3 مايو2010 كنت أحضر ندوة عمل في بروكسلببلجيكا في الأسبوع الثاني من شهر أبريل. وتصادف أن مرت أوروبا بفترة شلل في الحركة الجوية أثناء وجودي بها, ذلك بسبب السحابة البركانية. وقد ساعد تواجدي بأوروبا لفترة أكثر من المتوقع, في أن أفكر في عدد من القضايا إما لأننا ناقشناها أثناء المؤتمر أو لأن الواقع فرضها. كانت الندوة التي دعيت للمشاركة فيها تمثل نقطة الإنطلاق لبداية مشروع اقتصادي بحثي ضخم يتناول أفق التعاون المستقبلي ما بين دول حوض البحر المتوسط في عدد من المحاور الأساسية خلال الفترة2010-.2030 وشملت محاور التعاون عدة مجالات أهمها: التعاون السياسي الإقليمي والحوكمة, والقضايا السكانية والحماية الإجتماعية والتعليم, والتنمية الاقتصادية والمالية, والطاقة والبيئة, فضلا عن محاولة بناء سيناريوهات لمستقبل المنطقة. وكانت المناقشات مستفيضة ومليئة بالتفاصيل العلمية الهامة. ومن بين الأمور التي طرحت للمناقشة كانت قضية احتياجات دول شمال المتوسط للطاقة خلال المدي المتوسط(2030) والبعيد(2050). فالخريطة القائمة للتبادل إستيرادا وتصديرا للبترول والغاز الطبيعي من دول الجنوب( الجزائر, ليبيا ومصر) وباقي الدول الأوروبية شمالا تمثل واقعا مناسبا في الوقت الحالي, وإن كان هذا الأمر غير قابل للاستمرار مستقبلا بفعل النضوب التدريجي لاحتياطات الدول الثلاث المصدرة. ومن ثم كان من الطبيعي أن تتم مناقشة البدائل المستقبلية الممكنة للتبادل ما بين المنطقتين. ولعل أهم البدائل التي طرحت علي مائدة المناقشات كانت كل من استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح, خاصة بسبب تمتع منطقة جنوب المتوسط بإمكانيات تؤهلها لإستغلال هذه الموارد الطبيعية المتجددة مستقبلا ويسمح لها بتصديرها لشمال المتوسط. وبحسب التقديرات العلمية المتوافرة حاليا فإن إستغلال الطاقة الشمسية المتاحة في دول الجنوب يسمح في المدي المتوسط وفي ظل التكنولوجيا القائمة بتوفير15% من إجمالي احتياجات أوروبا من الطاقة. وكان من الطبيعي أن أطرح عدة أسئلة في هذا الصدد أهمها حول كيفية تقدير هذا الرقم, وآلية تنفيذ هذا المشروع وموقعه, ومدي استفادة دول الجنوب من الطاقة الشمسية المتولدة ومدي القدرة علي إحلالها محل البترول والغاز الطبيعي وإلي أي حد,,,, الخ. وكانت الإجابة مختصرة ومقتصرة علي أن هذه التقديرات قام بها كونسورتيوم من المؤسسات الألمانية الرائدة في مجال تطوير تكنولوجيا توليد الطاقة الشمسية في العالم وتخص الجانب الأوروبي وحده. ومن هذا المنطلق أخذت أبحث عن هذا الكونسرتيوم وخطته لاستثمار الطاقة الشمسية في شمال أفريقيا علي صفحات الإنترنت. وبالفعل وجدت خريطة دقيقة للمواقع المقترحة لإنشاء محطات تجميع الطاقة الشمسية في كل من دول جنوب البحر المتوسط, العراق, السعودية, وعمان, وموريتانيا, وتركيا, وصقلية واليونان وأسبانيا, وكذلك محطات إستقبالها في أوروبا. ويخص مصر وحدها نصيب الأسد بحوالي9 محطات( موزعة ما بين الساحل الشمالي وساحل البحر الأحمر) من بين35 محطة مزمع إنشاؤها بواسطة هذا التجمع الصناعي العملاق. وهو أمر يدل علي عدة أشياء تأتي في مقدمتها: أولا الواضح أن هناك شركات كبري تدرس وتخطط وتجمع حاليا التمويل المناسب للاستثمار في منطقة جنوب المتوسط بما يخدم مصالح الدول الأوروبية. ثانيا أن مصر بموقعها الجغرافي والمداري تمتلك إمكانات هائلة من الطاقة الشمسية التي يمكن الإستفادة منها; بل ويجب التخطيط لذلك. وإذا كان هناك حديث دائر في مصر الآن حول قصر العمر الإفتراضي المقدر للاحتياطات المصرية من البترول والغاز الطبيعي, فمن المهم الشروع في دراسة إمكانيات البدء في التخطيط للاستثمار في مجال الطاقة الشمسية. ثالثا أن هذا المجال الجديد والبكر من النشاط الاقتصادي يمكن أن يفتح المجال أمام صناعات وخدمات متنوعة يمكن أن تنشأ وتنمو معه, وهو ما يعني مزيدا من الإنتاج, والتشغيل والتصدير, فضلا عما يعنيه من توفير طاقة نظيفة ورخيصة للنشاط الاقتصادي بوجه عام. وهو ما يتطلب إعداد البنية الأساسية من تعليم وتدريب وبحث علمي وغيرها من أسس قيام نشاط جديد وناجح. رابعا أن خريطة توزيع مناطق إنشاء المحطات الجديدة والأخري التي يمكن أن يحددها قطاع البحث العلمي المصري ستفتح المجال أمام إعادة توطن السكان في مناطق جديدة غير مكتظة بالسكان علي شاطيء البحرين المتوسط والأحمر. وإذا كان السفر إلي بلجيكا ثم ألمانيا قد أتاح لي فرصة المشاركة في مناقشات علمية جادة حول بعض قضايا المنطقة المصيرية, فهو أيضا فتح عيني علي حقيقة لا يصح إهمالها من المسئولين وأولي الأمر. وكان أحد هذه الموضوعات التي أثارت انتباهي هو إعداد البرلمان البلجيكي لصدور قانون لمنع النقاب أو كما يسمونه هناك البرقع. وإذا كنت أنا شخصيا غير موافقة علي مبدأ إرتداء النقاب لأسباب كثيرة ليس هذا مجالها الآن, فأنني لا أوافق علي مبدأ التعدي علي الحرية الشخصية بهذا الأسلوب. وأتوقع أن يلي ذلك منع الحجاب, ثم قد يلي ذلك, والله أعلم, في خطوة أشد حدة منع المسلمين بوجه عام من الهجرة أو السفر للعالم الغربي!!!!! فما رأيته وسمعته من بعض المناقشات راعني, وأكد لي أن هناك آراء تروج للخوف من الإسلام بوجه عام ومن المسلمين بصفة خاصة. ولم يعد الأمر قاصرا علي نقاب أو برقع وإنما إمتد لفكرة الخوف من الدين الإسلامي ككل. فعملية تمسك إنسان بعقيدته تعتبر أمرا غير مفهوم بالنسبة لكثير منهم. وكان من الطبيعي أن أحاول الرد علي كثير من المغالطات. فالإسلام موجود منذ أكثر من1500 عاما فما سبب هذا الإنزعاج المفاجيء؟ لقد كانت كثير من الدول الأوروبية تحتل دولا إسلامية ومواطنيهم يعيشون في بلادنا. ولم نسمع من المواطنين الأجانب المقيمين في الدول العربية والإسلامية شكوي تذكر من أبناء هذه الدول وإقامتهم للشعائر الدينية. بالعكس فقد اتجهت الكثير من الجاليات الأجنبية للإقامة الدائمة ببلادنا لما شعرت به من أمان. بل وأن مدارس الرهبان والراهبات الأوروبية استقرت في مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر, وتعلم فيها أجيال متعاقبة من التلاميذ- وأنا وكثيرون غيري منهم. تعلمنا أفضل تعليم علي أيديهم. لم يعترض آباؤنا علي زيهم أو تخوفوا من تأثيرهم علي تفكيرنا من أثر انتمائهم الديني. لقد كنا حقا دائما في بلاد الشرق أكثر تسامحا وفهما لقيمة الأديان: الإسلام والمسيحية واليهودية. وسكن آباؤنا وأجدادنا وسط جيرانهم الأقباط واليهود, وتعايشوا في ود وحب وصداقة. وكانت الأعياد الخاصة بأي منهم فرصة للجميع للتهاني والمباركة. فماذا حدث؟ أنا حقيقة لا أملك إجابة! والمطلوب من علماء الاجتماع تفسير هذا التحول في سلوك جزء من المواطنين الغربيين, والبحث عن السبل لعلاج هذا الموقف المتردي في النظرة للإسلام والمسلمين. وكذلك مطلوب من الجاليات الإسلامية المقيمة في الخارج أن تسعي بدورها للإندماج في المجتمعات المهاجرة إليها, وإعطاء نموذج عصري ومتنور للإنسان المسلم المتعلم. فالعزلة عن المجتمعات تثير التكهنات وتؤكد المخاوف التي تنشرها بعض الجهات المعارضة للإسلام والمسلمين. وكذلك مطلوب من مؤسسات المجتمع المدني أن تلعب دورا تنويريا في الحوار ما بين الحضارات لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام السمح, وليست الصورة المشوهة في مخيلة بعض الغربيين. وفي النهاية, أود أن أؤكد أن السحابة البركانية أثبتت للجميع أن الإنسان علي الرغم من كل التطور العلمي الكبير وقف مشدوها ومكبلا أمام قدرة الله سبحانه وتعالي في تحريك بسيط للظواهر الطبيعية في صورة بركان أيسلندا. ولكن السحابة الأخطر هي التي تغشو أعيننا نحن مواطني العالم تجاه الآخر.