يضرب المثل العربي سبق السيف العذل لكل شيء فات ولم يعد ممكنا استدراكه.. ولأن العذل في اللغة هو اللوم , فإن لهذا المثل معني آخر هو أننا ينبغي ألا نتسرع, وأن علينا أن نستخدم اللوم قبل أن نستخدم السيف.. فالتلاوم قد يصل بنا إلي حل يغنينا عن العواقب الخطيرة لاستخدام السيف.. وما أحوجنا اليوم إلي المعني الثاني لهذا المثل العربي, لأن معناه الأول إذا ساد فقد يوردنا جميعا موارد التهلكة, أي أن كل شيء إذا شئنا السلامة للوطن ولأبناء الشعب يجب أن يكون قابلا للاستدراك. لذلك فإنني أقول وأنا أكتب هذه السطور صباح الثلاثاء11 ديسمبر.. إنه سواء جري الاستفتاء علي مشروع الدستور المعيب في موعده أو لم يتم, وسواء وافق عليه الناخبون المشتركون في الاستفتاء أو رفضوه فإن استقرار مصر وقدرتها علي التقدم إلي الأمام رهن باحترامنا جميعا لحقائق الواقع الذي نعيشه.. وهي حقائق متبلورة في صلب المشهد السياسي المصري, لا يجوز القفز فوقها مهما تكن التعللات.. ولاعتبارات ضيق المساحة, فإنني سأعدها باختصار ووضوح لا يسمح بالالتباس وهي: أولا: إن شرعية الرئيس مرسي مؤكدة ولا يجوز الطعن عليها, ولكن هذه الشرعية تتعرض للتآكل إذا ما طال الوقت من دون تحقيق إنجازات كافية لإقناع الشعب بأن هذه الشرعية تستخدم لمصلحة الجموع المصرية وليس لمصلحة حزب أو جماعة. ثانيا: إن للمعارضة أيضا شرعية صنعتها صناديق الانتخاب وعززتها محاولات المعارضين لتحويل انتفاضة52 يناير إلي ثورة كاملة الأركان.. فالرئيس شرعي والمعارضة شرعية مثله, وللرئيس حقوق وعليه واجبات, والمعارضة مثله تماما لها حقوق وعليها واجبات. ثالثا: إن التوافق ليس بدعة مصرية ولا تفضلا من طرف علي طرف, وإنما هو ركن ركين من أركان النظام الديمقراطي, وفي حالة مصر خاصة, يعد قدرا لا فكاك منه, لأننا لانزال في مرحلة الانتقال, فإما أن نتوافق وإما أننا سنساق سوقا إلي فوضي جهنم, والعياذ بالله. رابعا: إنه ليس هناك شيء مستحيل لا علي الرئيس ولا علي المعارضة, فنحن الذين نصنع مصائرنا بأيدينا ولا يجوز أن نسمح بأن ينوب عنا أحد في صنعها.. المعارضة راوغت لكي تحصل علي أكبر المكاسب وأخطأت وهي تراوغ, ومثال ذلك رفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام في مظاهراتها الاحتجاجية, ثم مقاطعة اجتماع الرئيس مع القوي السياسية يوم السبت8 ديسمبر, وكان يمكن لرموز المعارضة أن يحضروا الاجتماع حتي لو أعلنوا للناس بعده أنهم خرجوا دون اتفاق وحملوا الرئيس مسئولية استمرار الاختلاف. والرئيس من جانبه أخطأ هو الآخر, فقد تعهد بعدم عرض الدستور للاستفتاء الشعبي ما لم يكن دستورا توافقيا ومد للتأسيسية شهرين لهذا الغرض قبل أن يتضح أن هذا المد غير دستوري, ووضع ذلك وغيره في إعلان دستوري جديد ومفاجئ يوم12 نوفمبر, ثم عدل عن هذا الإعلان غير الدستوري ليصدر إعلانا آخر يوم السبت8 ديسمبر.. وفي كل الأحوال, ظل مصرا علي طرح الدستور غير التوافقي علي الشعب للاستفتاء.. واستمرارا للمسلسل الغريب ذاته, أصدر قرارات لقوانين بزيادة الضرائب ثم أوقف سريانها قبل أن يجف مدادها.. وهذه التذبذبات تدفع كل ذي عقل سليم إلي أن يتشكك, بل يرفض, لأن الحل الصحيح لهذه الإشكاليات الغريبة كان يمكن الوصول إليه بترك الدستور المعيب لدي اللجنة المعنية بوضعه, حتي تصحح ما فيه من أخطاء, وعدم إصدار قوانين الزيادات الضريبية إلا بعد أن يهدأ الناس, خصوصا أنها تمس بالذات جيوب أبناء الطبقة المتوسطة الذين يحتربون بين مؤيد ومعارض في مختلف الميادين. خامسا: إننا نبدو متفقين نظريا علي أن مشكلات مصر في هذه المرحلة ولسنوات طويلة مقبلة لا يمكن أن يحلها فصيل بمفرده, وهذا يعزز فكرة التوافق, ولكن الجماعة وحزبها وباقي أحزاب ما يسمي بتيار الإسلام السياسي يتعجلون الخطي, متصورين أنهم حماة الشريعة الإسلامية, وأنهم في مقدورهم, والحال كذلك, نفي المعارضة أو تهميشها, وهذا هو الجنون بعينه, لأنه لا أحد في مصر حتي إخواننا الأقباط يرفضون أن تحكمنا مبادئ الشريعة الإسلامية..ولذلك يبقي سؤالي هل سبق السيف العذل معلقا في وجه جميع الاطراف وهم يعرفون انه في قضايا المصير لا يصح ان يقال سبق السيف العذل