أخطر ما في مشاهد الصراع السياسي والاجتماعي والديني الراهنة تتمثل في العنف بكل أشكاله وتجلياته. عنف الخطاب السياسي والديني, العنف اللفظي باللغة وبها وعليها, العنف المادي الذي تتطور مؤشراته إلي درجة خطيرة تتمثل في الاعتداءات علي المتظاهرين السلميين الذين يطرحون مجموعة من المطالب السياسية المعارضة للإعلان الدستوري الأخير, وما ينطوي عليه من انتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات والتعاون فيما بينها, ولاستقلال السلطة القضائية وجماعة القضاة في أدائهم لعملهم في نظر المنازعات القانونية وما تنطوي عليه من طعون بعدم دستورية بعض النصوص القانونية أو التشريعات. أن الاحتجاج السياسي من خلال التظاهرات والاعتصامات أمر مشروع وفق التقاليد السياسية المقارنة, والاتفاقات الدولية التي وقعت مصر وصادقت عليها, ومن ثم نحن إزاء عمل سياسي مشروع دستوريا وقانونيا, والأهم أنه يشكل أهم محاور وانجازات وأدوات الانتفاضة الشرعية. من هنا يبدو التظاهر والاعتصامات جزءا من الشرعيتين الثورية والدستورية. من هنا يبدو عملا خارج الشرعية والقانون الاعتداء الغاشم علي المتظاهرين وعمليات القتل والضرب والحرق وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي والرش وقنابل الغاز واستخدام الأسلحة البيضاء وقذف الحجارة, علي نحو ما تم من جرائم يعاقب عليها حول القصر الرئاسي! أعمال إجرامية منظمة لا يمكن السكوت عليها, وتحتاج إلي مواجهة حاسمة بالأدوات القانونية والسياسية, خاصة هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم بديلا عن الدولة في القبض علي المتظاهرين والمعتصمين في عمل سياسي وقانوني مشروع, وتقديم شباب صغار تم الاعتداء عليهم إلي السلطات العامة الشرطة ومن بعدها إلي النيابة العامة-, والأخطر هنا أننا إزاء ظاهرة مستمرة منذ11 فبراير2011 حيث ظهرت هياكل موازية للدولة تمثلت في أشكال القضاء العرفي لحل النزاعات بين المواطنين, ومجموعات تنظيم المرور, أو تتبع بعضهم للآخرين وفرض قانونهم الخاص علي المواطنين, بل وتعذيب وقتل بعض المواطنين بدعوي أنهم مجرمين أو بلطجية أو لصوص.. إلخ! ظواهر ضد الدولة ومنطقها, وضد سيادة القانون, علي نحو شكل اعتداءات علي الحق في الحياة, والكرامة, والحرية والأخطر الاعتداءات علي حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. من هنا يبدو ضروريا ومن الأهمية بمكان اعتصام السلطة الرئاسية المنتخبة بتطبيق القانون علي نحو صارم علي المجموعات المنظمة التي قامت بالاعتداء وقتل وضرب وجرح وحرق المعتصمين والمتظاهرين السلميين, وبينهم فتيات ونساء وبعضهن جدات كبيرات السن, وهو أمر شكل إساءة لصورة الشرعية ولدولة القانون وسيادة بل ولصورة الدولة المصرية علي المستوي الدولي المعولم. إن الصراع بين الرئاسة وبين السلطة القضائية والقضاة, والاعتداء علي استقلالهم وصلاحياتهم ليست جديدة, وإنما هي استمرار لهجوم الأغلبية البرلمانية الإخوانية والسلفية وبعض أعضاء مجلسي الشعب والشوري علي القضاء والقضاة والنائب العام. يبدو هنا أن دائرة خبراء القانون والسياسة الضيقة حول الرئاسة هي جزء لا يتجزأ من عملية صناعة الأزمات عبر آراء وأعمال بعضهم تفتقر إلي الدقة والحس والخيال السياسي, والمرجح أن بعضهم يبدو بعيدا عن الواقع السياسي والاجتماعي الفعلي في البلاد بعد الانتفاضة الثورية, ومعرفة ما هي مصادر الغليان السياسي والاجتماعي وما هي القوي الجديدة الفاعلة علي الأرض. نحن إزاء فجوة بين خبراء القانون وبين السياسة وعملياتها وظواهر وفاعليها وشبكاتها, وطبيعة القوي الجيلية الجديدة, وتحولاتها. من هنا تبدو النظرة الشكلية لبعض خبراء القانون منتجة للأزمات وتفاقم من الانقسامات السياسية, وتدفع نحو الاحتقانات والعنف. من هنا نحتاج إلي تغيير هذه المجموعات التي لم يعد بعضها علي معرفة بالخرائط السياسية والاجتماعية والجيلية في البلاد, ولا بدراسة النفقات السياسية للاستشارات والآراء الدستورية والقانونية الخاطئة التي تقدم لرئيس الجمهورية. من ناحية أخري لابد من إيجاد تمييز وهامش استقلالية بين الرئاسة كمؤسسة وطنية وعابرة للانتماءات الحزبية والسياسية والدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية والنوع الاجتماعي, وإنما تعبير عن مجمل المجموع الوطني المصري بمختلف مكوناته وأطيافه. هذا الفهم لابد أن ينعكس علي وضع دستور جديد ومختلف للبلاد يعبر عن النظرة القومية الجامعة للأمة المصرية وتوافقاتها التاريخية, وليس وضع دستور مؤقت وعارض يعكس مصالح وروئ سياسية ودينية ضيقة انعكست في مشروع دستور انطوي علي اختلالات جسيمة, وصياغات إنشائية ركيكة, ويطلب من الناخبين الاستفتاء عليه بنفس منطق دولة الاستبداد التي جعلت من الاستفتاءات العامة علي الدساتير وغيرها مهزلة ساخرة من تزوير الإرادة العامة للأمة كلها تحت شعارات ثورية حينا والشرعية الدستورية حينا آخر! أخشي أن يتحول الإصرار علي الاستفتاء علي دستور ولد مبتسرا ومعاقا عن طبيعة ما حدث من تغير نوعي في بلادنا, إلي إعادة إنتاج عورات السياسة المصرية في ظل التسلطية السياسية التي يبدو أن بعض عواجيز السياسة في مصر هم أبناء للثقافة السياسية القمعية, ويحاولون استبعاد الأجيال الجديدة ومصالحها وتطلعاتها للحرية والكرامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. من ناحية أخري ضرورة تشكيل لجنة قومية مستقلة لتقصي الحقائق فيما حدث من عنف وجرائم تجاه المعتصمين والمتظاهرين السلميين, وتقديم كل من يثبت له دور أيا كان موقعه الحزبي أو السياسي أو غيره في التخطيط والإعداد والتنفيذ للاعتداءات إلي الجهات القضائية المختصة ومحاسبتهم قانونيا وسياسيا لأنها جريمة لا ينبغي أن تمر تحت أي شرط من الشروط, لأن العنف السياسي والديني من مصري ضد آخر أيا كانت الأسباب مرفوض ومؤثم أخلاقيا ودينيا وسياسيا وقانونيا. لن يمروا! المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح