سألتني مذيعة يقظة في القناة الاخبارية الأوروبية: من في رأيك الخائن لوطنه؟ قلت: أكبر خائن لوطنه مصر.. هو محمد سلطان باشا الذي فتح الباب أمام قوات الأنجليز لتدخل التل الكبير تقضي علي جيش البطل أحمد عرابي بأن كشف لها ظهر الجيش المصري بإنسحاب كتيبته من ارض المعركة في التل الكبير.. لتظل مصر مستعمرة بريطانية علي 72عاما.. حتي حررها جمال عبد الناصر! قالت: هناك في هذا العصر هو أكثر خيانة من سلطان باشا هذا؟ سألتها: من هو برأيك؟ قالت: من ترك الطفلة زينب التي لم تتعدي السنوات الأربع تموت داخل استقبال مستشفي دمياط العام.. دون أن يقدم لها الأطباء العلاج اللازم.. بحجة أنهم كانوا في حالة اضراب حتي فاضت روحها وصعدت إلي بارئها! قلت: تقصدين أن أطباء استقبال مستشفي دمياط أكثر خيانة من سلطان باشا الذي أذل شعب مصر كله أكثر من سبعة عقود؟ قالت: وهل عندك قول آخر؟ قلت: ولكن كانت لهم مطالب حقيقية وحقوق ضائعة؟ قالت: فريق يعمل ويداوي.. وفريق آخر يرفع اللافتات.. وها هم يعودون للاضراب مرة أخري! قلت: إذا أردت رأيي وهو في اعتقادي ويقيني رأي كل ذي عقل وكل ذي فطنة ومن يجري في عروقه دم الاخلاص والحب لكل زهرة تزهو بأريجها في بساتين بلادي وكل شجرة تحنو علينا بظلها وترطب أفواهنا بثمرها.. وكل سحابة تسقي وتنبت وتطعم من جوع وكل رب أسرة يحميها من كلاب السكك وذئاب الطريق.. وكل أم تداري ولاتداوي.. أما من يمتنع يا سيدتي عن انقاذ مريض عامدا متعمدا فهو بالقطع خائن للأمانة وألف خائن.. ومعه من يغش الدواء.. ومن يغش الطعام والشراب والسلع تحت بير السلم.. ومن يضحك علي خلق الله في أسواق مصر وفي الموالد والأعياد والذين يبيعون الوهم للغلابة والبسطاء وكبيرهم يصيح ومن حوله الراقصون والطبالون والزمارون من شلته وأتباعه: شربة الحاج محمود تطلع ثلاثين داء إلا داء! وعندما يسأله ساذج من بلهاء القوم فينا: وما أكثرهم لكن أنا ماعنديش ثلاثين داء؟ يرد النصاب الأعظم: يكملهوملك ثلاثين وبعدين يطلعهم من جتتك مرة واحدة ببركة سيدنا الولي! ملحوظة من عندي: هذا المشهد شاهدته بعيني رأسي وسمعته بأذني في مولد السيد البدوي بصحبة جدتي لأمي وعمري لا يتجاوز السبع سنوات! تسألني: ومن أيضا؟ قلت: من يغش في الدواء.. من يبيع قطع غيار للسيارات مغشوشة وقاتلة.. من يغش في الطعام.. من يصنع رغيف خبز غير صالح لأكل الآدميين.. من يسرق عرق زملاءه ومصنعه وشركته ومن يسطو علي خزانة البنك الذي يصرف المرتبات.. أو يشارك أشرارا في مطاردة عربات نقل الأموال بعصابات مسلحة كما حدث في العريش وفي مدينة6 أكتوبر في قلب العاصمة! كلهم خائنون.. كلهم خائنون.. قالت: ومن يتستر علي زوجة خائنة ومن يبيع شرف إمرأته وبناته بتقديمهم وجبة شهية لمن يدفع أكثر.. أليس خائنا لشرفه ولوطنه؟ وأليس من يحرم مجتهدا حاصلا علي أعلي الدرجات مكانه في أول المعينين ويدس بدلا منه قريب ساقط بالتلاتة أو نسيب أكتع أو قادم بكارت توصية من وزير أو كبير!؟ أليس هو الآخر خائن للأمانة.. خائن للوطن؟ أليس من يكتم الحقيقة.. ويدعي كذبا أن ما يقوله هو الحق والصدق.. خائنا لوطنه وأهله وناسه؟ اليس من يزور الانتخابات خائن ايضا؟ قلت: يا سيدتي أنت تدفعيني دفعا لأن أقول ما قاله الرائع أحمد زكي في أحد أفلامه داخل المحكمة: كلنا خائنون.. كلنا أفاقون؟ ولكن النبات الحسن.. نبات الخير والحق والصدق والجمال.. لم يمت بعد.. وإذا ذبل وأصفرت وريقاته فإنه يعود للنضرة والتألق والأريج من جديد صدقيني.. الشر قد يعلو مرة وقد يكرر ها ويعلو مرات.. ولكنه سيسقط يوما.. صدقيني؟ أما أطباء استقبال دمياط الذين تركوا طفلة تموت ولم يسعفوها.. سوف ينالون جزاءهم علي الدنيا.. ويا ويلهم عندما يسألهم الحق عز وجل يوم المشهد العظيم: ماذا فعلتم بزينب؟ ...................................... ...................................... تسألني المذيعة الأوروبية: وما قولكم دام فضلكم في بذاءات كثير من القنوات الفضائية والصحف في حق رئيسكم؟ قلت: عندما كنا تلاميذ صغارا في المدرسة الأميرية في شبين الكوم.. كنا نهتف في طابور الصباح.. بكلمات نشيد: اسلمي يامصر إنني الفدي.. إن مدت الدنيا يدا.. والذي ينتهي بكلمات: عاشت مصر.. وعاش الملك.. عشت هذا المشهد وهتفت لمصر وللملك في عام1950 قبل ثورة23 يوليو بعامين.. وكان الملك هو رمز الأمة المصرية وتاجها وشرفها وعزتها.. وكانت كل الكتب المدرسية التي نتسلمها.. في أول صفحاتها صورة الملك وهو يضع فوق رأسه تاج مصر والسودان من قبل مؤامرة الغرب بفصل السودان, تم تقسيم السودان إلي دولتين.. شمال وجنوب.. أو صورة الملك وهو يرتدي زي الكشافة وتحت صورته كتبوا اسم الملك, ومعه عبارة: كشاف مصر الأعظم! فالملك طوال عمره هو رمز الأمة وشرفها وعزتها ومجدها.. والتاج هو رمز مصر العظيمة.. كما أن الملكة إليزابيث رمز إنجلترا العظيمة وإمبراطوريتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس.. وجاءت الثورة.. التي خلعت الملك والملكية وألبست مصر ثوب العسكر.. وأصبح جمال عبدالناصر رمز مصر العظيم ورمز الأمة العربية كلها.. ومن بعده أنور السادات بطل الحرب والسلام.. هكذا كان لقبه ولايزال.. ولم يجرؤ أحد أن يمس اسم أو شرف أو تاريخ أي منهما حتي رحلا عنا بالاحترام كله وبالتقدير وتعظيم سلام للشجعان.. وتسلم حسني مبارك المهمة وجلس علي الكرسي.. ولقي حتي يوم خلعه كل احترام وتقدير.. ولم يجرؤ أحد في أيامه علي المساس به أو التهجم عليه.. أو نعته بصفات ما أنزل الله بها من سلطان.. وانحلت عقدة الناس بعد ثورة يناير وانفرط عقد الاحترام بعد ما بان ما بان! لقد نبهتني زوجتي وهي تتفرج علي برنامج عن الصحافة في التليفزيون المصري.. وكان الحديث عن أزمة النائب العام التي أنهاها الرئيس محمد مرسي بعودته إلي عمله وإلغاء قرار تعيينه سفيرا لمصر لدي الفاتيكان.. وجاء صوت رئيس تحرير إحدي الصحف الحزبية ليقول علنا وعلي الملأ تعليقا علي تراجع الرئيس في قراره للمصلحة العامة, والذي يحسب له ولا يحسب عليه: عشان: مرسي ما يعملش سبع الليل ويطلع قرارات هو موش قدها! معقولة الكلام ده.. حد يا عالم يكلم رئيس الجمهورية بالاستهانة وبالكلام الرخيص ده علي الهواء ومن التليفزيون المصري! تسألني زوجتي باستغراب.. قلت لها: الحمد لله إن المذيع وهو في غاية الإحراج قال: بس يا جماعة الكلام اللي قاله رئيس التحرير ده علي مسئوليته الشخصية! ..................... ..................... يا سيدتي المساس بشخص رئيس الجمهورية هو مساس بشخص مصر وكيان مصر واسم مصر وسمعة مصر.. هكذا علمونا في المدرسة وفي الجامعة في محاضرة القانون الدستوري.. للدكتور عبدالرزاق السنهوري.. لقد نسينا قانون العيب في الذات الملكية.. الذي ادخل السجن مرات ومرات قطب الصحافة المصرية الصحفي الكبير ومعلم الأجيال وأنا منهم محمد التابعي النجم الساطع في سماء الصحافة المصرية ومؤسس وصاحب مجلة آخر ساعة قبل أن يشتريها منه مصطفي أمين وعلي أمين, والتي كانت كبري المجلات المصرية حتي نهاية عهد الأستاذ محمد حسنين هيكل بها قبل انتقاله لرئاسة تحرير الأهرام في منتصف الستينيات من القرن الماضي. ولم يكن أستاذنا محمد التابعي يتهجم أو حتي يتهكم في مقالاته في آخر ساعة علي الملك فاروق مباشرة وينعته بألفاظ سوقية أو يتحدث عنه بلا احترام وبعبارات رخيصة.. ولكنه كان فقط ينشر صور سهرات مولانا في الأوبرج مع راقصات أوروبا.. أو رحلاته باليخت المحروسة إلي كابري ونابولي في إيطاليا ونزواته مع صديقته المغنية الإيطالية التي جابت أجله وصورهما معا في أحد البارات أو علي حفل عشاء أو في رحلة صيد.. مع كلمات من نوع: رفقا بشعب مصر يا مولانا! هل تريدين مزيدا من تطاول الصحف المصرية علي رئيس مصر؟ أسمعك تقولين نعم.. صحيفة تكتب المانشيت الرئيسي لها علي صفحتها الأولي: اسمع يا مرسي.. ومرسي يريد أخونة مصر.. ومرسي.. ومرسي.. ومرسي ليس هكذا تخاطب الصحافة رئيس البلاد الذي انتخبناه كلنا انتخابا حرا بكامل إرادتنا وبالتصويت المباشر وليس من وراء الستار.. وفي انتخابات وصفها المراقبون بأنها أنزه انتخابات جرت في تاريخ مصر كلها من أيام مينا وحتي اليوم.. ندوة أو حوار في قناة فضائية.. عندما جاء اسم الرئيس محمد مرسي.. تمطع واحد من الحاضرين وقال: أصل أخونا مرسي موش فاهم.. أو موش واخد باله.. وقال آخر: لازم مرسي بقي يصحصح كده ويفوق ويبص لمصالح الناس.. وقالت ضيفة في برنامج كلمة بذيئة علي الهواء فيها تريقة وقلة حياء.. ثم لحقت القناة نفسها وحذفت الجملة في الإعادة! وتحدثت الصحف والمحطات الفضائية عن المائة يوم وهو برنامج الرئيس لحل مشكلات مصر كأنها سبة ووصمة في جبينه.. برغم تحقيق كما قيل نحو75% من البرنامج! وقال مذيع في قناة خاصة: ذقن الرئيس هي التي تتصدر المشهد السياسي الآن.. يعني إيه بالذمة؟ ..................... ..................... تسألني: هل كان أحد من السادة الأفاضل الذين يتطاولون علي اسم وشرف رئيس الجمهورية.. يستطيع في عهد الرئيس السابق أن يقول تلت التلاتة كام.. أو حتي يتفوه ولو بلفظ فيه مساس بشخص الرئيس؟ قلت: أبدا.. كان الكل يقبل الأيادي.. ويهرع في الزحام لينال شرف مجرد السلام علي الرئيس أو أخذ صورة معه! يا عالم.. ليس هذا دفاعا عن الرئيس ولكن.. شرف مصر من شرف الرئيس.. وشرف الرئيس من شرف مصر.. من حقكم ان تحاوروا الرئيس ان تقودوه الي النور.. ان ترشدوه الي مواطن الزلل مثل واقعة اقصاء رئيس تحرير الجمهورية في سابقة لم تحدث في تاريخ الصحافة المصرية.. ولكن حرية الحوار مع البذاءة والتطاول وقلة القيمة لا مكان لها بيننا الآن.. ومن عنده كلام آخر فليتفتضل!