لم يكن الحالم حالما ليس فقط بالحق في حكم بريطانيا, بل وفي وضع البلاد في عين تسونامي سياسي, طالما طالب به البريطانيون, وكان نيك كليج, زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار, محقا عندما بشر البريطانيين بأنه البديل المختلف للحزبين العجوزين اللذين يتناوبان حكم بريطانيا منذ سنوات طويلة. فبعد المناظرتين التليفزيونيتين الأوليين, تغير مسار الحملات الانتخابية في بريطانيا من سباق ثنائي بين حصانين هما العمال والمحافظين الي ثلاثي يصارع فيه حزب الديمقراطيون الأحرار علي القيادة. لم يكن صغر سن كليج, البالغ43 عاما ما يجعله أصغر المتنافسين, هو العامل الحاسم في أدائه المتفوق علي زعيم العمال ورئيس الحكومة جوردون براون(59 عاما), وزعيم المحافظين ديفيد كامرون(44 عاما). فقد بدا واضحا أنه تدرب جيدا ليس علي مواجهة الكاميرا فقط, بل وفي مخاطبة ملايين البريطانيين عبر المناظرة وفهم بعمق رغبة البريطانيين في التغيير, ونجح, أكثر من مرة, في أن يجر منافسيه الي أرضه وأن يجعل كل منهم يعترف بأنه يتفق مع ما يقول, وفي كل مرة يحدث فيها ذلك, كان كليج يبتسم ابتسامة المنتصر, بالاجماع علي سياسة حزبه, والساخر, ربما, من اتهامه بأنه مبتديء يفتقد خبرة السياسة. هذا الافتقاد نفسه, أفاد كليج الذي فاز بزعامة الحزب عام2007, فمنذ تشكيل الديمقراطيين الأحرار عام1988( بدمج الحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي الاجتماعي), لم يحكم البلاد, ومن ثم فإنه ليس له سجل في الحكم يمكن براون وكامرون انتقاده, أما الزعيمان الأخيران فلحزبيهما سجلان سهل علي كليج, بل والناخبين أن ينتقدوهما. وبينما اختلف العمال والمحافظون حول سبل الحد من العجز في الميزانية ووقف تفاقم الديون الداخلية وترشيد الانفاق العام مع عدم المساس بالخدمات, فإن كليج خاطب جيوب البريطانيين وعبر منبر غير مسبوق, فهو الوحيد الذي حدد بالأرقام المنافع المالية التي سوف تعود علي البريطانيين لو فاز في الانتخابات وحكم البلاد, رفع الحد الأدني للاعفاء الضريبي الي10 آلاف جنيه استرليني للفرد سنويا, تخفيض ضريبة الدخل بمقدار700 جنيه استرليني سنويا لكل فرد عامل, وفي حالة عمل الزوج والزوجة, فإن التخفيض يصل الي1400 جنيه سنويا, إعفاء3,6 مليون بريطاني من ذوي الدخول المنخفضة من الضرائب تماما, أما كيف سيمول ذلك, فإنه لم يعد بأنه لن يزيد الضرائب لكنه تعهد بألا يتحمل هذه الزيادات سوي القادرين, وأقر بأنه سيفرض ضرائب عقارية علي العقارات الكبيرة, وبأن يمنع التهرب الضريبي. يسمع ويقرأ البريطانيون يوميا تفاصيل برامج الأحزاب جميعا, لكن الطريقة الواثقة التي فند بها كليج برنامجي العمال والمحافظين وعرض بها تفوق برنامج حزبه كانت استثنائية, واللافت للانتباه هو أن براون وكامرون تفوقا للغاية علي منافسهما الصاعد في طريقة إعلان برنامجيهما الانتخابي, فقد تصرفا, سياسيا وإعلاميا, وكأنهما المتنافسان الوحيدان, فجاءت مراسم الإعلام استعراضية قدم فيها براون وكامرون كأنهما زعيمان يملكان رؤيتين واضحتين, لا ثالث لهما, لحل كل مشكلات البريطانيين. وبرغم أن مراسم إعلان برنامج الديمقراطيين الأحرار, أقيمت في مقر مؤسسة بلومبيرج الفاخر في منطقة فينزبيري بارك وتبعها بوفيه مفتوح فاخر أيضا لوسائل الإعلام والمدعوين, فإن الطريقة التي قدم بها كليج كانت باهتة توحي بأن الرجل وحزبه لا يطمحان لأكثر من زيادة مقاعد الحزب في مجلس العموم بأكبر قدر ممكن( يشغل الحزب63 مقعدا تمثل22 في المائة من إجمالي مقاعد المجلس), ولم يكن آداء كليج استعراضيا كمنافسيه برغم أنه قال علي استحياء إنه لا يجب أن ينتقده أحد لو قال إنه يريد أن يكون رئيسا لوزراء بريطانيا. في المناظرة الثانية, بدا واضحا أن براون وكامرون قد استوعبا جيدا دروس المناظرة الأولي, وكان أداء الثلاثة متقاربا, من وجهة نظر الناخبين, كما تؤكد استطلاعات الرأي. وفي نهاية المناظرة, تبين للناخبين أن هوة الخلاف واسعة للغاية بين الأحزاب الثلاثة حول شروط كل منها للمشاركة في حكومة ائتلافية لو تحققت المخاوف وانتهت الانتخابات الي نتيجة غير حاسمة. أبدي كل زعيم استعدادا في التعاون مع الآخرين, غير أنهم صارحوا الناس بأن هذا لا يعني أنه سيكون من السهل تشكيل ائتلاف يحكم البلاد خلال السنوات المقبلة, فالعمال يرون الأولوية الرئيسية هي للإنعاش الاقتصادي حتي لو ارتفع عجز الميزانية وزادت الديون الداخلية وفرضت بعض الضرائب, أما المحافظون فيرون أن الأولوية لتقليص العجز وتقليل الانفاق الحكومي علي الخدمات, أما الديمقراطيون الأحرار, فكل القضايا لها الأولوية, الإصلاح الضريبي والسياسي والتعليمي وأقر الثلاثة بأن الخلافات كبيرة للغاية, ولذا فإنهم جميعا يتوسلون الي الناخبين, أن يحسموا الخلاف بمنح حزب واحد الأغلبية المطلقة لقيادة بريطانيا خلال السنوات الخمس المقبلة, وهو نداء, تشير استطلاعات الرأي, الي أنه لن يلقي استجابة, فلاتزال بريطانيا تسير نحو مجهول سياسي من المرجح أن تصطدم به مساء السادس من مايو المقبل.