الإعلاميون النرجسيون يتصورون أنهم سيغيرون وجه الدنيا بفنون وقوالب "الميديا" كالصورة والصوت والنصوص الجرافيكية والعادية. يجب أن يدرك كل الإعلاميين أن السياسة والاتصال المباشر هما الأصل. وأقصد بالسياسة الأفعال على الأرض، أما الاتصال المباشر فهو الوجود النافع المفيد وسط الناس على مدار الساعة إذا أمكن. مرة أخرى أرانى مضطرا لتكرار التذكير بقاعدة ربانية نبوية إسلامية. منذ زمن النبى -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام وإلى قيام الساعة، لم ولن يكون الكلام المعسول أو المسموم هو الطريق إلى قلوب الناس إصلاحا أو إفسادا أو تضليلا. وسيلة الإعلام فى زمن النبى والصحابة رضوان الله عليهم كانت المنبر وربما بعض القصائد والمعلقات الشعرية. لم ينتشر الإسلام فى الجزيرة العربية وما حولها، وفى أصقاع الدنيا بالمنبر أو الكلام المنمق أو الموزون أو المسجوع. ولم تنتشر المسيحية فى العصر الحديث بالتبشير عبر الصحافة ولا الإذاعات ولا الفضائيات مهما كانت قوالبها وفنونها جذابة، بل الدين ينتشر وينجح بالاتصال الفردى المنظم وبما ينفع الناس ماديا ومعنويا. يجب أن نفرق بين التأثير اللحظى واليومى من جهة، والتأثير على المديين المتوسط والبعيد. لست أتحدث هنا عن الحرب النفسية والدعاية. سيظل الفعل السياسى والاجتماعى والانتشار التنظيمى القاعدى، سيظلان الأطول مدى فى التأثير والأبقى فى الذاكرة الجماهيرية. مهما سحرت وسائل الإعلام الأبصار وخطفت القلوب والعواطف بالنجوم واللعب على الغرائز والترفيه المبالغ فيه، فلن يضارع تأثيرها الأفعال التى تمارسها على الأرض التنظيمات الحزبية والدعوية إسلامية كانت أو غير إسلامية. الإعلام الناطق والمكتوب يجب أن يكون فى المقام الأول مرآة عاكسة للأفعال. الإعلام الحزبى والطائفى هو الأفشل على المدى القصير والمتوسط والطويل. والترفيه والتحايلات وفنون الجذب البصرية والسمعية لا يدوم تأثيرها سوى ساعات وعلى الأكثر أياما وليس أسابيع. مرة أخرى أسمح لنفسى بتكرار نداء وجهته ذات مرة: أيها الإعلاميون، تواضعوا.. ويا أهل الأفعال. انشطوا.