طارق الشيخ اندلعت ثورة التحرير الجزائرية في1 نوفمبر1954 ضد الإستعمار الفرنسي الذي إحتل البلاد منذ عام.1830 وعلي مدي سبعة أعوام ونصف العام إستمرت الثورة كخليط من الكفاح المسلح الدامي والإحتجاجات الشعبية والعمل السياسي والتفاوضي المكثف, وإنتهت بإستفتاء شهير لتقرير المصير أسفرت نتيجته يوم5 يوليو1962 عن إعلان إستقلال الجزائر بعد أن قدمت أكثر من مليون ونصف مليون شهيد. وقد تلا إعلان الإستقلال رئيس فرنسا الجنرال شارل ديجول عبر التليفزيون, مخاطبا الشعب الفرنسي وموضحا أن خروج بلاده من الجزائر سيكون وفق ما نصت عليه إتفاقيات إيفيان الموقعة في مارس1962, معلنا علي إثر الخطاب ميلاد الجمهورية الجزائرية ومغادرة مليون من الفرنسيين الذين إستعمروا الجزائر زهاء132 عام. يذكر التاريخ أن شارل ديجول, الذي وصل إلي السلطة بدعم مؤيدي إستمرار الإحتلال الفرنسي للجزائر تحت شعار' الجزائر فرنسية', بأنه من وضع حدا لحرب الجزائر وكرس إستقلالها بعد توقيع معاهدات إيفيان في مارس.1962 فأثناء زيارته للكونغو برازافيل فاجأ ديجول العالم يوم24 أغسطس عام1958 بإعلان البدء في عملية إزالة الإستعمار ومنح الاستقلال لدول أفريقيا عبر تأسيس ما يعرف ب'مجموعة فرنسا أفريقيا'. وبعد أقل من سنتين وفي خضم الأزمة الجزائرية تنال الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية إستقلالها. وفي17 أكتوبر1961 نظم الجزائريون الذين يعيشون في فرنسا مظاهرات حاشدة تضامنا مع ثوار جبهة التحرير الوطني الجزائرية.وشقت المسيرة الجزائرية قلب باريس حيث تم قتل العديد من المتظاهرين. وكانت تلك المظاهرات التي شقت قلب باريس إيذانا ببداية النهاية للوجود الفرنسي في الجزائر. فبعد مرور أقل من شهر علي تلك المظاهرات نظم ديجول في يناير1961 إستفتاء بين الفرنسيين حول تقرير مصير الجزائر وهو الإستفتاء الذي صوت فيه الفرنسيون بأغلبية75% من الأصوات لصالح حق تقرير مصير الجزائر.وبعدها قرر ديجول الدخول في مفاوضات مباشرة وعلنية مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بداية من شهر فبراير.1961 فقد تجاهل ديجول إنتقادات العسكريين,وكان يعلم أن فرصة القضاء علي الثورة قد إنتهت,وكان مشغولا بفكرة وضع فرنسا علي طريق النهضة والتقدم التكنولوجي,وهو مدرك أن الحرب قد تحولت إلي عبء إقتصادي كبير علي الخزينة الفرنسية. وفي شهر مارس1962 تم الإتفاق علي وقف إطلاق النار بين الطرفين ووضع الخطوات اللازمة لتنظيم إستفتاء حول إستقلال الجزائر. نزع فتيل' متعاونة'! وجاءت ورقة الإستفتاء علي تقرير مصير الجزائر( الإستقلال) يوم1 يوليو1962, تحمل السؤال التالي:' هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة,'متعاونة'مع فرنسا,وفق الشروط المقررة في تصريحات19 مارس1962 ؟.' وعرض علي الجزائريين وغيرهم من الأوروبيين والفرنسيين المقيمين علي أرض الجزائر يومها,ورقتان لونهما برتقالي تحملان العبارات ذاتها, وتختلفان فقط في نعم ولا,اللتين كتبتا باللغتين العربية والفرنسية. وكان يمكن أن يكون النص عاديا لو توقف سؤال الإستفتاء عند:' هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة؟',ولكن كان وجود عبارة'متعاونة'مع فرنسا,وفق الشروط المقررة في تصريحات19 مارس1962', يشير إلي التعاون بين الجزائروفرنسا وفق إتفاقيات إيفيان,التي سعي من خلالها الطرف الفرنسي لإستغلال ميناء' المرسي الكبير'بوهران,( غير أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين,أخلاها من آخر جندي فرنسي بحلول عام1967). وأدرك الجزائريون أن الطرف الفرنسي كان يخفي من وراء كلمة'متعاونة'رغباته في الحفاظ علي إمتيازات بعد خروجه من الجزائر. ولم يكن'فخ'المرسي الكبير هو الوحيد في ورقة الإستفتاء بل كان هناك فخ آخر يتعلق بمحاولة إحتفاظ فرنسا بالصحراء الجزائرية المترامية الأطراف. فالصحراء الجزائرية كانت مهمة لفرنسا لما بها من موارد طبيعية( بترول)بالإضافة لكونها ساحة تجارب نووية مثالية ولازمة لإستيعاب تجارب دولة تسعي لإقتحام النادي النووي العالمي بكل قوتها. ولكن الوفد الجزائري المفاوض فطن للأمر ووافق علي منح فرنسا مهلة5 سنوات فقط تغادر بعدها الصحراء الجزائرية. وقد تمت المصادقة علي الإستقلال بإستفتاء في فرنسا في أبريل1962 وإستفتاء بالجزائر في1 يوليو1962 وأعلنت النتيجة النهائية علي الجماهير يوم5 يوليو.1962 ومن الطريف أن ديجول الذي إهتم بمبدأ الإستعانة بالإستفتاء للخروج من الجزائر قد خرج هو نفسه من الحكم في عام1969 عقب فشل مقترحاته السياسيه في الحصول علي أغلبية مقبولة من الأصوات باستفتاء شعبي في فرنسا!