لم يكن الفيلم المسيء الذي أثار ضجة عالمية, الأول في سلسلة حملة لتشويه الرموز الإسلامية, ولن يكون الأخير, مرسخا لانطباعات سلبية يتم بناؤها في سياق ترسيخ الذهنية الغربية تجاه المسلمين. وربما تكون منظمة التعاون الإسلامي, الجهة الحكومية المثلي القادرة علي قيادة جبهة مضادة, وهي بالفعل منخرطة في عملية طويلة الأمد بدأت فيما يعرف باجتماع( وتيرة اسطنبول) في15 يوليو العام الفائت وحتي الآن, وأثمرت عن مباركة ما يعرف اصطلاحا ب قرار(18/16) الذي صدر في مجلس حقوق الإنسان الدولي, بجنيف, في مارس2011, والذي يدعو لوقف كل ما من شأنه أن يؤجج الكراهية علي أساس الدين والمعتقد. بيد أن هذه الخطوة اعتبرت في نظر بعض المراقبين في العالم الإسلامي, تراجعا عن قرار سابق طرحته المنظمة سنويا منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي, ولمدة تجاوزت العقد, وكان يدعو لمناهضة ازدراء الأديان. ويقول هؤلاء إن المنظمة خضعت لرغبة أمريكية في تحييد قرار لم يحظ يوما بتأييد المجموعة الغربية في مجلس حقوق الإنسان الدولي. والحقيقة أن المنظمة, وفي فترة إدارة أمينها العام, أكمل الدين إحسان أوغلو, الدبلوماسي والأكاديمي التركي, الذي تعرف عن قرب علي الطريقة الغربية في إدارة الأزمات, تدرك جيدا أن الطريق إلي تسوية ما لهذه القضية, لن يتأتي بجهد من طرف واحد, يتجاهل مكان الظاهرة;( العالم الغربي) نفسه, والذي أصبح آلة إنتاج منتظمة لأعمال إعلامية مسيئة, مهما تعالت أصوات المظاهرات المنددة في العالم الإسلامي, ودعوات المقاطعة التي تخبو بعد فترة وجيزة من دون أن يثمر انفعال الشارع عن إجراء حقيقي لتقويض الحملات المسيئة. مع ذلك, تظل منظمة التعاون الإسلامي, وجهود المجموعة الإسلامية في كل من مجلس حقوق الإنسان الدولي, والجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة, تحت وطأة ضغط داخلي, وفي مقابل جبهة مضادة, اتحد فيها, ولأول مرة, المحافظون الغربيون, واليمينيون منهم مع الليبراليين, في مفارقة تاريخية تؤرخ حالة عداء استعرت منذ أحداث ما يعرف ب(11 سبتمبر), وحتي الآن. وتقول مصادر مطلعة في التعاون الإسلامي إن إحسان أوغلو, وعقب عودته من جولة غربية في نيويورك وباريس, الشهر الماضي, سارع إلي وضع برنامج عمل لتنفيذه خلال الفترة القادمة, وقبل عقد اجتماع لندن في ديسمبر المقبل, الذي يعد الثاني في سلسلة اجتماعات( وتيرة اسطنبول), ويهدف من خلاله إلي تكثيف العمل علي ترجمة نص قرار(18/16) إلي واقع ملموس, يضع آليات مدروسة مبنية علي الحوار والتفاهم مع الغرب لإيلاء حملة ما يعرف بالإسلاموفوبيا, أو( الخوف من الإسلام) اهتماما أكبر خاصة في أوروبا التي تشهد مأسسة وتسييسا متعمدا للحملة, فيما يصف مراقبون آخرون الجهود الصامتة لمنظمة التعاون الإسلامي, بأنها( القوة الناعمة التي فضل إحسان أوغلو اللجوء إليها مبتعدا عن إحداث ضجة إعلامية لا تصب بالنفع علي الجهود السياسية التي تجريها المنظمة وراء الأبواب الموصدة, بل قد تؤجج مفتعلي الظاهرة للمزيد من السجال الإعلامي). وفي الوقت نفسه وصل وفد من المنظمة إلي جنيف, أمس, تلبية لطلب من المندوب البريطاني في مجلس حقوق الإنسان الدولي, بغية وضع الترتيبات اللازمة لاجتماع لندن الذي سيعقد في ديسمبر المقبل لبحث تفعيل قرار(18/16), تستعد( التعاون الإسلامي) كذلك لطرح قضية دعم القرار علي اجتماع وزراء الخارجية الإسلامي في جيبوتي نوفمبر القادم وإلا أن التحدي الأبرز الذي يواجه المنظمة, يكمن في التحالف بين الجبهتين اليمينية والليبرالية في الغرب, لمواقفهما في مواجهة القرار, حيث يلتقي الاثنان علي قاعدة عداء واحدة ضد التعاون الإسلامي. فالمحافظون, من خلال أحزابهم اليمينية الصاعدة, يعملون من خلال مقاومتهم للهجرة علي التضييق علي الجاليات المسلمة, فيما يدخل الليبراليون المواجهة من باب الدفاع عن حرية التعبير, تصديا لقرار16/.18 ويصف كلاهما نجاح إدارة إحسان أوغلو للأزمة, بالانتصار, كما يورد ذلك الكاتب المحافظ ديفيد برايس جونز في مقالته في صحيفة فايننشال تايمز,12 مارس2012, بالإضافة إلي عشرات المقالات التي نشرت في الفترة نفسها, الأمر الذي يؤكد أن الطريقة التي انتهجها إحسان أوغلي في تتبع مسار قانوني بالأمم المتحدة, يلفت انتباه منتقديه الغربيين, أمثال( برايس جونز) الذي دق في مقالته جرس انذار لدنو التعاون الإسلامي من تحقيق هدفها عبر مشروعها الذي بات يحظي بشراكة غربية رسمية خجولة. واللافت استحضار المحافظين والليبراليين( إسرائيل) في حملتهما الإعلامية الضاغطة والشرسة, في مقاربة تضع جهود المجموعة الإسلامية المناهضة للانتهاكات الإسرائيلية في مجلس حقوق الإنسان, وسعي( التعاون الإسلامي) لتمرير قرار18/16 في إطار واحد, وربط ذلك كله بحملة تقودها, وبحسب وصفهم( قوي رجعية ضد الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط). ومع ذلك تقول مصادر مطلعة في( التعاون الإسلامي) إن المنظمة عازمة بقوة أكبر علي مواصلة جهودها خاصة بعد أن حظي(18/16) بدعم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون, قبل أكثر من عام, وفي ظل إمكان أن يصل( التعاون الإسلامي) إلي تسوية قد تكون ملائمة, بحسب المصادر نفسها, خاصة في ظل موافقة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي, كاثرين آشتون, علي اقتراح إحسان أوغلو بعقد مشاورات سياسية علي مستوي الاتحاد تحت إطار التفاهم الذي جري في اجتماع اسطنبول.