هدفان أعتقد أن القرار السياسي لابد أن يضعهما في الاعتبار أو يعطيهما كل الاعتبار في مثل هذه المرحلة الانتقالية بكل التحديات التي تواجهها وبعد ثورة عبقرية شارك فيها المصريون بمختلف أطيافهم ومكوناتهم وأصبح احترام إرادتهم شرطا لسلامة القرار الذي يجب أن يتوافر له شرطان أساسيان.. أولهما الحفاظ علي تماسك الدولة ومنع انهيار كيانها الهش بعد تجريف وتدمير استمر أكثر من ثلاثين عاما, وتوفير الأسباب لإعادة بناء مؤسساتها المنهارة. الهدف الثاني الحفاظ علي الثورة واستمراريتها بعد الضربات القاضية التي وجهت اليها ولم تتوقف منذ بداياتها المبكرة, والسعي إلي تحقيق الأهداف التي نادي بها ومات من أجلها وجرح وأصيب وفقدوا الأبصار الآلاف من الشباب, الأهداف التي جسدتها نداءاتهم الشهيرة: الحرية العدالة الكرامة الانسانية. لقمة العيش الآمنة. فإذا صدر قرار يهدم أو يهدد الاثنين استقرار الدولة واستمرار الثورة تكون اعادة النظر فيه وسحبه وايقافه علي الفور فريضة واجبة ماذا نسمي ما يواجهه المصريون منذ الاعلان الدستوري ويكاد يضعهم علي حافة حرب أهلية مقدماتها الخطيرة الانقسام والفتن والاستقطاب والاعتصام في ميادين معظم محافظات مصر, والعودة إلي سقوط الشهداء والجرحي والكر والفر بين الشباب والشرطة مشاهد تعيد الوقائع الدامية للأيام الأولي للثورة من يصدق أن تقوم مسيرات مضادة ومواجهات بين شباب كانوا رفقاء ثورة لم اشاهد مثل هذه الحالة من القلق العام والاضطراب بين المصريين علي مصير بلدهم وما يطرحون من اسئلة حائرة أمام ضبابية المشهد علي عكس ما شاهدنا وعشنا في الأيام الأولي للثورة في ذروة أيام التحدي والرئيس السابق لم يسقط بعد ومازال وسط جهازه الأمني ورجاله الجبارين, برغم كل شيء كانت فرحة المصريين وثقتهم وتحديهم لا يعرف درجات القلق التي يعيشون تحتها الآن بعد أن خابت توقعاتهم في قدر معقول للاستقرار والاطمئنان وبدايات للتأسيس لبناء مصر الجديدة التي بشرت بها الثورة. للأسف الاعلان الدستوري انفجر في وجه كل هذا المأمول والمنتظر, وأخذنا إلي متاهة انقسامات ومواجهات لم يكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية علي أي قدر لاحتمالها, ووضع مصر علي حافة الخطر عندما غاب الهدفان الأسمي للقرار السياسي الحفاظ علي كيان الدولة واستقرارها, وحماية الثورة وتحقيق أهدافها. فهل يحتمل الإنقاذ أي تهاون في إسقاط الاسباب؟! وكيف يتردد د. محمد مرسي في اغلاق بوابات الخطر التي فتحها الإعلان الدستوري؟! وقد سمعت وقرأت عن مخارج قانونية كثيرة تستعيد لمصر أمنها ووحدة صفوف ابنائها وتحفظ للرئاسة احترامها برغم أنني لا أجد مصدرا للاحترام مثل ايقاف تداعيات وتوابع هذا الزلزال الذي صنعه الاعلان وما أكثر الأمناء الذين سيسارعون إلي مد الأيدي للمشاركة سواء من شباب الثورة ومن جميع قوي المعارضة الوطنية. لقد قرأت واحترمت ما جاء في نداء للشباب من مختلف الأطياف الوطنية بعنوان( احقنوا دماء المصريين) وجاء فيها: إننا اليوم لسنا بصدد المنابزه وتبادل الاتهامات, لكننا في لحظات مصيرية تستوجب علينا الاتفاق علي القواسم المشتركة التي يفرضها ضميرنا الوطني وفطرتنا الانسانية, وبناء علي ذلك نعلن جميعا التزامنا بأن حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي مكفول أيا كان هذا الرأي والحفاظ علي سلمية هذه الثورة, وعدم الانسياق وراء الدعوات التي قد تجر البلاد لدوامة من العنف والعنف المضاد. انتهي ما اقتطفته من بيان شباب ثوري وأعود إلي ما طرح من مبادرات داخلية محترمة بل وصل الاحساس بالمخاطر التي تتعرض لها مصر وثورتها أن طرحت مبادرة دولية كما نشرت الأهرام11/29 صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل التي اقترحت خريطة طريق للخروج من الأزمة علي مراحل ثلاث يجب علي جميع الأطراف احترامها!! اذن العالم الذي وقف مبهورا أمام ثورة المصريين يقف الآن مبهورا أيضا ولكن امام القرار السياسي الذي قاد إلي المأزق والصراع والانقسامات ومعارك الشوارع, والاعجب والأغرب هو محاولة استغلال هذا المشهد بكل تداعياته التي مازالت تتفجر في جميع محافظات مصر ويتوالي سقوط الجرحي في المعارك التي قسمت وفتتت أبناء مصر كيف تستغل وتستحل الأزمة لتمرير الدستور بما يضم من مواد تغير هوية مصر وكيف يفرض الدستور علي المصريين فرضا ولم تتح لهم الفترة الزمنية الكافية لقراءة وتفهم وثيقتهم الدستورية التي انجزت بليل وماذا يعني تصريح رئيس الجمهورية بأن التصويت ب نعم علي الدستور يلغي الإعلان الدستوري هل نحن أمام صفقة؟! وهل يمكن تمرير دستور شعب بصفقة وكيف يتراجع الرئيس عن وعده بأنه لا يمكن تمرير دستور لا يحصل علي توافق شعبي وهل الدستور بالطريق الذي يراد تمريره بها حصل علي هذا التوافق.. سيناريو فرض الدستور علي الشعب سيستدعي المزيد من الغضب ودواعي الانقسام والصراع, وتقويض ما تبقي من الدولة والثورة, فهل يرتكب هذا أمناء علي الوطن؟! وهل يحتمل المزيد من دواعي الانفجار التي بدأها الاعلان الدستوري ويراد للأزمة أن تستكمل بفرض الدستور الذي انتهت اليه لجنة منقوصة الصلاحيات!! هل يسعي النظام إلي اخماد النيران المشتعلة في الوطن أم الدفع بوقود جديد اليها؟!أثير وسط تداعيات الأزمة أن وراء الاعلان الدستوري محاولة إخماد مؤامرة وقد كتبت كثيرا من قبل أن كل من أضيرت مصالحه المحرمة من قيام الثورة أو حصد مكاسب ومناصب صنعت علي عين النظام الفاسد له ثأر مع هذه الثورة ولم يكن الحل باعلان دستوري يدفع بعوامل لتقويض كيان الدولة, والقضاء علي ما تبقي من الثورة بينما بين أيدي رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ القرارات واصدار القوانين التي تجفف منابع التآمر والتمويل, وتوقف خطوط الاتصال بين كبراء النظام الطلقاء والمعتقلين في سجون النجوم الخمسة وايقاف قدرات التحريك وإدارة مخططات التخريب واتخاذ جميع اسباب الفريضة التي تأخذنا فيها وهي حماية الثورة.. ولم يكن هناك مصري أمين ووطني سيقف ضد مبادرات رئيس الجمهورية لاتخاذ الاجراءات الحامية دون احتياج إلي اعلان دستوري فرض هذه المواجهات لاسقاطه وأتاح مناخ المواجهات والتقاتل واطلاق ميليشيات الفوضي واستكمال مخططات إسقاط الدولة والثورة مثل الانقاذ أيضا في الدفع بأجيال شابة جديدة في جميع مؤسسات الدولة لتحقيق وتخفيف موروث الفساد والافساد, بالإضافة إلي ترجمة وتجسيد قيادة الشباب لثورة بلادهم بتولي قيادة التحولات والتطهير والاستشفاء علي أن يكونوا من جميع الأطياف السياسية والثورية كما كانت وثيقة حقن الدماء التي أعلنوها مصر للجميع لجميع ابنائها ركيزة أساسية للإنقاذ. تعلم المصريون واستعذبوا مذاق الحرية والكرامة ودفعوا الدم والأرواح ثمنا وعرفوا أنهم يستطيعون إذا أرادوا وأنهم لن يقبلوا باستبداد جديد أو كسر إرادة فلينضم رئيسهم اليهم.. نموذجا محترما لإحناء الرأس والقرار أمام إرادة الشعب ولعل معركة مناهضة الوثيقة الدستورية لا تفتح مزيدا من بوابات الخطر والانقسام والصراع ويتم استيعاب دروس الاعلان الدستوري جيدا انه لا خلاص ولا انقاذ إلا باحترام إرادة الجموع لا جماعة بعينها ولا تيار سياسي واحد ما بال إذا كانت الوثيقة وثيقة دستور أمة وشعب بأكمله, من حق جميع ابنائه ان يكونوا شركاء فيها وان تكون تعبيرا أمينا عن جميع مكوناتهم وخلاياهم الحية. المزيد من مقالات سكينة فؤاد