الإعلاميون النرجسيون يتصورون أنهم سيغيرون وجه الدنيا بفنون وقوالب الميديا كالصورة والصوت والنصوص الجرافكية والعادية. بالتأكيد يدرك كل الإعلاميين أن السياسة والاتصال المباشر هما الأصل. وأقصد بالسياسة ما يخططه ويسعي وينجح في تنفيذه الساسة من الأفعال المفيدة للجماهير علي الأرض, أما الاتصال المباشر فهو الوجود أو الحضور المفيد وسط الناس علي مدار الساعة كلما أمكن. مرة أخري أراني مضطرا لتكرار التذكير بقاعدة ربانية نبوية إسلامية. فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال(17), الرعد].. صدق الله العظيم. منذ زمن النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة الكرام وإلي قيام الساعة, لم ولن يكون الكلام المعسول أو المسموم هو الطريق إلي قلوب الناس إصلاحا أو إفسادا أو تضليلا. وسيلة الإعلام في زمن النبي والصحابة رضوان الله عليهم كانت المنبر وربما بعض القصائد والمعلقات الشعرية. لم ينتشر الإسلام في الجزيرة العربية وما حولها, وفي أصقاع الدنيا بالمنبر أو الكلام المنمق أو الموزون أو المسجوع. ولم تنتشر المسيحية في العصر الحديث بالتبشير عبر الصحافة ولا الإذاعات ولا الفضائيات مهما كانت قوالبها وفنونها جذابة. التبشير الإسلامي والمسيحي ينجح بالاتصال الفردي المنظم وبما ينفع الناس ماديا ومعنويا في أفريقيا وآسيا. ويجب في هذا الصدد أن نفرق بين التأثير اللحظي واليومي من جهة, والتأثير علي المدي المتوسط والبعيد. لست أتحدث هنا عن الحرب النفسية والدعاية. الزملاء الإعلاميون ذوي الرواتب الفلكية التي يدفعها رجال الأعمال أو امبراطوريات الإعلان, يتصورون خطا أن بإمكانهم التأثير علي الناس لتغيير سلوكهم السياسي. قد أتفق أن ذلك التأثير العاطفي وليس العقلي يحدث لحظيا. وقد يكره المتلقي, بتأثير الإعلام, هذا الفصيل السياسي أو الرمز أو ينأي بصوته الانتخابي عنهم. ومع ذلك سيظل أصحاب الأفعال والحركة وسط الجماهير أكثر شعبية وقبولا من سواهم. بعض الإعلاميين يتصرفون علي طريقة العيار الذي لا يصيب يدوش هذا القول صحيح لكن في المدي القصير. أما في المدي المتوسط فسوف يكتشف الناخب أن دوشة العيار تزول بسرعة, ومن ثم سيفيق المواطن وينتخب أصحاب رصيد الأفعال الحالية والماضية. إذن سيظل الفعل السياسي والاجتماعي والانتشار الحزبي التنظيمي القاعدي, الأطول مدي في التأثير, والأبقي في الذاكرة الجماهيرية, مهما سحرت بعض وسائل الإعلام الأبصار وخطفت القلوب والعواطف.عمليات التأثير الإعلامي المؤقته والمخططة للنيل من الثورة تستعين بالنجوم واللعب علي الغرائز وسلاح الشائعات وما يعرف بالاغتيال المعنوي للشخصية, والترفيه المبالغ فيه. كل ذلك لا يضارع تأثير الأفعال التي تمارسها علي الأرض التنظيمات الحزبية والدعوية إسلامية كانت أو غير إسلامية. الإعلام الناطق والمكتوب يجب أن يكون في المقام الأول مرآة عاكسة للأفعال. دردشات طق الحنك هي الأفشل علي المدي المتوسط والطويل. والترفيه وفنون الجذب البصرية والسمعية لا يدوم تأثيرها سوي ساعات وعلي الأكثر أياما وليس أسابيع. ويجب أن يعول الحزبيون ذوي الشعبية والجماهيرية علي القول الشعبي المأثور إذا كان المتكلم مجنونا فليكن المستمع عاقلا. يحضرني هنا نموذج بالغ الدلالة علي هذا. قبل أشهر قليلة تفنن إعلامي في ترويج واقعة اغتيال معنوي لفصيلين بالبرلمان, وبالبرلمان نفسه قبل إبطاله. استخدم الزميل عناصر الجذب والبهارات فكتب ما يفيد أن البرلمانيين من فصيلين إسلاميين تقدموا بمشروع قانون أطلق عليه اسم مضاجعة الوداع. وتلقت بعض الأقلام غير المهنية الموضوع بالتعليقات المهاجمة والساخرة وتعاملت معه كحقيقة. بعدما أفاق من كادوا يصدقوا ما قرأوه عن المشروع الوهمي, تساءلوا: تري إذا كانت جثة الزوجة المتوفاة لا تزال داخل بيت الزوج الراغب في مضاجعتها ميتة, فما حاجته إلي قانون يعطيه هذا الحق؟ وهكذا انكشف زميلنا الذي فبرك الخبر مفتريا علي الحقيقة وعلي البرلمان وعلي الفصيلين الإسلاميين. مرة أخري أسمح لنفسي بتكرار ندائي: أيها الإعلاميون تواضعوا واصدقوا المزيد من مقالات حازم غراب