برلين: مازن حسان : لم يكن مستغربا ان تتبني الحكومة الألمانية ومعها الكثير من وسائل الإعلام الألمانية الموقف الإسرائيلي من ضرب غزة وتحميل حركة حماس بالكامل مسئولية تفجر العنف والهجمات الإسرائيلية علي القطاع بإعتبارها رد فعل ضروري للدفاع عن النفس أمام أمطار الصواريخ التي تطلقها الحركة علي إسرائيل. فمعروف ان برلين تعتبر حماس منظمة إرهابية تهدد أمن وبقاء إسرائيل الذي تلتزم جميع الحكومات الألمانية المتعاقبة بضمانه والحفاظ عليه. ولكن ما لفت الأنظار هنا هو ذلك الاهتمام الألماني غير العادي بالدور المصري في هذه الأزمة في ظل ظروف إقليمية متغيرة بعد ثورات الربيع العربي وتحت قيادة ترتبط بها حركة حماس إيدولوجيا ودينيا وسياسيا, وهو ما تحرص جميع وسائل الإعلام الألمانية علي التأكيد عليه في كل لحظة. وبمتابعة تحليلات خبراء الشرق الأوسط وتصريحات اهم السياسيين هنا فإن السؤال الأهم المطروح طيلة الوقت منذ شنت إسرائيل هجماتها علي القطاع هو عن أهمية دور مصر في هذه الأزمة. وهناك شبه إجماع علي أن هذا الدورسيكون حاسما فهو إما أن يؤدي إلي السيطرة علي الأوضاع والتوصل إلي تهدئة ومن ثم لوقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس او انه سيؤدي إلي اشتعال العنف وربما إلي حرب تكون مصر نفسها طرفا فيها! وتتبني المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ووزير خارجيتها فسترفيله الموقف الأول حيث ناشدت ميركل مصر علنا لاستخدام نفوذها للتأثير علي حركة حماس والتوصل إلي تهدئة كما كرر فسترفيله المطلب نفسه في اتصالات عديدة مع نظيره المصري, وكذلك عبر سياسيون مثل روبرشت بولنس رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاج عن تفائله بإمكانية ان تتمكن القيادة المصرية من إقناع حماس بوقف الهجمات الصاروخية علي المناطق الإسرائيلية, وهي الخطوة الأولي التي يجب ان تتم حتي يمكن تجنب التصعيد. ويري الخبير الألماني في الشرق الأوسط ميشائيل لودرز ان مصر الجديدة بقيادة مرسي وتحت تأثير الإخوان المسلمين حاليا في إختبار كبير لإثبات ما طالبت به مؤخرا من استعادة دورها الإقليمي فعليها الآن أن تثبت قدرتها علي القيام بوساطة جادة وفعالة بين الطرفين, لكن المشكلة هنا كما يقول لودرز, ان مطالبة المانيا والغرب بتراجع حماس اولا سيفسر علي انه هزيمة للفلسطينيين كما انه لا يخدم بالضرورة القيادة المصرية نفسها التي تريد ان تثبت للمصريين مناصرتها للقضية الفلسطينية وإنتهاج خط مختلف عن سياسة الرئيس السابق, خاصة إذا عادت الأوضاع إلي ما كانت عليه من محاصرة إسرائيل للقطاع. وهذا التناقض بين الضغوط الغربية من جهة وبين مطلب الشارع والسياسة الداخلية من جهة يضع القيادة المصرية بين فكي الرحي. وعلقت بعض الصحف الألمانية مثل تاجسسايتونج وراينشه بوست علي هذا الموقف بأنه ينطوي علي خطر ولو ضئيل بإنزلاق مصر إلي حرب واسعة, خاصة انها استهلكت متعجلة اوراقها الدبلوماسية بسحب السفير المصري واستدعاء السفير الإسرائيلي وبدت بهجوم الرئيس مرسي اللاذع علي اسرائيل بأنها في كفة حماس وتخلت عن دور الوسيط وكل ما يمكنها ان تقوم به هو محاولة التاثير علي حماس فإن فشلت في ذلك وحدث التصعيد وإجتاحت إسرائيل قطاع غزة ووقع المزيد من الضحايا بين الفلسطينيين, انتفض الشارع المصري وربما إضطر الرئيس المصري تحت ضغط الشارع لإتخاذ إجراءات تزيد الوضع تعقيدا مثل تجميد معاهدة السلام او تقديم دعم ما لحركة حماس ما قد يهد بإتساع رقعة العمليات العسكرية. ويري جيرزي مونتاج السياسي في حزب الخضر أن التحدي الأكبر الذي يواجه القيادة المصرية حاليا هو كيفية الحفاظ علي التوازن في علاقتها بالغرب من ناحية والذي تعتمد مصر عليه في دعم اقتصادها المتهالك كما ظهر خلال لقاء الرئيس المصري بكاثرين آشتون منذ ايام في القاهرة وتعهدها بتقديم دعم أوروبي يقدر بخمسة مليارات يورو, وبين ضغوط الشارع المصري الذي ينتفض لأي عدون إسرائيلي علي غزة من ناحية اخري ويطالب احيانا بقطع العلاقات مع إسرائيل. وفي تعليقها علي هذه المعضلة تتوقع صحيفة تاجسشبيجل ان تستجيب مصر لضغوط برلين وبروكسل وواشنطن لدفع حماس لإتخاذ الخطوة الأولي وتقول يخطئ من يفسر تضامن الرئيس مرسي والقيادة المصرية مع حماس بأنه شيك علي بياض.. فمنذ الاعتداء علي الجنود المصريين في سيناء ادركت مصر ان امنها لا تهدده فقط الجماعات الجهادية والإرهابية في سيناء بل ايضا عناصر مماثلة في غزة نفسها ولذا فمن مصلحة الأمن القومي المصري مواصلة التعاون مع إسرائيل امنيا للسيطرة علي سيناء ومن مصلحته ايضا بقاء الفلسطينيين في قطاع غزة وعدم تدفقهم علي مصر.