الرئيس السيسي يشارك في احتفالات ذكرى عيد النصر بموسكو    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    ارتفاع سعر الجنيه الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    سعر الأسمنت اليوم الجمعة 9 -5 -2025 الطن ب 4000 جنيه    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    السيفيتشى ولحم الماعز .. أبرز الأطباق المفضلة لبابا الفاتيكان الجديد    المستشار الألمانى يطالب ترامب بإنهاء الحرب التجارية وإلغاء الرسوم الجمركية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    محمد صلاح يواصل كتابة التاريخ مع ليفربول.. رقم قياسي بجائزة لاعب العام    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    حافلة الزمالك تصل إلى ستاد المقاولون العرب لمواجهة سيراميكا    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص على طريق الواحات بالمنيا    في «دورة الأساتذة».. تكريم «حنان مطاوع ورياض والغرباوي» بالمهرجان العالمي للمسرح    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    ملتقى الثقافة والهوية الوطنية بشمال سيناء يؤكد رفض التهجير والتطبيع مع الكيان الصهيوني    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    مصر أكتوبر: مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات موسكو تعكس تقدير روسيا لدور مصر    ضبط لصوص الهواتف المحمولة والمساكن في القاهرة    دون وقوع إصابات... سقوط سلك كهرباء تيار عالي على 3 منازل بكفر الشيخ والحماية المدنية تخمد الحريق    ضبط شخص بالوادي الجديد لقيامه بالترويج لبيع الأسلحة البيضاء بمواقع التواصل    إدارة شئون البيئة بالإسماعيلية تعقد حلقات حوارية للصيادين ببحيرة التمساح (صور)    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    رئيس مصلحة الضرائب: رفع نحو 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    وزير الري يؤكد سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ دعما للمستثمرين    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز توت عنخ آمون استعدادا للافتتاح الرسمي    محمد رياض يعلن تشكيل اللجنة العليا للدورة ال18 للمهرجان القومى للمسرح    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    قصة وفاء نادرة.. كيف ردّ النبي الجميل لامرأتين في حياته؟    صادرات الصين تتخطى التوقعات قبيل محادثات مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    «الصحة» تُطلق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي    لطفل عمره 13 عامًا وشقيقته هي المتبرع.. نجاح أول عملية زرع نخاع بمستشفى أبوالريش المنيرة    إطلاق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد ومراكز الجهاز الهضمي باستخدام تكنولوجيا التطبيب «عن بُعد»    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    وزيرة البيئة: التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا عوامل مُمكّنة وحاسمة للعمل المناخي    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د/محمد المهدي أستاذ الطب النفسي:‏
الشعب يعيش حالة خوف علي لقمة العيش ولا يهمه الدستور
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 12 - 2012

في ظل التوتر الموجود في الشارع الآن هل أصبحنا علي أبواب الفوضي والصدام‏,‏ هل نحن علي أعتاب حرب أهلية لا تبقي ولا تذر‏,‏ هل بات السياسيون متفرغين لتخوين الآخر وتدميره فقط‏,‏ ونسوا الوطن أو تناسوه‏.‏ مخاوف كثيرة تحدق بالوطن, ومخاوف أكثر تحيط بالبسطاء علي أمنهم وأمانهم ولقمة عيشهم, وقضايا أخري حملناه للدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ليجيب عنها..
إلي أين تبحر سفينة الوطن؟
لا أحد يدعي الآن معرفة إجابة هذا السؤال علي وجه التحديد, ولكن هناك علامات علي الطريق بعضها مقلق, وبعضها ينبئ بأننا مقبلون علي شيء جديد, المقلق هو هذه الحالة من الانقسام والصراع التي لم يشهدها المجتمع المصري بهذه الحدة من قبل بالرغم من أنه واجه أزمات ومشكلات كثيرة, ولكن كان يواجه كل ذلك وهو متحد, أما الآن فهو يواجهها وهو منقسم, وهذه أخطر حالة يمر بها, فالشعب أصبح الآن: أنا وأنت, هم ونحن, شهداء من هنا وقتلي من هناك, مليونية هنا وأخري ضدها هناك, وهذه الحالة من الانقسام وراءها مشكلة كبيرة تعني خللا في إدراك الآخر, بحيث إذا تأملت كل فريق من الفريقين المنقسمين( القوي الإسلامية والقوي المدنية) تشعر بالخطر, لأن تصور كل فريق للآخر تصور سلبي جدا, فمثلا تصور فريق القوي المدنية الذي يجمع القوي الليبرالية واليسارية والشيوعية والناصرية وغيرها للإسلاميين أنهم رجعيون وظلاميون مستبدون, وأنهم مناورون وبراجماتيون و انتهازيون وإرهابيون, بينما صورة القوي المدنية في أعين القوي الإسلامية تجدها أيضا سلبية ومخيفة, فهي تري أن هذه القوي لا تريد لمصر أن تكون دولة إسلامية فهي مستغربة( أي تابعة للغرب), وتريد أن تتحكم بقوة ديكتاتورية الأقلية, وأنهم لا يمثلون إلا أعدادا قليلة جدا, ولا يمثلون أغلبية الشعب المصري ولا توجهاته, ولكن هم لهم سطوة إعلامية ويحاولون أن يستبدوا بالشعب المصري بالكامل من خلال هذه السطوة, وهذه الصورة تجعل الآخر فصيل القوي المدنية ربما بعيدا من الدين, بعيدا من الثقافة, مواليا لثقافات خارجية, وقد يصل الأمر إلي حد التكفير أو التفسيق.
من يغذي هذه الصورة؟
تغذية هذه الصورة تأتي من خلال الرؤية العنصرية للطرف الآخر, فهو دائما يري الآخر سيئا قميئا متآمرا مستبدا, وحينما تصل الأمور إلي هذه الرؤية العنصرية والإدراك السلبي للآخر, إعلم أن هناك خطرا حقيقيا, لأن هذا مقدمة لصراع بل وصراع عنيف, فأنت لا تري الآخر جديرا بالتعاون أو التفاهم معه, ولذا فهو هنا جدير بالإلغاء والاستبعاد, وجدير أيضا بالصراع التدميري.
وهل نحن علي أبواب صراع تدميري الآن؟
تبدو بوادره, بل بدأت أولي خطواته, في أحداث الاتحادية, وهذا علامة مخيفة جدا, فالصراع شيء حتمي في حياة البشر, ولا يمكن أن ينكره إلا ساذج, ولكن أشكال هذا الصراع تختلف, فهناك الصراع التدميري, حيث هناك طرف يري الآخر لا يستحق إلا أن يستبعد وينفي فيسعي إلي تدميره, والعكس صحيح للطرف الآخر, فهو يسعي بنفس الوتيرة, وهناك الصراع البنائي, حيث يتم التصارع ولكنه يؤدي إلي شيء طيب, فيكون الصراع حول فكرة أو مشروع فيضغط كل طرف في اتجاه ما يراه قويا, وهناك الصراع التوافقي, حيث تتصارع قوتان فتكتشفان أنه من غير الممكن أن تدمر قوي الأخري, فيسعي العقلاء من الجانبين للبحث عن آلية للتوافق والتعايش, فنظم الديمقراطية الحديثة قامت علي هذا المفهوم.
وهل مرت النظم الديمقراطية الحديثة بكل أنواع هذا الصراع؟
للأسف شهدت ذلك, فأمريكا قامت فيها حرب أهلية ضروس قبل أن يصلوا إلي الدستور الأمريكي الرائع الآن, وأوروبا شهدت معارك طاحنة وحروبا أهلية قبل أن تستقر فيها الأمور علي النحو الذي نراه, وكنا نتمني ألا نمر بهذه الخبرة, ولكننا نعيش الان الصراع التدميري وبعيدين من البنائي والتوافقي, ففكرة البناء أو التعايش في المجتمع المصري بين الأفكار المختلفة ليست واردة الآن, والصورة الذهنية لدي كل طرف سلبية للغاية, فالصراع صراع غير عاقل وغير منظم, ولا تدري أين يقوم ولا أين ينتفض, ومن ثم فلا استبعد أن تقوم حرب أهلية لأنها حرب مجهولة تدور بين فئات من الشعب.
وكيف يتم تغييرها؟
هي تحتاج وقتا, وتحتاج عقلاء من الجانبين, يكونون موضوعيين, وكذلك أناس محايدون بحيث يقولون إن الآخر ليس شيطانا وهو مواطن في هذه الأرض: اليساري والعلماني والناصري والإخواني والسلفي, فكل هذه التيارات وطنية, وهم أصحاب حق في هذا الوطن, ولا يصح أن أجنب فئة بدعوي أنهم أقلية, أو أنهم لا يفهمون, أو ليس لهم الحق في أن يفرضوا أفكارهم.
أيضا العقلاء من الجانبين ومعهم المحايدون عليهم وضع آليات تضمن عدم تدمير طرف للآخر, ففي النهاية إذا استمر الصراع بهدف محو الآخر واستبعاده وإزالته فلن يزول, هكذا تقول سنن وقوانين الحياة, فالآخر سيسعي لتقوية نفسه حتي يقوم بتدميرك, وبالتالي سندخل في صراع لا نهائي, فمحاولة تدمير الآخر هي في الحقيقة تدمير للذات وليس الآخر.
دكتور في بداية حديثك قلت إن هناك علامات مطمئنة ما هي؟
العلامات المطمئنة أن المجتمع المصري أصبح أكثر فاعلية وحيوية ولديه لياقة الديمقراطية وهي موجودة منذ بدء الثورة وحتي الآن.
ولكن هل كانت تمر بفترات متباينة؟
نعم, كان يشوبها مراحل من الهبوط والصعود, وهذا شيء إيجابي, إذ كنا طيلة الثلاثين سنة الماضية نشكو كمتخصصين من حالة السلبية والخضوع والانحناء واللامبالاة في الشعب المصري, وكانت هناك حالة من العجز المزمن, استغلها النظام السابق كي يمرر كل أخطائه وفساده لاعتماده علي الصفات السابقة للشعب, فكان هناك ما يسمي بأخلاق العبيد, والآن هذه الصفات استبدلت بحالة من الإيجابية والثورية والإحساس بالقدرة علي التغيير, بيد أننا لا نخفي آثارها السلبية المتمثلة في حالة من عدم الاستقرار والتشرذم والقلق المستمر الذي انعكس تأثيره علي الاقتصاد والسياحة وتكوين مؤسسات الدولة.
في خضم ما نعيشه من صراع من هو الزوج المخدوع الآن؟
الزوج المخدوع الآن هو الشعب, فالقوي المتصارعة الآن تسعي إلي السلطة وإلي مصالحها الذاتية باسم الشعب والكل يتغني باسم الشعب, وفي الحقيقة هي تضرب الشعب في مقتل, وفي سيكولوجية السلطة هناك ما يسمي بأيديولوجية السلطة وهي تتمثل في الشعارات والمباديء المعلنة من السلطة وهي دائما براقة قد ينخدع بها الناس, مثل العدالة الاجتماعية والمساواة, بينما سيكولوجية السلطة هي المحرك الأساسي للسلطة, من السيطرة عليها ومحاولة التمكن, والإمساك بكل خيوط السلطة.
إذن سيكولوجية السلطة هذه موجودة لدي كل البشر, وهو ما يفسر لنا الهجوم علي الحزب الحاكم بأنه كسابقه في إداراته للبلاد؟
نعم, إذ إن لكل صاحب سلطة هاجس استبعاد من يعارضه, ويسعي جاهدا لإضعاف قوي المعارضة, كذلك في سيكولوجية السلطة هناك الرغبة الشديدة في توسيع دائرة السلطة, وذلك من أجل السيطرة علي كامل المساحة المتاحة أمامي من أجل البقاء, فالسلطة مرتبطة بنوازع في النفس البشرية عميقة جدا, فهي نوازع حب التملك والخلود وهي نوازع فطرية لدي كل البشر وليس الديكتاتور فقط, فصاحب السلطة حين يصل إليها فإن نازعي حب التملك والخلود يتضخمان وينموان بشدة, ولذا فإن العقلاء من البشر في المجتمعات المتقدمة أدركوا هذه الحقيقة, بأن المشكلة ليست في الشخص, ولكن في طبيعة السلطة نفسها, فهتلر بداياته غير نهاياته علي الإطلاق, ولكن وجوده في المكان اتاح له أن يظهر بالشخصية التي عرفناها, وصدام حسين بداياته كانت رومانسية جدا ووطنية وثورية, ومن هنا فإن عقلاء البشرية رأوا أن تقوم النظم السياسية والاجتماعية علي أساس الحد من تغول السلطة, والحد من استبداد السلطة واستمرارها وعدم تركها لضمير الحاكم وإنسانيته.
هناك دائما اتهام بأن الرئيس محمد مرسي لا يتخذ القرار بمفرده بل يشاركه فيه مكتب الإرشاد, ولذا نسمع دائما يسقط حكم المرشد, ما تحليل ذلك, وهل له علاقة بالتربية داخل الجماعة ؟
الدكتور محمد مرسي عاش عمرا طويلا داخل الجماعة, وهو إحدي قياداتها, ولذا أخذ الرأي مؤكد, فهي مؤسسة لها قواعد ونظم راسخة, اتفقنا معها أو لم نتفق, تجعل الشخص ملتزما بسياسة الجماعة وبتوجهات الجماعة, ولدينا أمثلة بأن هناك من خرج علي قواعد الجماعة ونظمها فكان مصيره الاستبعاد, مثل عبدالمنعم أبو الفتوح وكمال الهلباوي وغيرهما, إذن لابد أن نعترف بأن هناك مشاورات وترتيبات بين الدكتور مرسي وقيادات الجماعة.
حينما يري الشعب هذا الصراع بين القوتين, ما الذي يسيطر عليه الآن؟
الخوف, فالشعب ربما لا يهمه الدستور, ولا اللجنة التأسيسية, ولا حتي يهمه إذا كان من يحكمه مرسي أو عمرو موسي أو حمدين صباحي أو البرادعي, ما يهم الشعب هو توفير لقمة العيش والأمان, فهذه هي الاحتياجات الأساسية, وهي مفتقدة لدي العديد من فئات الشعب, ولذا سنجد منهم الكثير يذهب إلي التصويت في الدستور ب( نعم أو لا) وهو لم يقرأ حرفا واحدا فيه, وهو تصويت يقوم علي العهدة, وهؤلاء هم الطبقة الساحقة من الشعب المصري.
ماذا عن الكتلة الحرجة؟
هناك إرهاب بالقوة حتي لا تزيد هذه الكتلة القادرة علي إحداث التغيير في أي نظام مهما يكن.
هل نحن نعيش في مرحلة صار الدواء فيها أصعب من الداء؟
الأمر هنا يتوقف علي الدواء من أين يأتي, فالصوت الآن هو صوت الصراع, ولذا تختفي أصوات العقلاء, وللأسف هذه الأصوات قليلة جدا في مصر الآن, فالفترة الماضية شهدت تجريفا للكفاءات واستقطابا لبعضها, فنحن نفتقد لشخصية كاغاندي الذي وحد أمته نحو مشروع تحرر, أو مهاتير محمد في ماليزيا, ونيلسون مانديلا, نحن في هذه الفترة نحتاج إلي شخصية متجردة وذات بناء أخلاقي وقيمي عال جدا, تجعل الجميع يثق فيها, وتستطيع ضبط إيقاع الحركة الشعبية في اتجاه البناء, وتكون ملهمة لحركة البناء الوطني, وهذه الشخصيات دائما ما يكون لديها عزوف عن السلطة, ولذا من الصعب أن يتحول إلي ديكتاتور, بما لديه من عزوف, بل هو يساعد علي آلية تداول السلطة, ويتنازل عنها في أقرب فرصة ممكنة, وهي كلها صفات اجتمعت في شخصيات مانديلا ومهاتير محمد وغاندي, ولكن للأسف الشديد في مصر جري تشويه لبعض الشخصيات التي تصلح لهذا المكان, حتي لا تقوم بهذا الدور.
مع ما نراه, ما الذي يدور في خلد العسكر الآن؟
العسكر الآن سيكون أكثر حيادية, رغم علمه بأن الصراع الدائر يكاد يعصف بالأمن القومي للبلاد, وهو يريد توصيل رسالة مفادها أن النداءات الكثيرة التي كانت تهاجمه كانت خاطئة, وأنها ظلمت المؤسسة العسكرية, ولذا ربما يدور في خلدها الآن أنها تستعد لتحمل الأمانة مرة أخري إذا احتدم الصراع وكانت البلاد علي مشارف حرب أهلية حقيقية.
منذ الثورة, والدولة شهدت أربع حكومات, لم يشعر فيها الشعب بوجود هذه الحكومات, فهل السبب راجع لعدم قدرتها علي الإبداع, أم أنها لم تجد طريقا غير الذي رسمته حكومة مبارك, أم هي محكومة بإطار من البيروقراطية؟
ربما ليست مصادفة أن كل رئيس حكومة من هذه الحكومات لم يستطع أن يفعل شيئا ذا قيمة, برغم أن عصام شرف جاء من الميدان, والجنزوري من الجيل القديم ولديه خبرة سابقة وطويلة وذو قدرات واسعة, وأخيرا هشام قنديل وتم اختياره من رئيس الجمهورية وله صلاحيات واسعة, ولم يتعرض لضغوط مثل سابقيه, وأمامه مساحات كثيرة من الحركة, لأن الرئيس هو الذي يملك السلطتين التشريعية والتنفيذية الآن, ولكن يبدو أن المناخ نفسه يجعل من العمل مشكلة, فلم تستقر مؤسسات الدولة حتي تستطيع التشايك مع السلطة التنفيذية, حيث تعمل منفردة دون الرقابة عليها من مجلس الشعب, ولكن يبدو أن السلطة التنفيذية تعمل وكأنها في مرحلة انتقالية, فلا تستطيع الدخول في مشروعات قومية أو استراتيجية, أضف إلي ذلك أن من تم اختيارهم من الشخصيات وهذا يبدو مقصودا- كانوا بلا قدرات وظيفية أو إبداعية, وكنا نتمني أن يكون رئيس وزراء مصر بعد الثورة شخصية كبيرة وذات قامة عالية ورؤية استراتيجية كبيرة.
وكيف ينظر رجل الشارع إلي هذه الحكومات؟
رجل الشارع الآن محبط, فبالرغم من إيمانه بالثورة, فإنه يري الآن الأمور تسير في خط لم يتوقعه, فبعض الناس في لحظات يأس وغضب, يتساءل: ما الذي فعلناه, لماذا قمنا بثورة, والآن الكثير كفروا بالثورة والثوار, وهناك الكثير أيضا من فئات الشعب المصري أدارت ظهرها للثورة, فحكومة مبارك كانت تسرق وتنهب ولكن كانت تفهم عملها,.
يري البعض أن ما يحدث في التحرير ومحيط الاتحادية هو رد علي أخونة مؤسسات الدولة, ما رأيك؟
هناك رأي أن الحزب الذي حصد الأغلبية في الانتخابات من حقه تشكيل الحكومة وهيكلة المؤسسات, لأنه سيكون مسئولا عن تنفيذ سياساته, وبالتالي فلن يأتي بأحد يدمر أهدافه ومنظومته, ولكن هذا صحيح في حال استقرار الدولة ومؤسساتها, وتبادل للسلطة, وكل حزب ينجح يفعل ذلك, لكن في فترة ما بعد الثورة لا يصح هذا علي الإطلاق, لا يصح لحزب حصل علي أغلبية نسبية أو مطلقة أن يمتلك كل الخيوط في يده, فنحن في حالة تشكيل لمنظومة الدولة, فهناك دستور يكتب ومؤسسات تقام علي أساس جديد, فهنا لا يحتمل الناس من تيار واحد أن يحتكر إعادة التغيير والبناء, وهنا يستوجب الأمر من حزب الأغلبية والرئاسة احتواء وإدماج التيارات الأخري بنسب معقولة حتي يتم التوافق في مرحلة ثورية عصبية وعصيبة, لأن الناس في مرحلة الثورة يكونون في حالة اندفاع و نزق وعدم صبر وصخب وصوت عال, وعليه لا يصح أن يقوم حزب وحده بالمهمة ومطلوب من الباقي التصفيق له, أو الانتظار أربع سنوات للحكم علي أدائه, وجماعة الإخوان هنا تعاملت مع الأمر كما لو أن الدولة مستقرة, ومن هنا شعرت القوي الأخري بالاستبعاد أو أنه حين تستدعي يكون للديكور فقط, أو لإثبات أنهم قد استدعوا, وبالتالي أصبحت الصورة الذهنية لدي هذه التيارات صورة إدراكية سلبية للإخوان بأنهم يسعون إلي التمكين والاستحواذ والتملك.
في بداية الثورة حدث اختلاف في التسمية أهي ثورة أم انتفاضة, والآن هناك اختلاف أيضا أهي ثورة ثانية أم موجة جديدة من الثورة الأولي؟
ما نعيشه هو موجات ثورية, وستبقي هذه الموجات لفترة مقبلة, فالثورة في تعريفها هي خروج الكتلة الحرجة من الشعب لتغيير النظام وإقامة نظام جديد, فهي نوع من التحول الجذري علي المستوي السياسي والاقتصادي والثقافي والمجتمعي, وهنا حين تجد الكتلة الحرجة أن الثورة لم تحقق أهدافها وأن الأمور مازالت كما هي أو حتي نسبيا تتوقع أن تتجدد موجات الثورة حتي تصل إلي أهدافها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.