في مقال سابق عرضنا لمبررات الاهتمام بقضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي هذا المقال نعرض لعدد من الضوابط العلمية والشرعية للتعامل مع هذه القضية والآيتان اللتان اتخذناهما عنوانا لهذا المقال تؤكدان ضرورة الاهتمام بقضية الإعجاز العلمي في كتاب الله, وذلك لأن التعبير القرآني( إن هو إلا ذكر للعالمين) لا بد وأن يكون هذا الذكر باللغة التي يفهمها جميع أهل الأرض. واللغة الوحيدة التي يفهمها كل الناس اليوم هي لغة العلم. والتعبير القرآني( ولتعلمن نبأه بعد حين) معناه أن جميع أهل الأرض سوف يعلمون صدق ما جاء به القرآن الكريم من حق بعد فترة من الزمن من تنزل الوحي به. وعلي ذلك فإن من معاني هاتين الآيتين الكريمتين هو أن صدق القرآن الكريم فيما أخبر به من أمور الغيب ومن ركائز الدين سوف يثبت لأهل الأرض جميعا بعد فترة من الزمن علي تنزل الوحي به, وذلك بإثبات سبقه بالإشارة إلي كم هائل من حقائق الوجود. وهذا هو المدلول الدقيق لمعني الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. أي أن هاتين الآيتين تثبتان حتمية الاهتمام بهذه القضية. وعلي الرغم من وضوح هذا الأمر الإلهي, فإن عددا من المتغربين حاولوا التطاول علي هذا المنهج بغير حق وبغير دليل, ظنا منهم أن العملية تتم بغير ضوابط علمية وشرعية صحيحة. وللرد علي هذه المزاعم الباطلة نورد عددا من الضوابط الموضوعة للتعامل مع هذه القضية في النقاط التالية: 1- حسن فهم النص القرآني الكريم وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية, ووفق قواعد تلك اللغة, وأساليب التعبير فيها; وذلك لأن القرآن الكريم أنزل بلسان عربي مبين, علي ألا يخرج الدارس باللفظ من الحقيقة إلي المجاز إلا بقرينة كافية, وعند الضرورة القصوي, ومن هنا فلا يمكن إثبات الإعجاز العلمي بتأويل النص القرآني. 2- فهم أسباب النزول, والناسخ والمنسوخ( إن وجدا) وفهم الفرق بين العام والخاص, والمطلق والمقيد, والمجمل والمفصل من آيات هذا الكتاب الحكيم. 3- فهم المأثور من تفسير المصطفي صلي الله عليه وسلم والرجوع إلي أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلي الزمن الحاضر. 4- جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالآية القرآنية الكريمة إن وجدت. 5- جمع النصوص القرآنية المتعلقة بالموضوع الواحد ورد بعضها إلي بعض, بمعني فهم دلالة كل منها في ضوء الآخر; لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا, كما يفسره الصحيح من أقوال رسول الله صلي الله عليه وسلم ولذلك كان من الواجب توظيف الصحيح من الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بموضوع الآية المتعامل معها كلما توافر ذلك. 6- مراعاة السياق القرآني للآية المتعلقة بإحدي القضايا الكونية دون اجتزاء للنص عما قبله وعما بعده, مع التسليم بأن من طبيعة القرآن الكريم إيراد العديد من الحقائق المتتابعة والتي قد لا تكون بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض كما هو الحال في آيات القسم المتعدد بأكثر من أمر من الأمور. 7- مراعاة قاعدة أن العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, والاقتصار علي القضية الواحدة في المقام الواحد دون تكديس الآيات المستشهد بها حتي يتضح جانب الإعجاز العلمي في كل منها. 8- عدم التكلف أو محاولة لي أعناق الآيات من أجل موافقتها للحقيقة العلمية; وذلك لأن القرآن الكريم أعز وأكرم علينا من ذلك; لأنه كلام الله الخالق, وعلم الخالق بخلقه هو الحق المطلق, الكامل, الشامل, المحيط بكل شئ, وهو العلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. 9- الحرص علي عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الإعجاز العلمي للآية أو الآيات القرآنية الكريمة, من مثل المعادلات الرياضية المعقدة, والرموز الكيميائية والفيزيائية الدقيقة إلا في أضيق الحدود اللازمة لإثبات وجه الإعجاز. 10- عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة, هذا وسوف نعرض إن شاء الله تعالي في المقال القادم بقية هذه الضوابط التي تبلغ العشرين ضابطا لعل في ذلك أن يقنع من تطاول علي هذا المنهج العلمي والشرعي الدقيق أن يدرك جسامة خطإه فيما ادعاه من بطلان توظيف الحقائق العلمية في فهم دلالة الآيات الكونية في كتاب الله. والله يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل.