في أثناء دراستي وعملي بالولاياتالمتحدة وبريطانيا, صادقت وتعايشت مع مسلمين من شتي جنسيات العالم, بدءا من الصين, ومرورا بجنوب شرق آسيا وآسيا وأوربا وافريقيا والعالم العربي وانتهاء بأمريكا. خرجت من هذه التجربة بقناعة راسخة, وهي أن المسلمين والعرب لن تقوم لهم قائمة إلا من مصر. إن المسلم المصري هو أقرب مسلمي العالم للوسطية وأكثرهم استنارة ووعيا بتعاليم ومبادئ دينه وفهما لمقاصده وأولوياته. لا أقول هذا من منطلق تعصبي لبلدي, وإنما من واقع تجربة عشتها علي مدار13 سنة. وإني أتوجه بهذا الكلام الآن إلي الجماعات السياسية في مصر لكي أقول لهم: اتقوا الله فينا, وفي شعوب العرب والمسلمين التي تتطلع إلينا علي أمل أن تنهض مصر وتقوي حتي ينهضوا معنا ويقووا.. حتي تقوي بنا ونقوي بها. وبينما يتطلع إلينا إخواننا في سوريا, حتي نغيثهم مما هم فيه, ننشغل نحن في الداخل بكل ما هو تافه وسخيف حتي لا تتقدم مصر خطوة للأمام. من حل البرلمان إلي إلغاء الجمعية التأسيسية إلي الدعوة لإسقاط الرئيس, تتخبط مصر وتتفاقم الأخطار علي حدودها, ويقف العالم مذهولا أمام التباين الشاسع بين الحاضر, وما جري منذ عشرين شهرا. تنقسم الجماعات السياسية في مصر إلي فريقين: فريق يري أن المعارضة تعني الشغب والبلطجة في الشارع, وإطلاق الأكاذيب والشائعات في وسائل التضليل, ويبحث عن جنازة إخوانية لكي يشبع فيها لطم.. فإن لم يجد استغل أي حادثة مثيرة للجدل لكي يختلق منها جنازة تجذب إليه الصحف والفضائيات.. فاللطم والعويل في الفضائيات عنصر جاذب للاعلانات وملايينها.. واللاطمون تؤمن لهم الصحف والفضائيات استمرار نجوميتهم وامتلاء جيوبهم. أما هدوء البلد واستقراره, فليذهبا إلي الجحيم. أما الفريق الآخر, فلديه وفرة من السذاجة, لا يتعلم من أخطائه, ولا يدرك أن موقعه في الحكم يفرض عليه مسئوليات ضخمة, علي رأسها الانضباط وكبح الألسنة ومقاومة الاستفزازات حتي لا يستدرج إلي فخاخ ينصبها له خصومه. منذ آيات سلمان رشدي الشيطانية وتخرصات تسليمة نسرين البنغالية, مرورا بالرسوم الدنماركية والفرنسية, وأخيرا وليس آخرا الفيلم المسيء لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام, كلما أراد الأشرار إستفزازنا واستدراجنا إلي شيطنة أنفسنا أمام الرأي العام الغربي والعالمي, نحقق لهم أهدافهم بامتياز, وتأتي ردود أفعالنا تماما كما يتوقعونها وفي الوقت الذي يحددونه هم. وما جري أمام السفارة الأمريكية إبان أزمة الفيلم المسئ هو نموذج لسذاجة القوي الإسلامية في مصر التي إستدرجها صانعو الفيلم لكي تندفع إلي التظاهر أمام السفارة الأمريكية دون التفكير في عواقب هذا الأمر, ودون التحسب لأعداء الثورة الذين يستغلون كل فرصة للاصطياد في الماء العكر, من أجل الإساءة لنظام الحكم الجديد وضرب علاقته الهشة مع الولاياتالمتحدة. ولأن البعض في جماعة الإخوان لم يتعظ, شاهدنا نسخة مكررة من أحداث السفارة الأمريكية في ميدان التحرير(10/12), عندما نجحوا في استدراج الإخوان إلي فخ منصوب لهم بإحكام. وكان خطأ الإخوان أنهم لم يتحسبوا لمن سيستغل وجودهم في الميدان لاستفزازهم بسب الرئيس والمرشد, واستدراجهم إلي إرتكاب ما يسيء إليهم أمام الرأي العام الداخلي, وفتح الباب أمام كل من يبحث عن جنازة ليشبع فيها لطما, وإسعاد الفضائيات التي تتشوق لهذا اللطم, بما يوفره لها من ذخيرة تكفي عدة أيام من التحريض علي الإخوان وشيطنتهم. إن ما جري أساء إلي الإخوان قبل الآخرين, لأن الإسلامي ينتظر منه.. أن يكون علي درجة من الفطنة تحصنه ضد الاستدراج إلي معركة لم يحدد هو وقتها ومكانها, وأن يكون قدوة في الهدوء وضبط الأعصاب, خاصة بعد أن أصبح حزبه في الحكم, وأن يكون الأشد تمسكا بفحوي الحديثين الشريفين عن المؤمن الكيس الفطن الذي لا يلدغ من جحر مرتين. صحيح أن أخطاء الإخوان لا تقارن بخطايا وجرائم العلمانيين, وعلي رأسها خيانتهم للديمقراطية التي يتشدقون بها, والمدنية التي يتمسحون فيها, كما فصلت سابقا.. غير أن أخطاء الإخوان يستغلها جهاز إعلامي قوي مبدع في تشويه الحقائق وغسل العقول بالأكاذيب. ليس عيبا أن يخطئ المرء. لكن العيب ألا يتعظ من أخطائه, فيكررها. ويبدو لي أن إخواني في الجماعة لديهم مشكلة في القدرة علي كبح ألسنتهم, التي نكتوي بحصادها المرير. نذكر جميعا ما قاله أحدهم عن زواج الإخواني من الفتاة الإخوانية, وما قاله آخر عن الرئيس السابق للهيئة العربية للتصنيع, واضطرت الرئاسة إلي نفيه, وما قاله ثالث مؤخرا عن التسجيلات في مكتب الرئاسة.. وهكذا. علي الجانب الآخر, كان الرئيس مرسي قد تعهد بحل خمسة مشكلات مزمنة خلال المائة يوم الأولي من حكمه. وكنت قد أكدت في مقال سابق(14 يوليو) أن إختبار المائة يوم لا يجوز التفكير فيه في بلد بلا دستور وحكومة وبرلمان. لقد أخطأ الرئيس بإطلاق هذا التعهد. لكن يبدو لي أنه لم يعتبر مما جري, وتعهد أنه لن يعرض مشروع الدستور علي الشعب الا إذا رأي عليه توافقا من الجميع. والسؤال هو كيف يتوقع أحد أن يتوافق الجميع علي وثيقة بشرية في الوقت الذي لا يتوافق فيه الجميع علي وثيقة إلهية ؟ إن تعهد الرئيس هذا لا محل له من الإعراب, وسيؤاخذ عليه آجلا أم عاجلا. إني أدعو الرئيس إلي دراسة والتدقيق في كل كلمة تصدر عنه, والامتناع عن إطلاق الوعود والتعهدات, أيا كان حجم الضغوط عليه. كما أدعوه إلي ألا يرتجل في خطبه, وأن يختصر ويختصر بحيث لا تتعدي الخطبة نصف ساعة, لأن من يتكلم كثيرا, تزيد إحتمالات وقوعه في الخطأ.. وهناك من يتربصون به ويتصيدون له الزلات حتي يقيموا الدنيا وينصبوا السيرك.. ومصر أصبحت لا تحتمل المزيد من الصخب. المزيد من مقالات صلاح عز