظل حالة فوران وتوقعات بأن الربيع العربي سيوفر الزبد والعسل بأسرع وقت, وبالتالي المخاطرة بمزيد من الاحتجاجات, وهذا ما شهده الأردن ويتوقع أن نشهد قدرا مماثلا له في البلدان الأخري, أما الخيار الآخر فهو تجاهل شواهد الأزمة, والاسراع بتقديم حزمة اجراءات شعبوية من خلال زيادة الجهاز الإداري للدولة بمزيد من البطالة المقنعة والتوسع في الخدمات الاجتماعية, وهذا من شأنه زيادة عجز الموازنة, والضغط علي الاحتياطيات النقدية التي تتآكل بسرعة! ووفقا لتقديرات خبراء صندوق النقد الدولي فإنهم يتوقعون تحديات صعبة في المنطقة, وبخاصة في الدول المغاربية, فنسبة البطالة تصل الي40% ما بين الفئات المتعلمة, ووفقا لما هو متوقع فأن النمو الاقتصادي سيكون متواضعا, الأمر الذي سيحرم هذه الدول من ثمار التعليم, وأغلب الظن أنه إذا استمرت حالة الانفلات الأمني, والاحتقان السياسي في بلدان الربيع فإن الأزمة الاقتصادية سوف تزداد تعقيدا, ولن يكون بمقدور متوسط النمو الذي يتراوح ما بين3 و4% أن يوفر فرص العمل المطلوبة, بل إن معهد التخطيط العربي يقول في دراسة له حول أوضاع العاملين أن معدل البطالة سوف يستقر عند11%, وذلك بالرغم من انها حققت معدلات نمو(5%) خلال ال40 سنة الماضية, إلا أنها في أحسن الاحوال لن تحل معضلة سوق العمل, وستحافظ علي استقرار معدلات البطالة. وهنا فإن السؤال: تري ما هي السيناريوهات المحتملة في المستقبل؟. ووفقا لنبيل عبدالفتاح الخبير في الاجتماع السياسي فإن ثمة سيناريوهات مرجحة: الأول تراكم الاحتقانات الاجتماعية وأشكال الاحتجاج المختلفة بسبب عسر الحياة, وهو ما سوف يتبدي من خلال وقفات احتجاجية, واعتصامات, واضرابات عمالية, والسيناريو الثاني: احتمال انفجار اجتماعي في وسط الفئات الأكثر عسرا في قيعان المدن وهوامشها, وفي هذه الحالة ستدخل قطاعات من الشباب كجزء من هذه الانفجارات الاجتماعية, وهي التي لم تدخل ساحة الصراع السياسي والاجتماعي حتي هذه اللحظة, أما السيناريو الثالث: الوصول الي توافقات في الحد الأدني نحو بناء أرضيات مشتركة حو بعض قضايا من عينة اعادة بناء المؤسسات السياسية, والوصول الي قناعات أساسية حول القيم والسلوك في إطار دولة القانون, والتوفيق بين الثقافة القانونية الغربية, والمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.. والأهم للقيم الاسلامية الفضلي في عديد من مناحي الحياة, الأمر الذي يؤدي الي تحريك ديناميات جديدة, وادخال الشباب من جميع الأطياف السياسية والاجتماعية الي الساحة. ويبقي أن العام الجديد الذي يطل غدا ربما سيكون الأصعب علي الجميع, لأنها ستكون لحظة فقدان الأمل في نتائج الانتفاضات الشعبية في بلدان الربيع, ونفاد الصبر للجماهير من عدم تحقق الاصلاح في بقية البلدان الأخري التي تخشي من امتدادات الغضب اليها, وفي المقابل, ربما تكون بداية النضج السياسي وحدوث المشاركة لا المغالبة السياسية, وإنقاذ المجتمعات العربية من حافة الهاوية التي تبدو أنها تنزلق اليها من جراء عناد القوي السياسية المختلفة خاصة تيار الاسلام السياسي, ولن تكون التوافقات وحدها ضرورية لدول الربيع, بل مطلوبة وبشدة في دول المشرق وشمال إفريقيا ودول الخليج, فنحن أمام إلحاح كبير يفرض علي النخب ضرورة احتواء العرقيات والاقليات ا لإثنية والدينية في اللعبة السياسية, وبعد ذلك كله فإن الاجوبة العاجلة مطلوب أن تأتي مبدعة ومن خارج الصندوق لايجاد فرص عمل, وتوزيع عادل للثروة, ونهاية للصيغة البائسة, قلة محظوظة.. وأغلبية محرومة.