تظل الدساتير هي الوسيلة الأوضح للتعبير عن انتصار إرادة الشعوب, والتأكيد عن اتفاقها علي أن تكون صاحبة السيادة علي أوطانها, إنها تلك الوثيقة التي تثبت أن شعبا قد اتفق علي حب وطنه وأرضه بكل ما عليها ومن عليهادون إقصاء لطرف أو تسيد لآخر. وكلمة الفصل التي تضع حدا لجميع الصراعات الفكرية والعرقية والدينية ليتفق الجميع علي كلمة سواء, ليكون الدستور هو حجة الشعوب أمام الحكام والسلطات. ويظل الدستور الأمريكي في هذا السياق, أقدم وأول دستور مكتوب متواصل الاستخدام حتي اليوم, هو واحد من أهم الدساتير في العالم, وهو دستور جامد وليس مرنا, أي انه لا يجوز تعديل أي من بنوده بقانون عادي, ويشترط موافقة ثلاثة أرباع الولاياتالأمريكية للقيام بأي تعديل عليه, وذلك بعد تقديم التعديل من قبل ثلثي أعضاء الكونجرس. استمد الدستور الأمريكي جوهره الأساسي من قلب نظريات عدد من الفلاسفة الانجليز منهم جون لوك وتوماس هوبز وادوارد كوك وأيضا من نظريات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو وخاصة نظريته العقد الاجتماعي, وجميعها نظريات تصب في فكرة إنشاء مجتمع مدني يدرك أفراده حقوقه ويلتزم بواجباته. وربما كان من أهم ما يميز الدستور الأمريكي, وما يجعله من الدساتير المعمرة إن صح التعبير, كونه جاء بتوافق شعبي واسع, ساعده علي الصمود أكثر من مائتي عام, والتعامل معه كوثيقة مقدسة من قبل الشعب الأمريكي, لقد اتفق من وضع هذا الدستور, وهم من يسميهم الشعب الأمريكي, الآباء المؤسسين, علي أعمدة الراسخة وعلي أهداف هي عقد اجتماعي تم الاتفاق عليه: إنشاء حكومة وطنية قوية ترفض الاستبداد, وتعمل علي صالح المواطن وتشركه في الحكم وتضمن له الحفاظ علي حرياته وأمنه ومساواته ورفاهيته, ويستهل كلماته ال4440, بأهم مبادئه: نحن شعب الولاياتالمتحدة, رغبة منا في تشكيل اتحاد متكامل, وفي إقامة العدل وضمان الاستقرار والأمن القومي, وحماية الخير العام وتأمين الحرية لنا ولأجيالنا القادمة, نضع هذا الدستور للولايات المتحدةالأمريكية, وربما كان هذا الاستهلال هو تحديدا ما جعل الأجيال الأمريكية المتعاقبة تحترم دستورها وتقبل وتتفق علي أن تشكل من خلالها مستقبلها. وضع الدستور الأمريكي من خلال جمعية تأسيسية منتخبة, وهو أول دستور يتم صياغته من خلال هذا الأسلوب, وذلك عقب استقلالها عن التاج البريطاني عام1776, وكانت الولاياتالمتحدة بعد الثورة ثم الاستقلال وفي ثمانينيات القرن الثامن عشر, قد واجهت ما اسماه المؤرخون بالفترة الحرجة, مع أزمة اقتصادية طاحنة وخيبة أمل جاءت مع انهيار سقف التوقعات الثورية التي رافقت النضال ضد الهيمنة البريطانية, وفي نهاية المطاف كانت النتيجة حالة من السخط العارم تجتاح معظم الولايات المستقلة, وأصبحت هناك حاجة ملحة لوضع دستور جديد يلحم الأمة الأمريكية ويوحد بين وجهات النظر المختلفة والمتعارضة, وقتها فكر القادة الوطنيين لهذه الأمة الوليدة, في رسم خريطة توحد المعارضة الدرامية والدامية بين أبنائها, فكان اقتراح وضع دستور اتحادي. ومن خلال المؤتمر الدستوري لكتابة الدستور عام1787, الذي عرف باسم مؤتمر فيلادلفيا ليكون واحدا من أطول المؤتمرات الدستورية في التاريخ إذا استمر عمله أربعة أشهر, ولم يتم العمل به إلا بعد نحو سنة من قبول اللجنة للدستور, قاموا بعدها بجولة علي الولاياتالأمريكية للحصول علي موافقة تسع ولايات علي الأقل, وقد شارك في هذا المؤتمر55 مندوبا للتعبير عن12 ولاية أمريكية من أصل13 ولاية, وقد اختير وقتها جورج واشنطن لرئاسة المؤتمر لنزاهته وحكمته أثناء حرب الاستقلال, وقام بوضع بنوده سبعة أشخاص فقط أبرزهم جيمس ماديسون المعروف باسم أبو الدستور الأمريكي وأصبح فيما بعد الرئيس الرابع للولايات المتحدة. ومن المفارقات التاريخية أن هناك من المؤرخين والقانونيين من ظل يدعو طوال القرنين الماضيين بان الدستور الأمريكي غير شرعي, لان المشاركين في مؤتمر فيلادلفيا, لم تكن في نيتهم عند بدء المؤتمر وضع دستور جديد للاتحاد الفيدرالي, وانه لم يتم تفويضهم للقيام بهذه المهمة, بل كانت مهمتهم في واقع الأمر مناقشة مشروعين قدما لدستور البلاد, مشروع فرجينيا بقيادة الولايات الكبري وقد رفض, ثم مشروع نيوجيرسي بقيادة الولايات الصغري وقد رفض أيضا, واستمر النقاش والجدال عنيفا بين مؤيد ومعارض لكلا المشروعين لعدة أسابيع, حتي تم التوصل إلي حل وسط, عرف في التاريخ الأمريكي باسم الحل العظيم وهو مشروع دستور ثالث هو دستور كنيتكت, وهو ما تم في نهاية المطاف الاتفاق عليه وأصبح دستورا للولايات المتحدة, الذي لم يقض علي كيانات الولايات واستقلالها. كتب جيمس ماديسون أثناء صياغته للدستور في المادة الخامسة نتمني أن يدوم نظامنا قرونا, ولكن يجب ألا يغيب عن بالنا التغيرات التي ستحملها العصور القادمة, وبذلك فقد وضع آلية تمكن من إضافة تعديلات علي الدستور الأمريكي, وقد عدل للمرة الأولي عام1791 بإضافة عشر مواد هي مضمون ما عرف بوثيقة الحقوق, والتي من بين بنودها انه لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض إتباع دين معين, وتمنح حرية النقد والتعبير, ولا يحق لمجلس الشيوخ سن قانون يمنع المواطن من حمل السلاح أو اقتنائه أو شرائه, ولا يحق لأي من ممثلي الدولة أو الجيش اقتحام منزل مواطن دون إذنه, ولا يحق للحكومة البحث في أوراق أو ممتلكات مواطن, وعلي مدار تاريخ الدستور الأمريكي, لم يدخل عليه سوي سبعة وعشرين تعديلا فقط, كان من آخرها تعديل سنة1974 والذي يمنع تجديد انتخاب الرئيس أكثر من مرة واحدة, ثم تعديل عام1992 بمنح البالغين18 عاما حق الانتخاب. ويظل ابرز ما يميز الدستور الأمريكي كونه قد نجح في تقليص عمل السلطات, بحيث لا تتعارض مع حريات الفرد, والفصل بين السلطات, وذكر ماديسون يجب أن نسمح بالية للدفاع عن المواطن ضد ظلم أي سلطة... حكومة بدون سلطة تنفيذية وقضائية سليمة, هي جسد دون اذرع أو أرجل. تركيا.. إرادة شعبية وسلطة حيادية تحقق معادلة السهل الممتنع ربما يظن المتأمل لحال دولة مثل تركيا من بعيد أن مثل هذه الدولة التي حققت تقدما ملحوظا علي كل الأصعدة سياسيا واقتصاديا وحضاريا بل وربما لا يفصلها عن عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي وقت طويل أنها ليست في حاجة لإجراء أية تعديلات علي الدستور المنظم لشئون دولتها, أو حتي مجرد التفكير في كتابة دستور جديد. الواقع أن الأتراك يعكفون الآن علي كتابة دستور جديد تماما يضمن لهم الخروج من الحقبة العسكرية و يؤمن المزيد من الحقوق المدنية. وربما كانت كتابة الدستور الجديد في أي دولة تتميز بهذا التعدد الطائفي مسألة معقدة رغم تعدد طوائف المجتمع واختلاف, إلا أن الإعداد لتأسيس الدستور الجديد جعل منه جديرا بأن يطلق عليه باختصار دستور السهل الممتنع. والدستور الذي يجري الإعداد له في تركيا اليوم هو رابع دستور يوضع في تاريخها الحديث, حيث وضعت ثلاثة دساتير مختلفة في سنوات4291, و1691 و2891, وصيغت جميعها تحت وصاية عسكرية عقب انقلابات عسكرية. ومن ثم كانت هذه الدساتير, علي مدار تاريخ الجمهورية, تعزز من نفوذ المؤسسة العسكرية علي حساب الحقوق المدنية والاجتماعية. وبعد الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في يونيو1102, اجتمعت الارادتين الشعبية والسياسية علي ضرورة كتابة دستور جديد للبلاد بعدما أدرك الجميع أن دستور28 لم يعد قادرا علي الوفاء بطموحات البلاد بعد أن أجري عليه أكثر من02 تعديلا. والسؤال هو ما الذي يدور الآن في مطبخ السياسة التركية لكتابة الدستور الجديد, وكيف تم اختيار أعضاء اللجنة التي عملت علي وضعه, وما الذي فعله القائمون علي إداري شئون البلاد حتي يجنبوا شعبهم ويلات الانقسام حول هذا الدستور بعد الانتهاء من إعداده.. والتي ربما تؤدي إلي الاقتتال في الشوارع. ولأن الأتراك ليسو ملائكة يمشون علي الأرض بالإضافة إلي أن تركيبتهم السكانية والسياسية ووجود أقليات علي أراضيهم كان من الممكن أن تفتح مسألة اختيار لجنة وضع الدستور بابا لصراع مجتمعي ما لم يكن ليغلق إلا بالاحتكام لنظام عادل لا ينحاز لصالح فريق ضد آخر, وذلك علي الرغم من أن الرئيس رئيس الوزراء إسلامي الهوي في بلد علماني. وبالرغم من توافر أركان الصراع المجتمعي والسياسي والفكري في مرحلة تأسيس دستور تركيا الجديد, إلا أن التشكيل العادل للجنة وضع الدستور كان مرضيا للجميع لسببين, أولهما أن تشكيل هذه اللجنة لم يأت علي أساس الأغلبية البرلمانية لأن الدستور المزمع تأسيسه لن يحكم البلاد خلال فترة ولاية أغلبية بعينها, بل هو مسألة تخص جميع المواطنيين وتمس حياتهم وحياة أبنائهم من بعدهم. والسبب الثاني هو مشاركة جميع الأطراف بشكل عادل. فقد وجد الأتراك أن البرلمان يتكون من أربعة أحزاب هي حزب العدالة والتنمية623 مقعدا, وحزبا الشعب الجمهوري531 مقعد, وحزب الحركة القومي25 مقعدا, وحزب السلام والديمقراطية الممثل للأكراد92, وستة مستقلين ونائب واحد عن حزب الديمقراطية. فتم اختيار ثلاثة ممثلين من كل حزب( أي21 شخصا فقط) لتشكيل لجنة وضع الدستور. لم ينته الأمر إلي هنا لأن هناك منظمات مجتمع مدني و هيئات حكومية و مستقلة وفئات شعبية تريد أن تشارك في وضع الدستور. فكان دور لجنة ال21 شخصا بتنظيم جلسات استماع لمئات من مثل هذه الهيئات. وعقدت هذه اللجنة أولي جلساتها في91 أكتوبر1102, وتواصل اللجنة جلساتها التشاورية مع كافة قطاعات المجتمع لتسجيل ومناقشة مقترحاتها بشأن محتوي الدستور الجديد. بالإضافة إلي هذه المعادلة, تجدر الإشارة إلي أن وعي المواطنين وايمانهم بقدرتهم علي القيام بدور فاعل كان مؤشرا علي اتمام مهمة وضع الدستور الجديد للبلاد بنجاح. فكان كل منهم يؤمن بأن همه بناء الوطن لا تسديد هدف في مرمي الفريق الآخر. فقد شاهدنا مؤسسات المجتمع المدني وقد سبقت الإرادة السياسية في جهود وضع الدستور, حيث شرعت في السنوات الأخيرة المراكز البحثية المختلفة, والجمعيات والمؤسسات الثقافية, وكذلك الجامعات الخاصة, والنقابات المهنية والعمالية, والأكاديميون ورجال الثقافة والفكر في وضع تصورات لهذا الدستور الجديد. فكانت تعقد المؤتمرات والندوات وتحظي بمشاركات فاعلة وطبعت مقترحاتها وقدمتها إلي الجهات المناظرة للبحث والدراسة, كما أنشأت مواقع إلكترونية عديدة باسم الدستور التركي الجديد, نشرت عليها واستقبلت كل جهد ومشاركة تصب في اتجاه بلورة دستور ديمقراطي مدني. وإمعانا في إثراء العملية التشاورية أنشأ البرلمان التركي صفحة خاصة لهذه الدستور الجديد لاستقبال كافة المشاركات والمقترحات المؤسسية والفردية. والآن مازال الدستور التركي الجديد في مرحلة الكتابة, حيث صرح الدكتور مصطفي شنتوب عضو لجنة الوفاق الدستوري المكلفة من قبل البرلمان التركي بوضع وكتابة الدستور التركي الجديد بأن اللجنة من المقرر لها أن تنتهي عملها مع نهاية الشهر الحالي, مشيرا إلي أنه تم انجاز نصف الدستور حتي الآن. وعلي العكس مما قد توحي به تصريحات شنتوب بأن ولادة الدستور متعثرة, لكن الحقيقة هي أن المرء يلمس حرصا من جانب للجنة حريصة علي خروج مواد الدستور بأكبر درجة من التوافق. ربما تواجه كتابة الدستور في تركيا مشكلات مثلما قد يحدث في أي مكان في العالم لأنها ليست يوتوبيا لكن العبرة من الدرس التركي تتلخص في إدارة النظام بشكل عادل و مخلص لمسألة كتابته, بعيدا عن أية حسابات أيدولوجية أو حزبية أو مذهبية. الذين عاشوا بلا دستور! الدستور مهم ولازم لأي دولة في العالم فهو مجموعة القوانين والمبادئ, التي علي أساسها تحكم الدولة,وتحدد سلطات الحكومة وواجباتها, وتتضمن حقوق الشعب وواجباته.ولكن هناك دول في العالم عاشت وتعيش بلا دستور,مثل بريطانيا(المملكة المتحدة) وإسرائيل. وتقف قصة مثيرة وراء توصل كل دولة من تلك الدول التي لا دستور لها إلي قواعد وإجراءات وقرارات قانونية نظمت هيكل الحكومة وحددت صلاحياتها ووظائفها والعلاقات بين السلطات المختلفة داخل الدولة بالشكل الذي مكنها من أن تعيش عقودا وعقودا دون أن تنهار حتي اليوم. أولا: بريطانيا تعد بريطانيا من أبرز وأشهر الأمثلة للدولة التي تعيش بلا دستور مكتوب في وثيقة واحدة.فبريطانيا لديها ما يعرف ب'القانون الأساسي' الذي يتكون في معظمه من مجموعة من المصادر المكتوبة المتباينة التي تشمل القوانين المستندة إلي السوابق القانونية والمعاهدات الدولية,جنبا إلي جنب مع الإتفاقيات الدستورية. وتبدأ الأحداث في عام1100 م. عندما اعتلي الملك هنري الأول عرش إنجلترا وقرر بمبادرة شخصية منه أن يضع ما عرف بميثاق الحريات والتي تمثلت في مجموعة من المراسيم والتعهدات التي قطعها علي نفسه وكان من أبرزها إعتراف الملك بأنه إعتلي العرش بمشيئة الرب وبدعم من مجلس عموم البارونات وبالتالي نزع عن نفسه صفة الحكم الملكي المطلق إنطلاقا من أن ولايته لم تأت بموافقة السماء فقط بل أضيفت لها موافقة مجلس البارونات. وفي عهد الملك جون الشقيق الأصغر للملك ريتشارد الأول الشهير بقلب الأسد عام1215 م إنقلب البارونات عليه وقرروا الوقوف أمام نفوذه وطغيانه حيث كان يحكم بشكل مطلق فيطالبهم بجمع الضرائب المغالي فيها من الشعب المنهك المقهور.ومع تزايد إنفاق الملك المستبد علي مغامراته السياسية والعسكرية غير الموفقة,قرر البارونات تدبير مخطط لينهي طغيان الملك وإستبداده مستندين إلي تدني شعبيته وكراهية كافة طبقات الشعب له. وفوجئ الملك جون بالبارونات وقد حاصروه.وبعد أن فقد الأمل في الحصول علي مساندة من قواته والحلفاء قرر تلبية مطالب البارونات التي إنحصرت في التوقيع علي وثيقة الماجناكارتا والمسماة ب الماجنا كارتا ليبرتاتوم والمعروفة قديما ب الميثاق العظيم للحريات بإنجلترا, وقد تضمنت الوثيقة ما يقلص من سلطات الملك ويحافظ علي إمتيازات االبارونات. والطريف أن الوثيقة البريطانية التاريخية تم خطها باللغة اللاتينية عام1215 م.ثم ترجمت إلي اللغة الفرنسية عام1219 م. قبل أن تصدر في طبعات منقحة خلال القرن الثالث عشر. وعندما إعتلي الملك هنري الثالث( إبن جون) العرش خلفا لوالده كان عمره لم يتجاوز9 سنوات وبالتالي دخلت البلاد في صراعات مسلحة قبل هنري علي اثرها بتأسيس البرلمان البريطاني وأقر بالقيود القانونية علي سلطات الملك. وعبر السنوات والعقود والقرون تراكمت المواد والقوانين التي أصبحت تشكل معا القانون الأساسي للبلاد والذي يتطور تراكميا بمرور الزمن وفق القوانين الصادرة. ثانيا:إسرائيل: وفي إسرائيل كانت القصة مختلفة. فعندما أعلن دافيد بن جوريون تأسيس إسرائيل رسميا في شهر مايو عام1948 تم وضع قانون نظامي للسلطة والقضاء نص علي الإستمرار في العمل بالقوانين التي كانت سارية المفعول قبل إعلان تأسيس إسرئيل طالما لم تتعارض مع المبادئ التي وردت في وثيقة إعلان إقامة دولة إسرائيل( والمعروفة لدي إسرائيل ب'وثيقة الإستقلال'), ولا تتعارض مع القوانين التي سيصدرها البرلمان( الكنيست).وبالتالي فنظام إسرائيل القضائي تضمن بقية مقتضيات القانون العثماني الذي كان ساريا في فلسطين حتي عام1917, وقوانين الإنتداب البريطاني التي تحتوي علي جزء كبير من القانون الإنجليزي العام, بالإضافة إلي مكونات مايوصف بأنه من الشريعة اليهودية وغيرها من الأنظمة القضائية. ولم يكن عدم وضع دستور لإسرائيل في الحسبان بل جاء كأمر مفاجئ للإسرائيليين ذاتهم ومتناقض مع ماورد بوثيقة' إعلان إقامة دولة إسرائيل'. فوفق ماجاء بالوثيقة, التي تلاها بن جوريون علي العالم من تل أبيب,ووقعها37 عضو من أعضاء مجلس الدولة المؤقت,:'إننا نقرر أنه إبتداء من اللحظة التي ينتهي فيها الإنتداب الليلة, ليلة6 آيار عام5708 عبري الموافق15 مايو عام1948 ميلاديا, وحتي إنشاء سلطات الدولة المنتخبة والنظامية طبقا' للدستور'الذي يضعه المجلس التأسيسي المنتخب في موعد لايتجاوز مطلع شهر أكتوبر عام1948, يقوم مجلس الشعب بمهام مجلس الدولة المؤقت وسلطته التنفيذية.. الخ'.ولكن تأخر أمر النظر في الدستور.وكانت لبن جوريون وقادة إسرائيل خطط اخري. ففي البداية كان بن جوريون, الذي أصبح أول رئيس للوزراء في إسرائيل,يميل إلي تقليد النموذج الأمريكي فتبني فكرة كتابة دستور مشابه,إلا أنه غير رأيه وبدأ يدعو إلي وضع قانون مشابه للنظام البريطاني دون وضع دستور رسمي مكتوب, مشيرا إلي أن البلاد تمر بمرحلة تحولات دائمة وأنها لن تتحمل الإلتزام' بأطر جامدة' صلبة و'قيود مصطنعة' مفضلا أن تكون قوانين إسرائيل قادرةعلي التلون وتكييف نفسها مع التطور الديناميكي المحيط بها. ودفع بن جوريون وحزبه' ماباي'الأعضاء المتشددين دينيا داخل الكنيست للإصرار علي معارضة وضع دستور علماني وبالتالي معارضة وضع دستور رسمي مكتوب لإسرائيل.وكان البديل هو أصدار البرلمان قوانين أساسية تتناول شتي ميادين الحياة حتي يمكنها في النهاية أن تجتمع معا لتكون بمثابة دستور للبلاد.وفي عام1995 تم التأكيد علي أن القوانين الأساسية تصنف في مرتبة أعلي من القوانين العادية. وهكذا وفي الوقت الذي سعت فيه غالبية دول العالم إلي تبني دساتير لضمان مستقبل مشرق لشعوبها قررت بعض الدول عدم تقييد نفسها بالقوانين والقواعد والضوابط مفضلة التخلي عن الدستور المكتوب والإكتفاء بتراكم القوانين والتكيف مع تغيرات الزمن مفضلين الحياة ب'اللادستور'.