إذا كنت قد شاركت في تأسيس الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية في أكتوبر1975 لبث فكر التنوير في شعوب افريقيا وآسيا فقد شاركت أيضا في نوفمبر من ذلك العام في تأسيس المجموعة الأوروبية العربية للبحوث الاجتماعية برعاية مؤسسة كونرادأديناور بألمانيا الغربية. وفي إطار فكرة الشراكة الأوروبية المتوسطية بين دول المجموعة الأوروبية ودول شرق وجنوب البحر المتوسط, أي في إطار ثقافة البحر المتوسط. وهذه الثقافة تنطوي علي تناقض, إذ ان شمال ذلك البحر يتميز بالتوجه العلماني في إدارة أمور الحياة الدنيا في حين أن جنوبه يتميز بالالتزام بالأصولية الدينية. وبحكم انتخابي مسئولا عن المشرق العربي في تلك المجموعة (1976-1983) فقد أشرفت علي إعداد أربعة مؤتمرات تحت العناوين الآتية: الشباب والمثقفون والتغير الاجتماعي(1980) و الشباب والعنف والدين: نماذج من العلمانية واللاعلمانية في أوروبا والعالم العربي (1981) والتسامح الثقافي (1981) والهوية الثقافية في الزمان (1983). والجدير بالتنويه ها هنا أن ثمة حادثتين مهمتين مترابطتين لهما دلالة حضارية وهما علي النحو الآتي: أثناء إعدادي لمؤتمر الشباب والعنف والدين وجهت دعوة إلي أحد أعضاء المجموعة الذي يعمل في بحوث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية فبعث إلي برسالة جاء فيها أنه قد لاحظ من خلال حضوره ومتابعته لنشاطنا أن هناك دلائل واضحة تشير إلي أن هذه المجموعة الأوروبية العربية تنهج نهجا معاديا للإسلام ودليله علي ذلك الموضوعات التي حرصت هذه المجموعة علي الاهتمام بها في مؤتمراتها ونوعية بعض الحضور ومستوي مناقشتهم. وهذا الاتجاه بالطبع لا يتفق مع مبادئنا وأهدافنا التي انبعثت عن عقيدتنا الاسلامية. واللافت للانتباه في هذه الرسالة أن صاحبها يكتب كما لو كان ممثلا للإسلام علي نحو ما هو وارد في المملكة العربية السعودية, وأن أعضاء المجموعة الأوروبية العربية متجانسة ومتفقة فيما بينها علي معاداة الاسلام! كان ذلك في عام .1981 والمفارقة هنا أنني في عام 1997 تسلمت دعوة من صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد العزيز رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة( الجاندرية) للمشاركة في فعاليات المهرجان المنعقد في مارس .1997 وفي اجتماع تم برئاسة الشيخ عبد العزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني ومن القيادات السعودية المتنورة أعلن ذلك الشيخ أن بعض مؤلفاتي قد دخلت المملكة. والمفارقة هنا أيضا أنني التقيت شخصيات سعودية مرموقة واستمعت إليها وهي توجه نقدا قاسيا لابن تيمية الملتزم بحرفية النص الديني والمؤسس للوهابية في المملكة. ومعني ذلك أن المملكة تواجه أزمة هوية. والسؤال إذن: إذا كانت باكستان وهي دولة اسلامية خالصة تواجه أزمة هوية, وإذا كانت السعودية هي أيضا دولة اسلامية خالصة تواجه أزمة هوية فهل يحق لي القول إن التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي في مواجهته للعالم الغربي هو من افراز أزمة هوية. واذا كان ذلك كذلك فكيف يمكن للعالم الإسلامي مجاوزة هذه الأزمة؟ إن العالم الإسلامي محكوم بتكفير من يخرج عن الاجماع. وأظن أنه من أسباب اضطهاد ابن رشد وتكفيره دعوته إلي مشروعية الخروج عن الاجماع, إذ قال: لا يقطع بكفر من خرق الاجماع. ومن شأن هذا النوع من التكفير أن يمتنع معه تفجير الطاقة الابداعية لدي الانسان. المزيد من مقالات مراد وهبة