بقلم أحمد طه : واعلم جعلك الله من الناجين أن أقطابنا القدامي كانوا يطلقون لفظة الجمهور علي كل ما سما قدره وبزغ نجمه حتي قيل جمهور الفقهاء أو جمهور المفسرين للدلالة علي هذه الطبقة السنية ولكن جاء زمن استباح فيه الناس هذا اللقب السامي, فأنزلوه من عليائه وجعلوه قرينا بالتافه من الأشياء والنافل من الأمور حتي أطلقه ملوك عصرنا علي ممالكهم درءا للحسد, ودفعا لأحقاد منافسيهم وحجابا لما هم فيه من العزة والنعيم فتري الممالك المزدهرة تطلق علي نفسها تقية اسم الجمهورية, وتسمع عن أباطرة الملوك يتسمون أمام العامة باسم الرؤساء ولولا لطف الله بنا وعظيم رحمته علينا, لما أسعف قرائح ذوي البصيرة بلفظة الشعب التي بزت سائر الألفاظ برقة جرسها وموفور عمقها, ورغم عكوف الأجيال من العارفين علي حل طلاسمها, وفهم أسرارها, فما زالت معانيها وقفا علي الواصلين وأصحاب الكرامات ومما قيل في تفضيلها علي الجمهور: .. والجمهور ميال بطبيعته إلي الفسق والمجون والخلاعة, فتراه عاكفا علي مشاهدة المباذل ومتابعة المهازل في الوقت الذي يكون الشعب فيه مشغولا ببيعة حاكم أو جهاد عدو أو شنق حاسد وإذا انتهي من جليل أعماله تراه عاكفا علي الزهد والعبادة ولولا ذلك ما اصطفاه الله ببعض صفاته, فهو لا يموت ولا ينهزم ولا ينام ولا يجوع ولا يظهر للعيان. ومن كرامات الشعب المتواترة قدرته علي إحياء الموتي وقتل الأحياء وتأويل العناصر, ولقد عاينت بنفسي أحد الشعوب وقد حول جاويشا إلي جنرال وسمعت أن شعبا حوله إلي ملك بل وأكد لي بعض أهل الثقة أن هناك شعبا استطاع تحويل الجنرال إلي امبراطور دون أن يفقد أيا من خصائصه أو يزيد عضوا واحدا. ولهذا قال فيهم زعيم نابه: ولولا الشعب ما أغمضت عينيوحول القصر جمهور الرزايا ولو خيرت ما أبقيت فردامن الجمهور يلعق في دمايا ولو شاء الإله وطال عمريلسقت نساءهم سوق السبايا ذلك أن الجمهور لا يصل إلي أفهامه أن الديكتاتور يقوم برسالة أنيطت إليه, وأن أعماله ليس مبعثها الهوي, والدليل علي ذلك هذا التوافق العجيب بين أفكارهم وأعمالهم مهما اختلفت الأرض وتبدل الزمان, فقد قال ديكتاتور عاش في غابر الزمان( وقيل بل إنه زعيم العماليق) نفس المعني, وإن كان في رأينا أكثر بلاغة وأعمق حكمة وألطف جرسا: القصر قصري. وهذا الشعب أحبابي ما أطيب العيش بين الشعب والناس والحقد من شيمة الجمهور, فاحذرهواجعل جماجمهم كالكأس والطاس.