مرت الصين عبر تاريخها الطويل بعصور من الحضارة القديمة المزدهرة حينما كانت تسمي' مملكة السماء' يؤدي لها جيرانها الإتاوات إقرارا منهم بتفوق حضارتها. إلي أن منيت في عصورها الحديثة بما منيت به غالبية العالم الثالث بالاستعمار الغربي عقب الثورة الصناعية الكبري في الغرب التي بدأت في انجلترا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر, وانتقلت منها إلي باقي البلدان الغربية, وتقلبت الصين صعودا وهبوطا إلي أن بلغت حقبة الحكم الشيوعي, وأصبحت خلالها ثاني أكبر قوة اقتصادية في عالمنا المعاصر. ويثور السؤال: كيف خطط الصينيون للتعامل مع العولمة, وبلغوا ما وصلوا إليه من تقدم ومكانة اقتصادية رفيعة في الوقت الراهن؟ لقد حتمت سياسة التحديث التي بدأت منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي بانضمام الصين إلي عضوية العديد من المؤسسات الدولية, وأن تشارك في أنشطتها بفاعلية ملحوظة, وأن تظهر أمام العالم بصورة البلد المقبل علي الانفتاح عليه. واشتركت بكين في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في1978 وتقدمت بطلب للحصول علي مساعدات اقتصادية, وبالفعل منحها البرنامج تمويلا لنحو500 مشروع تنموي خلال الفترة ما بين1978 .1995 وبالنسبة لصندوق النقد الدولي, فقد انضمت إليه الصين في1980, وصارت موارد الصندوق وخبراته متاحة أمام الحكومة الصينية لمعاونتها علي التغلب علي عدد من المشكلات الناجمة عن تغيير إستراتيجية النمو, والانتقال إلي الأخذ بآليات السوق الحرة, مثل معالجة العجز التجاري, وضبط أسعار الصرف, وتذليل عقبات الاستثمار الأجنبي, وصعوبات العمل المصرفي وغيرها, كذلك حصلت الصين خلال المدة ما بين1981 1997 علي ما يوازي26 مليار دولار, تم تخصيصها لتمويل173 مشروعا, كما حصلت من البنك الدولي للإنشاء والتعمير خلال نفس الفترة علي قروض بلغ إجمالها16.6 مليار دولار لتمويل100 مشروع. وكجزء من تعاطيها مع المتغيرات المتزايدة علي الساحة الدولية غيرت الصين الكثير من معالم سياستها الخارجية, فقد كانت السياسة الخارجية في عهد الزعيم الراحل ماوتسي تونج تتسم بالعبارات الرنانة, والمعارضة الشديدة للقوي الكبري, مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق, والتقارب مع الدول النامية, والاكتفاء الذاتي. أمام اليوم, فعلي النقيض من ذلك فقد تحسن الوضع تحسنا جذريا سواء بالنسبة للعلاقات الثنائية, أو المنظمات متعددة الأطراف, أو المسائل الأمنية, وظهر جليا نوع جديد من المرونة في معالجة العديد من الملفات الخارجية الشائكة المؤثرة علي الجانب الاقتصادي. ففي الفترة بين1988 1994 قامت الصين بتطبيع علاقاتها, أو تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع18 دولة, وكانت ذروة هذه العملية متمثلة في إبرام الصين لمعاهدة حسن الجوار مع روسيا في.2001 ومن ناحية أخري, فقد زادت مشاركة الصين من مجلس الأمن, فحتي أواسط التسعينيات من القرن الماضي كانت الصين تمتنع بصفة منتظمة عن التصويت علي قرارات المجلس المتعلقة بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يخول استخدام القوة لتنفيذ قرارات المنظمة الدولية. هذا التحول الفكري السياسي ماذا كانت نتائجه الاقتصادية؟ بادئ ذي بدء, لقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي عاملا مهما خلف استمساك الصين بسياسة الزعيم دنج شياو بنج حول أهمية الإصلاح الاقتصادي وهي المنطقة التي اخفق فيها الاتحاد السوفيتي إخفاقا شديدا, وإلي الحاجة لتفادي الإصلاحات السياسية المربكة التي كانت بمثابة مصيدة وقع فيها أخر قادة الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف. ولابد من الإشارة إلي أن النمو الاقتصادي السريع للصين منذ1978 تحقق نتيجة توافر نسبة عالية جدا من الاستثمارات الأجنبية علي مدار سنوات عديدة, والذي يبلغ حاليا45%, وفي طريقه لبلوغ50%. هذه النسبة العالية من الاستثمار الأجنبي أصبحت أمرا ممكنا لوجود نسبة موازية من المداخرت الداخلية تبلغ نحو40% من اجمالي الناتج المحلي, وهما مع الاستثمارات الخارجية وفروا الأموال اللازمة لانطلاقة الصين الاقتصادية. فقد بلغت مدخرات العائلات الصينية نسبة25.3% من مجمل الدخول المتاحة لهذه العائلات مقارنة بنسبة6.4% في أمريكا. وفي النهاية فإن متوسط نسبة النمو الاجمالي للناتج المحلي الصيني منذ1978 بلغ9.4%, لذلك ذهبت بعض التقديرات إلي انه بحلول2050 فإن اكبر ثلاثة اقتصاديات ستكون الصين يليها الولاياتالمتحدة ثم الهند.