تنهار الدول بلا شك إذا فقدت الرابط بين الشعوب وحكوماتها, وإذا بات الخوف هو المحرك الأساسي لكل أفعالها وأحلامها, وأصبح كل فصيل مجتمعي متربص بالآخر يرفضه ويراه كعدو يجب التخلص منه سريعا وفي أقرب فرصة متاحة, هذا كله ما يعكسه المشهد الآن في الهند. فالفجوة تتسع يوما بعد يوم بين مواطني الهند الذين يتطلعون لحياة كريمة تسودها العدالة والحرية وبين ساستهم المتكدسون في العاصمة ويكادوا لا يعرفون سوي القليل عما يدور في الجزء الآخر من العالم الهندي. فصناع القرار في نيودلهي لايؤرقهم سوي ما يؤرق أثرياء المدينة الذين يؤمنون لهم مصالحهم, أما دور الإعلام فانحسر في تملق الجانبين طمعا في أن يجد له مكانا في كنف الكبار. لذا قد يكون من الطبيعي جدا أن تجد الساسة إلي جانب نجوم المجتمع يتسابقون لحضور جنازات رجال المافيا وكبار رجال الأعمال, لكنهم يغيبون في المقابل عن دعم صياد ظل معتصما لعدة أيام متواصلة متحملا تورم قدميه ولدغات الكائنات البحرية من حوله ليطالب بأبسط حقوقه في الحياة. لكن الأزمة في الهند لا تتلخص فقط في تردي الأوضاع الاقتصادية, بل تشمل تزايد تعسف الحكومة وغطرستها لانفصالها عن الواقع علي نحو بدأ يعزز مشاعر الخوف والقلق لدي المواطنين علي مستقبلهم, وهو ما ظهر جليا مع وفاة بال ثاكيراي مؤسس حزب شيف سينا اليميني المتطرف منتصف نوفمبر الماضي, الذي صورته وسائل الإعلام كبطل قومي فقدته الأمة, إذ اعتقلت الشرطة فتاتين أولاهما رأت أن التاريخ لن يذكر الزعيم الهندوسي المتوفي, وكتبت علي موقع التواصل الاجتماعي' فيس بوك' أن الأشخاص أمثال ثاكيراي يولدون ويموتون كل يوم, أما الثانية فاعتقلت لإعجابها بتعليق صديقتها. وعندما خرجت الاحتجاجات المنددة بالقرار, أصدرت الحكومة بيانا اتهمت فيه الفتاتين بإثارة الحقد الطائفي ووصفت أفكار ثاكيراي بالمعتدلة, بل وأكدت حقها في مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وحذرت المواطنين من تعليقاتهم التي ينشرونها عليها وانهم قد يتعرضون لمصير الفتاتين أو ربما ما هو أكثر سوءا. الغريب أن بال ثاكيراي نفسه المعروف بعشقه للزعيم النازي أدولف هتلر, يعد من أكثر المؤسسين للطائفية في المجتمع الهندي لآرائه اليمنية المتطرفة التي تكرس للعداء ضد كل طوائف المجتمع الهندي ولا سيما المسلمين إلي الحد الذي دعا فيه ذات مرة إلي تشكيل فرق انتحارية لتصفية المسلمين, كما أنه يعد المسئول الأول عن أحداث الشغب التي اندلعت في مومباي عام.1992 فضلا عن ثاكيراي, عكس الجدل الذي فجره إعدام أجمل كساب الناجي الوحيد من منفذي هجمات مومباي قبل أيام, كذلك حالة الخوف السائدة بين الهنود, فمحور النقاش لم يتركز علي مدي استحقاق كساب للعقوبة من عدمه, خاصة بعد تقدمه بطلب لوزير العدل للعفو عنه, بل علي عقوبة الإعدام في حد ذاتها وعودة السلطات لتطبيقها مرة أخري منذ أن هجرته عام4002. وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية ب الانتكاسة الهندية. الواقعة ذاتها, وضعت يدها علي حالة الشقاق في المجتمع الهندي لا سيما من المسلمين, إذ قال شاب مسلم في تعليقه علي إعدام كساب: لعل الإعدام يضع نهاية للحمل الذي تلقيه بعض الجماعات والأحزاب السياسية علي كاهل المسلمين في الهند. فمسلمو الهند وأن لم يتعرضوا لاذي مباشر عقب تفجيرات مومباي التي تعود لعام8002 كالتي شهدتها الهند عام2991 3991 وراح ضحيتها009 شخص, فإنهم لم يسلموا من تعليقات المسئولين التي تحمل اتهاما ضمنيا ورفضا لوجودهم في المجتمع.