مثلما كان سقوط بنك ليمان براذرز بداية لسقوط كثير من البنوك والمؤسسات المالية والشركات في عام2008 فلا يوجد تخوف في الأسواق الآن أكثر من أن يؤدي التباطؤ في مساندة اليونان. وذلك خلال أزمتها المالية لانتشارها إلي دول جنوب اوروبا الأخري وبالتالي منطقة اليورو أو أبعد من ذلك. وهو ما يهدد استقرار الاقتصاد العالمي بل قد يستدرجه إلي أزمة مالية أخري لا أحد يعرف حدودها وعمقها. فعندما تسقط مؤسسات مالية وشركات يمكن أن تتدخل الدولة لمساندة وإنقاذ الاقتصاد ولكن عندما تفلس دولة فإن الشعوب هي التي تدفع الثمن. وقد قامت مؤسسة ستاندرد أند بورز- إحدي ثلاث مؤسسات رئيسية في التقييم السيادي- خلال الأسبوع الماضي بتخفيض درجة تقييمها لديون البرتغال بمقدار درجتين من إيجابي إلي سلبي كما خفضت درجة تقييمها لديون أسبانيا من إيجابي إلي مستقر بينما خفضت ديون اليونان إلي المستويات الدنيا. وعلي الرغم من أن مصداقية مؤسسات التقييم العالمية علي المحك, حيث فشلت في التنبيه إلي الأزمات المالية السابقة بإعطاء تقييم مرتفع في وقت التفاؤل بينما تزيد من حدة الأزمات بتخفيض درجات التقييم في عمق الأزمة إلا أن الأسواق لا تزال تأخذ تقييماتها بجدية وتبتعد عن الإستثمار في الأسواق المقلقة. وقد سارع المسئولون في البرتغال إلي التأكيد بأن بلادهم مختلفة تماما عن اليونان. فعلي الأقل هي لم تكذب بشأن حقيقة مديونياتها والعجز الحكومي مثلما فعلت الحكومة السابقة في اليونان. كما أن حكومة البرتغال لها تاريخ في تنفيذ برامج للتقشف تؤدي إلي تخفيض عجز الموازنة. ولكن علي الرغم من أن نسبة العجز في الموازنة العامة بالبرتغال التي تبلغ نحو9.4% من الناتج المحلي هي أقل من نظيرتها في اليونان حيث تبلغ12.7% من الناتج إلا أن التخوف لا يزال موجودا حيث إن معدلات العجز والدين تظل مرتفعة كما أن البرتغال اقتصاد صغير في منطقة اليورو وقدراته علي النمو محدودة وهو يسجل أقل معدلات النمو في الإتحاد الاوروبي منذ إطلاق اليورو في عام1999. و كان أيضا توقع انخفاض معدلات النمو الإقتصادي في أسبانيا من نحو1% في المتوسط سنويا حتي عام2016 إلي نحو0.7% فقط هو السبب الرئيسي في تخفيض درجة تقييم ديون أسبانيا والتي تعتبر من أكثر الدول تأثرا بالأزمة العالمية حيث تعاني من إنخفاض معدلات الائتمان والتي كانت تعتمد عليها بشكل كبير في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في سنوات ما قبل الأزمة. وترجع المشاكل التي تواجهها دول جنوب اوروبا بصفة عامة بما فيها إيطاليا وإيرلندا إلي فقدانها لكثير من مزاياها التنافسية منذ انضمامها لليورو نتيجة ارتفاع مستوي التكاليف والأجور بها بعد سريان العملة الأوروبية الموحدة. وقد زاد من حدة ذلك إنضمام دول اوروبا الشرقية إلي الاتحاد الأوروبي حيث أصبحت هذه الدول الأكثر تنافسية من حيث مستويات الأجور وفرص النمو الاقتصادي. وسوف يتطلب هذا قيام دول جنوب أوروبا بتطبيق برامج للإصلاح تستهدف زيادة تنافسية إقتصاداتها وصادراتها لرفع معدلات النمو بها وتحسين أوضاعها المالية أخذا في الإعتبار إختلاف درجات تطور الاقتصاد في كل من هذه الدول وكذا حجم مشاكلها المالية. وقد تسبب تردد ألمانيا في تقديم المساعدات لليونان إلي تفاقم المشكلة وتهديد إنتشارها السريع داخل أوروبا. فالمواطن الألماني يعارض هذا النوع من المساعدات بإعتبار أنه يعمل بكد وجهد لتوفير الأموال ليس لتوجيهها لمعالجة أخطاء اليونان. وعلي الرغم من إدراك المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل لتداعيات عدم مساندة اليونان علي منطقة اليورو ككل فإنها بدت مترددة وأعطت علامات متضاربة للأسواق نتيجة تخوفها من المعارضة الداخلية خاصة أن حزبها مقبل علي انتخابات محلية في9 مايو المقبل. وقد أدي هذا التأخر في تقديم المساعدة لليونان إلي تفاقم القلق في الأسواق. لقد أثبت هذا الموقف كما أثبتت السياسات التي اتخذتها من قبل الولاياتالمتحدة لمواجهة أزمة مؤسساتها المالية أهمية توقيت إتخاذ القرار بقدر أهمية سلامة هذه القرارات. والأمر الآن أصبح يتطلب إجراءات حاسمة وسريعة بتحالف اوروبي مع صندوق النقد الدولي لإيقاف حدود المشكلة عند اليونان وعدم إنتشارها لأبعد من ذلك وإلا إصطدمنا بموجة جديدة من عدم الإستقرار العالمي أبطاله هي الحكومات والدول ويدفع ثمنها الشعوب.