جاء الخريف, والخريف في مصر فصل قصير يمهد للشتاء بأعاصيره وأنوائه. أما سياسيا, فيحمل هذا الخريف طعم خريف 2010, في نهايات الحكم التسلطي الفاسد والمستبد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح في ذلك بعد. يبدأ المقال برصد سبع علامات واضحة علي تدهور شعبية سلطة الإسلام السياسي واشتداد أزمته. ثم يقدم قسمه الثاني حزمة حلول أراها كفيلة بنصرة سلطة الإسلام السياسي للثورة الشعبية العظيمة بما قد يسهم في تفادي أفولها المبكر وانضمامها, بسرعة فائقة, إلي سجل التجارب الفاشلة لحكم الإسلام السياسي المتشدد في المنطقة والعالم. العلامة الأولي تبلورت قبل تنصيب الرئيس الحاكم حاليا فقد تراجع التأييد التصويتي لتيار الإسلام السياسي بين استفتاء 30 مارس 2011 مرورا بلانتخابات النيابية ووصولا إلي الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية بحوالي الثلثين, من 77% ممن صوتوا, إلي حوالي الربع. ولا يستقيم التعلل بتعقيدات الانتخابات الرئاسية لتفسير هذا التدهور البالغ في مدي عام واحد فقط, علي الرغم من الرشي الانتخابية والتخويف بالكفر وعذاب الجحيم لمن لا يصوت للتيار. فلو كانت شعبية التيار علي حالها وقت الاستفتاء لربما حسم مرشح الإخوان الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولي. ومن ثم, ليس لهذا الانهيار من تفسير إلا تردي شعبية التيار وكونه استفاد من التصويت الكاره لنظام الطاغية المخلوع وقت الاستفتاء الذي جاء بعد فترة قصيرة من اسقاط رأس النظام. العلامة الثانية التي لا تخطئها العين هي فضيحة وضع دستور مصر الجديد التي صمم التيار علي الرغم من كل المعارضة بالعقل والمنطق علي أن يتحكم فيها وأن يحاول صبغ مواد الدستور بطابع مغالي في التشدد, معسر ومنفر من شريعة الإسلام السمحاء. في النهاية, بدلا من أن تجمع عملية وضع الدستور الأمة في توافق علي مشروع دستور يليق بالثورة الشعبية والوحدة الوطنية الرائقة التي تجلت خلالها, فرقت الجميعية التأسيسية بين أبناء الشعب وبذرت التشاحن بينهم. وللحق فقد شارك في هذه الفضيحة إساءة حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية, بالتواطؤ مع تيار الإسلام السياسي. العلامة الثالثة علي تدهور شعبية التيار وهو في السلطة هي تلك الحكومة المأساة التي استغرق الرئيس شهورا لتشكيلها ناسفا بذلك ادعاء الإسلام السياسي بكونه ثريا في الكفاءات وقدرته علي تشكيل وزارة في ساعات قليلة. وبعد تشكيلها تكشف للجميع أنها لا تختلف في قدرة رئيسها أو قوامها أو سياساتها أو كوارثها عن حكومات أحمد نظيف وعصام شرف وكمال الجنزوري, وعلي وجه الخصوص فإن كل وزير في حكومة الإخوان كان إما وزيرا في حكومة الجنزوري أو معاونا لوزير فيها إن لم يكن أيضا عضوا في حزب الطاغية المنحل أو لجنة سياساته, وعلي التحديد فإن وزير المالية كان مساعد الهارب يوسف بطرس غالي. وليس من غرابة, فالنظام حقا لم يتغير منذ أيام الطاغية المخلوع, بفضل حماية المجلس العسكري وسلطة الإسلام السياسي كليهما للنظام الذي قامت الثورةلإسقاطه, وإن اكتسي مسحة من التدين الشكلي والمظهري للقيادات باعتلاء الإسلام السياسي سدة الحكم. والمهزلة حقيقة هي بقاء هذه الحكومة علي الرغم من فشلها البين والبادي للجميع حتي أصبحت المطالبة بإقالتها متواترة بدءا, للعجب, من قيادات تيار الإسلام السياسي نفسها وانتهاء بالمواطنين العاديين علي وسائط الإعلام حتي قامت دعوة للتظاهر يوم جمعة للمطالبة بإقالتها واسقاط النظام كله. حتي عندما أقيل وزير من حكومة الإسلام السياسي بعد تكرار كوارث القطارات التي انتهت بمصرع عشرات الأطفال الأبرياء ظل متنصلا من المسئولية ولائما القضاء والقدر, علي الرغم من أن مثل هذه الكارثة كفيلة في أي مجتمع ديمقراطي بحق بإقالة الحكومة بأكملها. وهو أمر في يد الرئيس الحاكم, إلا أن مصلحة الإسلام السياسي تعلو علي أرواح الأبرياء, ولو كان يعلم حقا مصلحة التيار الذي ينتمي إليه لأقال هذه الحكومة. وهكذا نصل إلي العلامة الرابعة وهي سلسلة الكوارث المتتابعة التي رافقت صعود تيار الإسلام السياسي لسدة السلطة المطلقة, التنفيذية والتشريعية, وحكومتها. وأظهرها كوارث النقل. لكن انضم للسلسلة هجوم القوات المسلحة علي جزيرة القرصاية باعتبارها مرتكزا استراتيجيا مدعية ملكية الجزيرة بوثائق رسمية, ما كذبه الشهر العقاري لاحقا, والذي تسبب في مقتل وإصابة العشرات من الأهالي المطحونين. العجيب هنا هو استهداف الجيش لأكواخ الغلابة وقاطنيها دون التعرض لقصور حيتان فلول نظام الطاغية المخلوع القائمة علي الجزيرة نفسها. ختام هذه السلسلة حتي وقت الكتابة هو تكرار مذبحة محمد محمود والشوارع المحيطة بمبني وزارة الداخلية الذي يعاملونه وكأنه قدس الأقداس الذي تذبح عليه القرابين من الشهداء والمصابين من شباب مصر رغم أنه لا يعدل ظفر أحدهم. فليلقوها في الصحراء حيث لا تهدد ولا تتهدد. المأساة تتكرر كمهزلة, سواء كان الحاكم هو المجلس العسكري أو الإسلام السياسي: تظاهرات تبدأ سلمية ولكن سرعان ما يغشاها العنف تشترك فيه الشرطة المفترض فيها أن تحمي الأمن والحقوق, ومدنيين مجهولي الهوية, لايبرئ البعض التيار الحاكم من المسئولية عنه. وقد بقينا سنوات نسمع عن طرف ثالث من دون أن يسفر تحقيق أو تقصي حقائق أو قضية عن مسئولين, غير صغار الأسماك التي تلقي بها السلطة الاستبدادية المعتمة والمتكتمة في المحرقة بينما يفلت حيتان الإجرام من العقاب. فقط نرجو ألا يتكرر إفلات المجرمين من العقاب هذه المرة. أما العلامة الخامسة فهي لجوء سلطة الإسلام السياسي إلي تقييد الحريات وهو تعبير عن الإقرار بالفشل الذي يستوجب في فكر الحكم التسلطي قمع الرأي المعارض, وقمع الفعل الاحتجاجي وسيلة المظلومين الذين يعدمون قناة رسمية تدرأ عنهم المظالم بفعالية, وليس تظاهرا دعائيا أجوف غرضه الوحيد تحسين صورة من في السلطة. في المجتمعات الديمقراطية يقارع الرأي بالرأي المضاد في مناخ من النقاش السلمي المتحضر. لكن من يقمع الرأي بالعنف يقر بضعف حجته أو انعدامها. والشواهد هنا أكثر من أن تحصي, فالتقييد علي وسائل الإعلام والإعلاميين الأحرار وإرهابهم قد صار زادا يوميا تحت سلطة الإسلام السياسي, وشارك فيه للأسف بعض من أهل الحكم الحالي الذين كنا نعول عليهم فيما مضي لحماية الحق والعدل. وندخل في هذه العلامة خطيئة تقييد حق التظاهر السلمي, شاملا الإضراب والاعتصام, سواء بالقانون النافي للحق أو بمواجهتها بالعنف الخسيس من جهات الإدارة. ونستكمل باقي العلامات ونطرح التصحيحات الواجبة الأسبوع القادم. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى