استحوذ جمال عبد الناصر علي قلوب وعقول الإفريقيين ونال إعجابهم وخلب عقولهم وأنظارهم لما ساهمت مصر في تحرير العديد من الدول الإفريقية وطورت اقتصادها وقدمت لها الدعم الأدبي والمادي وقامت بين زعمائها وناصر صداقات قوية وعميقة انتهت إلي زواج الزعيم الغاني كوامي نكرومي باحدي السيدات المصريات ودفعت الرئيس التنزاني جوليوس نيريري إلي الاحجام عن طرح الرؤية الخاصة بأحقية كل دول حوض النيل في حصص عادلة من المياه في حياة ناصر توقيرا له وانتظر حتي مات فأعلنها علي الملأ. اعتقد أنور السادات أن مشاكل العالم تبدأ وتنتهي عند دولة واحدة تقول وتفعل هي الولاياتالمتحدةالأمريكية لذا لم يعبأ بغير الرضا الأمريكي وأدار ظهره للأشقاء العرب والأصدقاء الإفريقيين وعندما أذيع أن اثيوبيا تفكر في بناء بعض السدود علي النيل الأزرق لوح باستخدام القوة العسكرية مما دعا الرئيس الإثيوبي مانجستو ماريام أن يعلن من أكبر ميادين أديس أبابا أنه إذا فكر السادات في الحل العسكري فإن اثيوبيا ستحول النيل من مجمع للمياه إلي مجمع للدماء وساعتها القي بزجاجة فيها دماء علي الأرض اشهارا لسيف العداء مع مصر والمصريين وعلي الرغم من البداية الطيبة لعلاقة مصر باثيوبيا عام1993 وبعد تغيير النظام فيها من الفاشستية إلي الوطنية والتي أسفرت عن توقيع وثيقة غاية في الأهمية بخصوص التعامل علي مياه النيل كانت في صالح مصر100% إلا أن محاولة الاعتداء علي مبارك في أحد شوارع أديس أبابا الرئيسية عام1995 جعلته يصرف النظر تماما عن هذه البلاد التي وصفها بالتخلف والبدائية وتعامل مع رؤسائها بالكبر والعجرفة وحين نقل البعض إليه نية اثيوبيا في بناء بعض السدود رد بأنه سيلجأ إلي كسر قدم من يحاول العبث بمياه النيل إلا أن ذلك لم يكن في العلن بقدر ما كان داخل الغرف المغلقة. انتهز ميليس زيناوي الارتباك السياسي في مصر منذ25 يناير2011 واخفاق المفاوض المصري علي مدي ما يزيد علي13 عاما وأسرع باقامة العديد من المشروعات علي حوض النيل الأزرق وعلي الرغم من الأهمية الفائقة للموضوع علي الايراد الطبيعي لمصر إلا أننا لا نسمع من كبار المسئولين في البلاد إلا قولا واحدا هو أن مصر لا يمكن أن تكون ضد التنمية علي مياه النيل في أي دولة من دول الحوض, ولم يحاول مسئول واحد أن يكمل الجملة بأن مصر لا يمكن أيضا أن توافق علي أن يقل نصيبها من المياه الذي حصلت عليه خلال ما يزيد عن خمسين عاما مترا مكعبا واحدا بل ولم يلوح مسئول واحد بأن مصر ستلجأ إلي الشكوي أمام المحافل والمحاكم الدولية للحصول علي حقوقها, ولم يصرح مسئول واحد بأن مصر لديها من أوراق الضغط الأخري ما تستطيع به أن تنتزع حقوقها القانونية التي تكفلها الأعراف والمفاهيم الدولية, والغريب أن تسمع أن آخر السدود الذي تقوم اثيوبيا بإنشائه في الوقت الراهن والذي أوشكت بعض مراحله علي الانتهاء والذي يمكن أن تبدأ ملأ خزانه خلال الأعوام القليلة القادمة, تسمع من المسئولين من يدفن رأسه في الرمال ويقول أن المعلومات التي لدينا تفيد أن تنفيذ السد يعتبر متأخرا عن البرامج الزمنية بمعني أننا يجب أن نتحلي بالاسترخاء والاطمئنان مادام هناك فريق يدرس الآثار السلبية للسد مع أن الجانب الآخر لديه فرق تسارع في التشييد والبناء وعندما نثبت نحن أن هذا السد سيعصف بنا ويخفض من حصتنا بما يزيد علي20% سيكون بناؤه قد انتهي وساعتها سنطلب من العالم أن يساعدنا علي ازالته وتدميره أتوسل إلي كل من يعيش علي تراب هذا الوطن ألا يفكر فقط في نفسه ويومه, وأن يعيد النظر ليفكر في ما يزيد علي المائة مليون مواطن, ومثلهم أجيال وأجيال القادمة اليوم وغدا وبعد غد... استيقظوا أيها السادة قبل أن نفيق جميعا علي دوي اللعنات ممن سيأتون بعدنا فلا يجدون ما يكفي من الماء لتقديم طبق من السلطة لكل مواطن علي حد تعبير أحد السادة وزراء الري السابقين... ثم أليس من فيض الحكمة أن نسارع في التعامل مع النهضة قبل أن تصبح سدا أمام وجوهنا يحجب عنا الماء ونور الحياة؟ أم نظل علي حالنا من التمرغ في وهم أنه لا يزال لدينا من الماء ما يكفينا أعواما وأعواما؟ المزيد من مقالات د. ضياء الدين القوصي