كان مفهوما أن يقول أستاذ الجيل( أحمد لطفي السيد) في العشرينيات من القرن الماضي: نحن أصحاب المصلحة الحقيقية! وكان يعني مجموعة المثقفين الذين يجاملونه ويعيشون معه مثل العقاد وطه حسين والمازني وآخرين. والمعروف أن الأمية كانت متفشية في ذلك الوقت وتكاد تصل النسبة الي نحو90%.. أما اليوم فالنسبة كما تقول الأمم المتحدة40%.. وربما أقل.. وهذا معناه أن المثقفين عندما كانوا يقولون إنهم أصحاب المصلحة الحقيقية.. كان ذلك مبررا.. لكن أن يقال نفس الشيء في زماننا فهذا ما نرفضه ونكاد ندينه! لأن الأمية انحسرت.. كذلك لابد من الاعتراف بأننا لسنا أكثر اخلاصا في وطننا من غيرنا, فالكل يشعر أنه مواطن مصري مهموم ببلده.. وقلق من أجله.. ويتمني له الاستقرار من كل قلبه وعلينا أن نحترم, في ذات الوقت آليات الديمقراطية وان نقبل النتيجة التي تسفر عنها مهما كانت.. وللإنصاف يجب ان اعترف بأنه يحز في نفسي أن أجد أن البعض يشكك في نتيجة الاستفتاء وتعلو صرخاته عاليا.. المؤلم انهم كانوا موجودين.. وعمليات التزوير والتزييف في الأصوات والانتخابات تتم في العهد السياسي السابق.. مثني وثلاث ورباع ولم يسمع أصواتهم ولا صرخاتهم أحدا. وغاب عن بال هؤلاء وهؤلاء عدة حقائق: أولا: أنهم ليسوا أوصياء علي الشعب المصري.. ولم يعد مبررا القول بأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية. ثانيا: أن آليات الديمقراطية لابد من احترامها. ثالثا: يجب احترام النتيجة.. سواء كانت مع أو ضد. العجيب أن من يشككون في نتيجة الاستفتاء يرفضون دون أن يدروا آليات الديمقراطية التي يتشدقون بها ليل نهار, والأهم اننا لو شايعنا هؤلاء ورفضنا لهم نتيجة الاستفتاء وبحثنا عن حزب آخر أو جماعة أخري يمكن ان تحكم مصر.. لما وجدنا سوي أحزاب ورقية لا أساس لها من الجماهير في الشارع بمعني أنها معزولة تماما عن عامة الشعب.. وهنا يقول قائل إن جماعة الإخوان أقدم وأكثر تنظيما وموجودة بالفعل بين الجماهير ثم انها اختارت من بينها حزبا هو حزب الحرية والعدالة.. باعتباره الوجه السياسي لجماعة الاخوان.. وأمام عقم الدعوة للائتلافات التي تحدث نوعا من التوازن مع جماعة الإخوان وعدم وجود المعادل الموضوعي لحزب الحرية والعدالة.. فإن مصر لن تجد سوي فراغا سياسيا تواجهه.. ومن ثم فالأفضل أن تكون في أيدي جماعة الاخوان وإلا فالدمار والهلاك سيكون في انتظارها! صحيح أن هناك ملاحظات كثيرة علي حكم الاخوان مثل انهم خطفوا مصر لحسابهم.. ومثل بعض بنود الدستور التي تستحق التعديل.. لكن ما لا يستطيع أن ينكره أحد شيئان: إن جماعة الاخوان ليست أقل وطنية من أي حزب آخر.. أما الأهم فهو أن غالبية الشعب المصري قد وافقت علي الدستور وهذه هي مقتضيات الديمقراطية كما يعرفها الغرب وكما اخترعها اليونان الأقدمون! بعبارة أخري نحن نرفض مبدأ الوصاية علي الشعب الذي يحاول البعض أن يفرضه علي الناس ويتجلي في اختيارات سياسية تسير في طريق عكس ما يراه الاخوان! وغاب عن بال هؤلاء للأسف الشديد أن مبدأ الوصاية يتنافي مع آليات الديمقراطية ويرتبط بزمن استبدادي نرفضه ولا نقبل له عودة. ورغم أن بعض رموز هذا التيار العكسي بذل جهدا مضنيا في الدعوة لكلمة لا للدستور وعمل ما يشبه الإعلانات لحض الناس علي رفض الدستور إلا أن63% قالوا نعم عكس ما يريده هؤلاء.. وهذا يعني أن الديمقراطية تقتضي قبول هذا الأمر والكف عن التشكيك في النتائج. وإذا تصور البعض اننا نصادر بهذا المعني دور المعارضة كما تحض عليه الديمقراطية أقول إن دور المعارضة ينصرف نحو برامج الحزب الحاكم في التنمية والإصلاح في الداخل والخارج, هكذا فعلت أمريكا عندما حدث خلاف بين جون كيري ومنافسه في الرئاسيات جورج دبليو بوش.. لكن بعد أن قال القضاء الأمريكي كلمته ورجحت كفة جورج دبليو بوش انصرف كيري مع المعارضة الاخري للتعليق علي برامج الحكومة الأمريكية وكفوا عن التشكيك.. حسبما تقضي بذلك اللعبة السياسية.. لكن ما يؤلم هو اننا لانزال نشكك في الرئاسيات والدستور ونفرض الوصاية علي الشعب الذي لا يفهم! بل نشكك في الاستفتاء لالشئ إلا لأنه جاء بنتائج لا يريدها المعارضون! باختصار نحن لا نميل لكفة الاخوان.. لكن السؤال الآن: إذا كان الشعب المصري في غالبيته يريد هذه الجماعة.. فما العيب في ذلك؟.. ان فرض الوصاية أصبح هدفا في حد ذاته وبالتالي فما تراه الأغلبية مرفوض مهما كانت النتيجة! ثم وهذا هو الأهم, هناك قضايا تنموية يجب الانشغال بها لنهضة ورقي المجتمع.. وتخفيف العبء علي المواطنين وهناك سؤال يؤرق الكثيرين هو التالي: لماذا نتصرف تصرفات تدرجنا في صفوف شعوب العالم الثالث؟ لماذا نقبل تصنيف مصر ضمن دول العالم الثالث.. مع اننا نشاهد ان دول العالم المتقدم تسلم بنتائج الاستفتاءات عندما حدث خلاف حول الدستور الفرنسي والدستور الأوروبي. أخيرا لقد رجحت كفة نعم بأغلبية شعب مصر علي الدستور.. وإذا كانت هناك قضايا خلافية وتشكيكات في النتائج فهي مطروحة علي القضاء.. وعلينا أن نكف عن لعبة الوصاية علي الشعب لأنها أدخل في دنيا الاستبداد الذي رفضناه وأخذنا بالديمقراطية وأسبابها.. كما انه يتعين علينا ان نبدأ اليوم قبل الغد النظر لما تحتاجه مصر وان يجري حوار مجتمعي حول كل ما يخص الشعب المصري.. علينا ان نبدأ ذلك قبل ان تتعرض مصر لهزة اقتصادية لا نريدها ولا نتمناها.. وقبل ان تقع مصر في فراغ سياسي غير مبرر نخشاه ونحذر منه! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي