قد يخشي البعض نزاع أبنائه من بعده في توزيع الميراث, فيعمد الي توزيعها عليهم قبل مماته بالتراضي أحيانا, وبالأنصبة الشرعية أحيانا أخري, أو كتابة وصيته في بعض الحالات هنا تظهر بوادر الخلافات والاتهامات والنزاع والشقاق بين الأبناء. وقد يتسبب تمييز أحد الأبناء بجزء أكبر في إثارة مشاعر الحقد والمشاحنات بينهم, فما هي حدود الوصية؟ وهل يجوز تمييز فرد فيها عن الآخرين, وما الحالات التي يجوز فيها ذلك؟ وما هي نصيحة علماء الدين للآباء والأمهات لتفادي حدوث النزاعات بين الأبناء ؟! يقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه بجامعة الازهر: إن الوصية لا تجوز للأقارب الوارثين سواء في ذلك أولاد المتوفي أو زوجه أو غيرهم, لقول الرسول صلي الله عليه وسلم بعد نزول آيات المواريث إن الله أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث, وأما فيما يتعلق بالهبة واللاولاد ذكورا أو إناثا فإن الشارع نهي عن التمييز بين الأولاد في العطايا والهبات, فقد روي عن النعمان بن بشير أنه قال: نحلني أبي نحلا, قال إسماعيل بن سالم: من بين القوم نحله غلاما له, قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائت رسول الله صلي الله عليه وسلم فأشهده, قال: فأتي النبي صلي الله عليه وسلم, فذكر ذلك له, فقال: إني نحلت ابني النعمان نحلا, وإن عمرة سألتني أن أشهدك علي ذلك, قال: فقال: ألك ولد سواه ؟ قال: قلت: نعم, قال: وكلهم أعطيت مثل الذي أعطيت النعمان ؟ قال: لا, قال: فقال بعض هؤلاء المحدثين: هذا جور, وقال بعضهم: هذا تلجئة, فأشهد علي هذا غيري, وفي رواية أخري أنه قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم في العطية, وفي روايه اخري قال: أتحب أن يكون أولادك في برك سواء, قال: نعم, قال: فسوي بينهم إذن, وهذا يدل علي حرمة التفريق بين الأبناء في العطايا والهبات, ومن ثم فإن التفريق بينهم في العطايا بحسب النوع مثلا, أو انتماء أحدهم إلي زوجة معينة إذا كان للرجل أكثر من زوجة, فهذا ظلم وجور نهي عنه الرسول صلي الله عليه وسلم. التمييز له شروط ويضيف الدكتور عبدالفتاح إدريس أن بعض فقهاء الحنابلة أجازوا أن يعطي بعض الأبناء من الهبات أكثر من غيره إذا كان فيه معني لا يوجد في غيره, كأن يكون صغيرا وكان أبنائه الآخرين قد كبروا وساعدهم في مراحل تعليمهم وزواجهم, أو كأن يكون أحد أبنائه فقيرا وله الكثير من الأطفال وبقية أبنائه أغنياء لا حاجة لهم للمال, أو إذا كان أحدهم مريضا يحتاج إلي كثير من المال للإنفاق علي علاج مرضه, وأيضا في حالة إذا كان له ابن يتميز بأنه مطيع له عن بقية أخواته, وقد قال بعض الفقهاء أيضا علي ان الابن الذي يرتكب المعاصي وينفق ماله في الحرام لا يجوز التسوية بينه وبين غيره في العطيه والهبه, زجرا له عن ارتكاب المعاصي, فيكون تقليل المال في يده لعلاجة وابعاده عن ارتكاب هذه المعاصي التي أدمن عليها بكثرة المال المعطي له. لا وصية لوارث ويري الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الإيصاء إلي الغير له مجالات عديدة اما بتوكيله أو بتكليفه بعمل أشياء للموصي كأن يقوم بالتزويج او البيع أو الإشراف علي عمل خيري, فكل هذه الأمور مشروعة سواء كانت للورثة أو غير الورثة, لأن عقد الوصية من العقود الجائزة, وهي بتكييفها الفقهي تصرف مضاف لما بعد الموت وتجوز الوصية أيضا لغير الورثة, وتكون فيما لا يزيد علي الثلث, ومن باب تصحيح مفاهيم خاطئة عند كثير من الناس, يتصورون أن الوصية تكون الثلث, وهذا خطأ, فالوصية تبدأ من1% ومنتهاها33%, فتجوز بأي نسبة ما بين هذين الرقمين, ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم لسيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:( الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس), ودل هذا الحديث الشريف علي أن الوصية تكون لغير الورثة الشرعيين, وأن الثلث وإن كان مشروعا إلا أنه كثير, حتي لا يظلم الورثة. الهبة والوصية.. بينهما فرق ويضيف الدكتور كريمة قائلا: أما ما تعارف عليه الناس أخيرا من لجوء الأب أو الأم إلي ما يعتبرونه( وصية) لأبنائهم بعد موتهم بتخصيص جزء من أموال نقدية أو عينية لفرد دون آخر فهذا خطأ شرعي وتصرف باطل, لقول النبي صلي الله عليه وسلم:( لا وصية لوارث), وبعض الناس يخلط ما بين الهبة والوصية للورثة, فالهبة تجوز لأنها حال الحياة لكن بمعايير منضبطة, وهي العدل لقوله صلي الله عليه وسلم:( اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم), و تجوز الهبة حال الحياة لأحد الأولاد إذا وجد المقتضي المبرر الشرعي, كأن يكون أحد الأبناء من ذوي الإعاقة أو عاجزا عن الكسب,وتجوز أيضا لغير الورثة, ولكن بعد الحياة لا يوجد وصية للورثة, وإن وجدت تكون لغير الورثة.