تعتبر الشريعة الإسلامية الدولة وأجهزتها ذات طبيعة شاملة وخاصة من خلال وظائفها, والتي من أهمها: الإنفاق علي الوظائف العامة, إضافة إلي حفظ الدين في أصوله وفروعه والإنفاق علي حفظ الأمن الداخلي والخارجي, ورعاية الأمور الاقتصادية المالية, وكفاية المحتاجين وأهل الكرب والإنفاق علي التعليم والثقافة والصحة ونحو ذلك. ولذلك وضعت الشريعة الإسلامية عدة تشريعات بهدف الإسهام في تخفيف العبء عن الموازنة وهي التي كانت تعرف فيما مضي ببيت المال وأهمها ما يلي: - الزكاة: لقد ركزت الشريعة الإسلامية علي ضرورة إعطاء الفقير حد الكفاية, وإخراجه من الحاجة إلي الاستغناء عن المسألة, كل هذا يجعل من الزكاة تشريعا يسهم في تخفيف العبءعن الموازنة. - الوقف: بحيث تجيز الشريعة الإسلامية وقف كل ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به, مصداق ذلك قوله تعالي:( لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) سورة آل عمران:(92) التكافل الاجتماعي: ومعناه( أن يتضامن من أبناء المجتمع أفراد وجماعات علي اتخاذ المواقف الإيجابية بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة الإسلامية, ليعيش الفرد في كفالة المجتمع وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد, حيث يتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد الأفضل ودفع الضرر عن أفراده). وتمتد صور التكافل لتشمل النفقات بين الزوجين والقرابة, وكفالة الأيتام ورعايتهم, ورعاية ضحايا الكوارث والمنكوبين, ورعاية المرضي وذوي العاهات وما إلي ذلك.ومن أهم التشريعات الإسلامية في هذا المجال: الوصايا, وصدقة الفطر, والنذور, والكفارات, والأضاحي, ونحو ذلك. - ترشيد الإنفاق العام: أي المحافظة علي المال العام وحسن تدبيره ورعايته وتجنب إهداره وإضاعته, مصداق ذلك ما أخرجه البخاري أن النبي قال إن الله تعالي يكره لكم ثلاثا: قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال. ذلك لأن من أهداف الإنفاق العام, إعادة توزيع الدخل, وإشباع الحاجات العامة للمسلمين, والإنفاق من أجل الاستثمار والإنتاج, والإنفاق لأجل التوظيف. والإنفاق لمحاربة التضخم ووضع السياسات السعرية المناسبة. وهذا ما جعل الشريعة الإسلامية تضع بعض القواعد التي تضمن تحقيق الرشد في الإنفاق, مثال ذلك: - القوامة في الإنفاق: كالنهي عن الإسراف والتبذير, والنهي عن البخل والتقتير, والتوسط والاعتدال في الإنفاق - إنسجام الإنفاق العام مع الأحكام الشرعية: كعدم الإنفاق في المحرمات وأمور اللهو المحرم وكذلك الرقابة علي المال العام, قال تعالي:( ولا تؤتوا السفهآء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) سورة النساء:(5) وعدالة التوزيع: سواء بين الأفراد, أو بين الجماعات, وتتناسب الإنفاق العام مع الأحوال المالية للدولة: كما قال عمر رضي الله عنه( إذا وسع الله عليكم فأوسعوا). وهكذا, تلعب النفقة العامة دورا كبيرا في تخفيف عجز الموازنة, وذلك بالتركيز علي المشاريع الضخمة, كالمناجم ومشاريع استخراج البترول ونحوها, والتي تساعد في رفع مستوي المعيشة وزيادة الدخل العام, ورضي الله عن عمر عندما حدد السياسة المالية للدولة بقوله: إني لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق, ويعطي بالحق, ويمنع من الباطل, وإنما أنا ومالكم كولي اليتيم, إن استغنيت استعففت, وإن افتقرت أكلت بالمعروف, ولكم علي إذا وقع في يدي أن لا يخرج مني إلا في حقه, وأعينوني علي نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مساهمة الضرائب: هناك ضرائب مباشرة وأخري غير مباشرة, مثالها: الضرائب علي الدخل, إضافة إلي الضريبة علي الدخل العام, والضرائب علي المال والتركات, والاستهلاك, والإنفاق, وهناك ضرائب نسبية وضرائب تصاعدية, وأخري عينية وثالثة شخصية, ونحو ذلك. ويمتاز النظام الضريبي الإسلامي عن غيره بأنه يركز علي عدم إضرار هذه الضرائب بالمصالح العامة للأمة, إضافة إلي أنه لا يجوز في الإسلام لأحد أن يجمع الضرائب إلا بقدر الحاجة! أما اليوم فقد زاد الاعتماد علي الضرائب, وذلك من أجل تمويل الإنفاق العام, حتي إن الإيرادات الضريبية لحكومات الدول الصناعية قد زادت عن(39%) أجل: قد تأتي علي الدولة ظروف قاهرة, بحيث لا تفي الضرائب بمتطلبات الإنفاق العام وسد الحاجات, مما يجعلها تضطر إلي اللجوء لتمويل العجز في موازنتها عن طريق القروض العامة مثلا. وأكثر ما يكون ذلك في حال تمويل المشروعات الضخمة كإقامة الجسور ومحطات توليد الطاقة, أو في حالة احتياج الدولة للمال لمواجهة نفقات تنموية أو عسكرية ونحو ذلك, وهذا أمر مشروع. المزيد من مقالات د.طارق السهرى