في التاسعة من مساء اليوم بتوقيت واشنطن, يعطي بوب شيفر مقدم برنامج واجه الأمة الشهير علي قناة سي بي أس إشارة إنطلاق مباراة ال90 دقيقة الفاصلة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني في أخر مناظرات انتخابات الرئاسة والتي تركز علي ملفات السياسة الخارجية. ويحظي الشرق الأوسط بنصيب الثلث من المناظرة المقسمة إلي ستة مقاطع رئيسية. المرشح الجمهوري صاحب السجل المحدود في العلاقات الدولية يأمل أن تحسم مناظرة السياسة الخارجية موقف الناخبين المترددين والمستقلين من منحه أصواتهم بعد ان تراجع أوباما في ولايات حاسمة مثل أوهايو وفلوريدا وفيرجينيا اعتمادا علي أخطاء الرئيس الأمريكي في ملفات متصلة بالأمن القومي, مثل الهجوم علي قنصلية بني غازي ومقتل السفير الأمريكي ومهادنة الإسلاميين في دول الربيع العربي والعلاقة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر والملف النووي الإيراني والدراما الدامية في سوريا وكلها ملفات في الشرق الأوسط- ملعب القوي الكبري التقليدي. ويجتهد المحللون في مراكز الأبحاث في وضع تصورات عن أسئلة السياسة الخارجية التي يمكن أن يوجهها شيفر إلي المرشحين وفي معظمها الشرق الوسط هو سيد الموقف وغالبا ستكون مصر حاضرة بسؤال للمرشحين مثلما كتب روبرت ساتلوف من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني متخيلا سؤالا لأوباما يقول: لقد قلت إن مصر التي انتخبت مؤخرا محمد مرسي, القيادي في جماعة الإخوان المسلمين, رئيسا ليست حليفا ولا عدوا. إذا كانت مصر ليست حليفا, فلماذا تقترح إدارتكم مئات الملايين من الدولارات من المساعدات المباشرة لمصر وتدعم تقديم مليارات الدولارات من القروض الدولية الإضافية لمصر؟ وما هي نوعية الشروط لتقديم هذا المستوي الهائل من المساعدات؟ ثم تحول ساتلوف إلي رومني وقال إن السؤال المقترح هو يعتقد بعض الخبراء إنه دون إسراع الولاياتالمتحدة في تقديم الدعم المالي الدولي, هناك فرصة أن تصبح مصر دولة فاشلة من80 مليون شخص.. هل تؤيد جهود بعض الجمهوريين في الكونجرس لتعليق الدعم الاقتصادي الأمريكي لمصر وبالتالي مواجهة الخطر الناجم عن هذه الخطوة ؟ كما طرح آخرون أسئلة حول العلاقات بين الولاياتالمتحدة والدول المتحولة حديثا للديمقراطية مثل مصر وتونس بعد وصول الإسلاميين إلي الحكم والتباين في كتابة الدساتير بين الإسلاميين والعلمانيين, وقالت خبيرة في مجلس العلاقات الخارجية أن الولاياتالمتحدة لديها بشكل واضح مصلحة طويلة الأجل في الحفاظ علي علاقات قوية مع دول في الشرق الأوسط. فماذا ستفعل للحفاظ علي هذه العلاقات في مواجهة الخلافات حول القيم وحقوق الإنسان؟ ومن الزوايا الأكثر حرجا لأوباما رده علي أسئلة بشأن موقف واشنطن في الشرق الأوسط اليوم في ظل التراجع الكبير في شعبية أمريكا في دول الربيع العربي رغم تأييده للتحول إلي الديمقراطية أو يواجه أسئلة حول مستقبل العلاقات الوطيدة مع دول الخليج رغم عدم امتداد موجة الديمقراطية إليها. وفي المقابل, يواجه رومني أسئلة محرجة من نوع أخر مثل مدي قدرته علي فعل شئ مختلف مع الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلي السلطة وعلي رأسها مصر وهل هو مستعد لعمل عسكري في سوريا يخالف منهج أوباما. ومن علامات استغلال قضايا السياسة الخارجية في الدعاية المكتفة, بث إعلانات للمرشح الجمهوري في الولايات الحاسمة تشير بصورة مباشرة إلي أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تذهب إلي جماعة الإخوان المسلمين في مصر في صورة مساعدات أمريكية لدعم حكومة إسلامية أسهم أوباما في وصولها للسلطة بعد التخلص من حليف تاريخي للولايات المتحدة وتضع الإعلانات المشاهد أمام خيار أن يستمر في دعم الإخوان المسلمين أو أن يختار بديلا لأوباما. أقوي نقطة في كشف حساب أوباما هي عملية اغتيال أسامة بن لادن زعيم القاعدة العام الماضي وهو ما سيرد عليه رومني بأن بن لادن مات ولكن القاعدة تتمدد وتهدد في اليمن وباكستان وأفغانستان وسوريا وليبيا, فالزعيم اختفي وترك وراءه أشباحا تطاردها امريكا بطول وعرض الشرق الأوسط وإفريقيا. علي المنوال السابق سوف يتواجه أوباما ورومني, فكل ما يراه الرئيس فرصة يراه خصمه انتقاصا من قوة الولاياتالمتحدة سواء في ملعب الشرق الأوسط أو في الملعب الدولي. في ندوة بجامعة جونز هوبكنز بواشنطن قبل أيام قليلة, قال الكاتب جيمس مان مؤلف كتاب الأوباميون, نسبة إلي رجال أوباما, إن القضية الأولي للسياسة الخارجية الأمريكية في الحملة الرئاسية ولشهور قادمة هي إيران ثم إيران.. ثم إيران وهو قول يستحق التحليل من عدة جوانب فالخيط الذي يربط بين إيران ومصالحها في عمق العالم العربي يوشك علي الانقطاع بسبب دخول النظام السوري الحليف وحزب الله في مرحلة مصيرية من مواجهة المعارضة المسلحة فضلا عن تصعيد داخلي في واشنطن من مراكز أبحاث معروفة عن قدرة إيران علي تخصيب يورانيوم بنسبة09% خلال ستة أشهر فقط وهو الخط الأحمر التقليدي لكل السياسيين الأمريكيين. أوباما يدفع بنجاح العقوبات في تحجيم النظام الإيراني ورومني وفريق مستشاريه من مدرسة عسكرة السياسة الخارجية يدفعون بأن عنصر الزمن ليس في صالح امريكا وحليفتها إسرائيل وربما يروج لمنطق العمل الحاسم ضد الأسد لضرب المصالح الإيرانية مباشرة وهو صاحب تعبير أن سوريا لاعب استراتيجي مهم لأمريكا وليست مجرد مأساة إنسانية. رومني لا ينوي الاعتماد علي الجهد الدولي المتعدد الأطراف لمواجهة طهران حسب بياناته ويريد عملية استهداف مباشرة للدول الساعية لحيازة أسلحة نووية دون أن يعطي تفاصيل! في شأن إسرائيل, يحظي بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية مساحة اكبر من التفوق والمناورة علي الساحة الأمريكية وقدرة عالية علي تحقيق مكاسب في مواجهة أوباما ورومني بسبب مهارته العالية في التعامل مع الداخل الأمريكي وهو ما يرجح أن المشاهد للمناظرة الليلة سوف تشهد حالة رثة من تملق القيادة الإسرائيلية أكثر من تقديم رؤية حقيقية لعلاج الاشتباكات الدائرة حولها في المنطقة العربية. في محاضرة الأسبوع الماضي بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي, قال المؤرخ الفلسطيني المعروف وليد خالدي إن اللوبي الموالي لإسرائيل في أمريكا لا يعمل وحده الآن.. ولكن هناك تحالف أكبر يعزز مصالح الحكومات الإسرائيلية. المشكلة الأكبر التي سوف يراها المشاهد الليلة هي مصداقية إدارة أوباما في عملية بنغازي وهي أول عملية إرهابية كبيرة الحجم ضد منشآت أمريكية مند هجمات11 سبتمبر حيث سيركز رومني علي مهاجمة الرئيس لإخفاء معلومات حول طبيعة الهجوم وعدم توصيفه بالعمل الإرهابي بشكل صريح في الأيام الأولي والتركيز شديد في أوساط الجمهوريين اليوم لإبراز تناقضات إدارة أوباما حول مقتل السفير والتقصير في تأمين البعثة الدبلوماسية رغم تحمل الرئيس ووزيرة الخارجية المسئولية كاملة عما حدث. منهج رومني الليلة هو إحالة قضايا السياسة الخارجية إلي قضايا داخلية تلمس أوتارا لدي الناخب العادي, مثل القضايا الاقتصادية والإجتماعية, بالإشارة المتكررة إلي مصداقية الرئيس في قضايا دولية عديدة ودور أوباما في تدهور مكانة أمريكا وضرورة إستعادة القيادة العالمية وليس القيادة من الخلف مثلما يقول أوباما, بمعني أن رومني يريد أن يقدم نفسه القائد الأعلي في جوانب الأمن القومي حتي يستعيد الجمهوريون السبق في تلك القضايا في أذهان الأمريكيين وهي الصورة التي اهتزت في عهد جورج دبليو بوش وتمكن أوباما من إصلاح صورة الديمقراطيين بعد عملية بن لادن والانسحاب من العراق والضربات الجوية ضد القاعدة. وبالقطع, ستتطرق المناظرة إلي موقف المرشحين من سحب القوات الأمريكية من افغانستان في عام2014 وربما الموقف من حكومة باكستان ومستقبل العلاقات مع الصين وأوضاع الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة المالية العالمية ولكنها قضايا أقل جدلا في المناظرة من سخونة الشرق الأوسط المستمرة إلي أمد غير معلوم!