ماجد كامل: تبحر الدكتوره عواطف عبد الرحمن عبر سيرتها الذاتية- التي اصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب- في بحر متلاطم من الذكريات الممتدة منذ اربعينيات القرن الماضي وحتي وقتنا الحاضر, بحر تتراءي للقارئ فيه صورة بانورامية عن صعيد مصر وقت الحرب العالمية الثانيه بما يحمله من كل صنوف التناقض الصارخ بين غني فاحش وفقر مدقع, بين اسر ترنوا الي العلم و المعرفة و اخري تتمسك بموروثات السلف دنيا الي حد التعصب, واجتماعيا الي حد التضحية بالبشر مقابل الحفاظ علي ملكية الارض,مرورا بقاهرة الثوره المضاءه بامال المصريين للانطلاق الي افاق التقدم والازدهار, والحركة الطلابية بزخمها الثوري وانكسار الامال مع نكسة1967 لتصل المذكرات بعدها الي قاهرة السبعينيات من القرن الماضي وذلك الصدام العنيف بين عدد كبيرمن مثقفي مصر ونخبتها المعارضه والرئيس الراحل انور السادات بعد شعورهم بانقضاض السلطة وقتها علي مكتسبات ثورة يوليو ليصل الصدام الي ذروته مع زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل, وصولا الي اعتقالات5 سبتمبر1981 التي شملت الدكتوره عواطف عبد الرحمن وكل رموز المعارضة المصريه وتاتي اهمية صدور السيرة الذاتيه للدكتورة عواطف عبد الرحمن- التي عنونتها باسم جدتها صفصافه- من كونها واحدة من اهم اساتذة الاعلام في مصر و التي تخرجت وتربت علي يديها اجيال عديدة من كبار الاعلاميين و الصحفيين الذين ساهم عدد كبير منهم في صياغة عقل مصر خلال نصف القرن الماضي,اضافة الي مواقفها السياسية الجريئة في وجه الاستبداد السياسي تقول الدكتوره عواطف في مقدمتها للسيرةلقد تزاحمت في ذهني التساؤلات المحيره قبل ان افكر في كتابة هذه السيره ماالهدف من كتابة السيره الذاتيه؟هل هو السعي من اجل الحريه التي تتحقق من خلال الصراع مع كل اشكال السلطة المختلفه التي تتجسد اصلا في الاسرة الابويه ثم تترسخ في كل اشكال مؤسسات المجتمع التربويه والسياسيه والثقافيه.ام ان الهدف هو القاء الضوء بعيون الطفله علي كل خفايا اهلي المهمشين في الصعيد؟ام الكشف عن المستور في مسيرة رفاق الطريق سواء الذين ساندوني او الذين غدروا بي؟! وتقول في موضع اخر لقد قدر لي ان يتزامن مولدي مع نشوب الحرب العالمية الثانيه وعاصرت حرب فلسطين من خلال حكايات امي التي كانت تنقل لي ولشقيقي تفاصيل المعارك والمذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الاطفال والنساءالحوامل في فلسطين. كما شهدت مولد ثورة يوليو1952 وانتميت الي المواقف الوطنيه والسياسات الاجتماعيه للزعيم جمال عبد الناصر كذلك اكتويت باخفاقاتها وانكساراتها خصوصا هزيمة يونية1967 , كما شهدت عودة الامل بعد انتصارنا في حرب اكتوبر1973 الذي تحول الي هزيمة موجعه بزيارة السادات للقدس( نوفمبر1977)ثم توقيعه (1978) لمعاهدة الاستسلام المسماه اتفاقية الصلح مع اسرائيل التي ادت الي تصفية المشروع القومي العربي علاوة علي اعتقالنا مع كوكبة من رفاق النضال الوطني بسبب معارضتنا لهذه الاتفاقيه وانتهت باغتيال السادات ثم تسليم الوطن لزمرة الفساد والاستبداد واخطر اشكال الهيمنة الامريكيه علي مدي ثلاثين عاما. وتصل الدكتوره عواطف في حديثها الي بزوغ فجر ثورة25 يناير2011 لتصفها قائلةاضاءت نفوس المحبطين واليائسين من امكانية حدوث التغيير.لم اكن احلم ان اعيش واشارك في هذا الحدث الاسطوري رغم يقيني بان التغيير قادم ولكن لم اكن اعلم كيف ومتي سيحدث ومن هو الجيل الذي سيبادر الي كسر حاجز الخوف وتحطيم القيود. لقد صمد الشباب وضحوا ب1500 شهيد ومايزيد علي10 الاف مصاب وساندتهم جموع الشعب وثابروا وصابروا وانتصروا في النهايه في ازاحة راس النظام الحاكم. وتشير الدكتوره عواطف الي ان الثوار لايزال امامهم طريق طويل وشاق لاستئصال جذور الفساد التي عششت في دروب الوطن والتهمت احشاءه. وتقوللعل اصدق توصيف للمرحلة الراهنه من ثورة25 يناير ماافصح به احد البسطاء عن المحاولات المستميتة التي يقوم بها الانتهازيون واعداء الثوره بقوله(ان الثورة صنعها الفرسان وخطفها الغربان).وتضيفذكرني ذلك بما صرح به الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عندما استضافني في نوفمبر1967,لجمع المادة العلمية عن صحافة الثورة الجزائرية وشكوت له من غياب المجاهدين واحتجازهم في مبني قديم بعيدا عن العاصمه فيما كان يشغل المناصب الرئاسيه اولئك الذين كانوا خارج الجزائر اثناءقيام الثوره ثم بادروا بالعودة اليهابعد انتصار الثوره لالتهام ثمارها قال بومدين(لاتنسي مأثورة بونابرت الخالده:ان الثورة يخطط لها الاذكياء ويصنع احداثها النبلاء ويجني ثمارها الانتهازيون).