تلقت الولاياتالمتحدة عائدات علي استثماراتها خارج أمريكا في العام الماضي2011 حوالي2124 مليار دولارا بينما دفعت أمريكا للاستثمارات الأجنبية المقامة علي أرضها أو في أصولها ما يوازي2126 مليار دولار فقط. هذا برغم أن حجم الاستثمارات الخارجية الكلية تربو بقليل علي نصف الاستثمارات الأجنبية داخل أمريكا. هذا يعني أن أمريكا تستثمر خارج أراضيها نصف حجم الاستثمارات التي يقوم بها الأجانب داخل أرضها ومع ذلك تتلقي مكاسب تزيد في مطلقها حوالي50% علي إجمالي المكاسب التي تدفعها هي للمستثمرين الأجانب. يفسر الاقتصاديون هذا اللغز بأن الأجانب يقبلون بعائدات متدنية للغاية(0.5% أو1%) علي السندات وأذون الخزانة الأمريكية مثلا وتقوم دولة مثل الصين بشراء ما يوازي بليون دولار منها كل صباح بينما تعزف عن شراء أصول في دولة أخري يمكن أن يفوق عائدها الضعف أو الضعفين والسبب هنا هو تكلفة الأمان وذلك أن من يستثمر في السوق الأمريكية فهو آمن علي ودائعه واستثماراته. ويأتي ذلك الأمان من أن أمريكا تتمتع بنظام سياسي مستقر نابع من أن كلمة القانون تعلو فيها علي ما عداها من البلدان. وتحضرني هنا قصة الانتخابات الأمريكية عام2000 بين جورج بوش الابن وآل جور( نائب الرئيس كلينتون آنذاك) فبرغم أن علامات التزوير كانت واضحة وضوح الشمس من قبل معسكر بوش الذي كان أخوه محافظا لولاية فلوريدا( التي حدث فيها التزوير) وكان آل جور قد كسب الأصوات الشعبية إلا أنه امتثل لحكم المحكمة العليا( رغم أن أربعة من قضاتها تم تعيينهم بواسطة جورج بوش الأب حينما كان رئيسا لأمريكا). لقد ضحي آل جور بمصلحته الشخصية في أن يكون رئيس أقوي دولة في العالم في سبيل ألا تهتز صورة أمريكا واستقرارها السياسي أمام العالم. ولو كان فعل لكان ملايين الأمريكيين من خلفه وورائه يهتفون لصالحه. لعل ذلك تم تأكيده في كتاب حديث تم نشره في مارس2012 بواسطة الباحثين دارون أشجلو من جامعة أم. أي. تي وجامس روبنسون من هارفرد وهو معنون: لماذا تفشل الأمم؟ مصادر القوة والرخاء والفقر. ولقد لقي الكتاب مؤخرا رواجا وكثيرا من القبول لدي الباحثين في العلوم السياسية والاقتصادية والإدارية لأنه أثبت بكثير من التمحيص والتحليل بأن السبب في نجاح الأمم أو فشلها يعود في المقام الأول إلي نوعية المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلد. ويرجع الكاتبان علي وجه التحديد نجاح الأمم في الوصول إلي مرحلة التنمية والرخاء إلي شمولية النظام السياسي المتبع وحيث يخلصان إلي أن الدولة يجب أن تتبع نظاما سياسيا وسطيا وجامعا بمعني أن تكون الدولة معبرة عن جميع الأطياف ولا تنحاز لفصيل بعينه وأن تمثل وتكون صوتا لجميع التيارات. فإذا كان النظام السياسي بهذا الشكل فإنه سوف يقود إلي نظام اقتصادي شامل أيضا تحكمه القواعد والقوانين التي تحفز الناس علي العمل الجاد والمنتج. ذلك أنه إذا قامت الدولة بحماية الممتلكات الخاصة والفكرية وإذا عملت علي تشجيع واحترام كافة العقود المبرمة فإن الأفراد سيتمكنون من تحويل أفكارهم إلي مشاريع دون خوف من أن يسرق أحد أفكارهم أو يغتصب ممتلكاتهم. ومن ثم فالخلاصة هنا أن الدول لا تنجح إلا إذا تم فيها إعمال القانون بحيث يصبح الجميع أمامه سواسيه كما يلتزم الجميع قيادة وشعبا باحترامه. كما أن النظم السياسية الشاملة هي التي لا تهمش أطيافا من شعبها ولا تستأثر وتنفرد بقراراتها, ومن ثم فهي القادرة علي خلق مؤسسات اقتصادية شاملة يتمتع أفرادها بروح التجديد والابتكار والتي تؤدي إلي طرق التنمية والرخاء... ورغم أن هذه الدروس تبدو بديهية إلا أنه غالبا ما يتم في خضم الصراعات السياسية تجاهلها وإغفالها.