التلوث ظاهرة بالغة الضرر ومواجهتها واجب انساني علي كافة المستويات بدءا من الفرد, المنشأة, الاقليم, الدولة, وانتهاء بالمجتمع الدولي, المواجهة الاقتصادية لتلوث البيئة د. محمد عبدالبديع التلوث ظاهرة بالغة الضرر ومواجهتها واجب انساني علي كافة المستويات بدءا من الفرد, المنشأة, الاقليم, الدولة, وانتهاء بالمجتمع الدولي, ولهذه المواجهة أعباء اقتصادية تتمثل في تكلفة مواجهة التلوث, وهذه التكلفة نوعان الأول هو التكلفة التي يتحملها الفرد أو المنشأة لمواجهة التلوث نتيجة ما يحدثه كل منهما من مخلفات إعمالا للمبدأ القائل بأن من يحدث التلوث يتحمل تكلفة مواجهته. والنوع الثاني من التكلفة هو النفقة الاجتماعية التي يتكبدها المجتمع بسبب التلوث لما ينشأ عنه من إضرار بكل مكونات البيئة المادية أي الهواء, الماء, التربة, المنشآت,..... الخ. أما الأساليب الاقتصادية لمواجهة التلوث فهي متعددة وأهمها الضريبة والمساومة وأذون التلوث التجارية. والضريبة هي محور الأساليب الاقتصادية, وأساس استخدامها في مواجهة التلوث هو المبدأ القائل بأن من يلوث البيئة عليه أن يدفع مقابل إزالة التلوث, وهي جانب آخر تطبيقا لمبدأ الغرم بالغنم, فالمنشأة تمارس نشاطها وتحقق الربح وتلوث البيئة وترفع الضريبة مقابل التلوث, ويواجه استخدام الضريبة في مواجهة التلوث عقبة أساسية هي صعوبة تقييم أضرار التلوث لأن هذه الأضرار تختلف من صناعة إلي أخري ومن منطقة إلي أخري, كما أن هذا التقييم يحتاج إلي قاعدة بيانات ضخمة, هذا فضلا عن أن تراضي حدوث أضرار التلوث عبر فترات زمنية طويلة يجعل تقييم هذه الاضرار من الصعوبة بمكان. ومن مثالب ضريبة التلوث قيام المنشآت التي تفرض عليها بنقل عبئها إلي مستهلكي السلع التي تنتجها المنشآت المفروضة عليها هذه الضريبة, وليست كل ضريبة تفرض علي التلوث يمكن نقل عبئها بل يشترط لذلك أن يكون رفع سعر السلع التي تنتجها المنشأة ممكنا ويتوقف ذلك علي مرونة الطلب علي السلعة ومرونة عرضها. وبرغم مثالب الضريبة علي التلوث فإن لها مناقب مهمة حيث تعمل علي اعادة تخصيص الموارد من الصناعات الملوثة للبيئة إلي الصناعات الأقل تلويثا لها, وتعمل أيضا علي توطين الصناعة في المناطق الأقل تلويثا لها, وتعمل أيضا علي توطين الصناعة في المناطق الأقل تضررا بالتلوث كالمناطق غير الآهلة بالسكان والمناطق النائية, كما تحفز المنشآت علي البحث المستمر لتطوير تقنيات السيطرة علي التلوث, هذا إلي جانب ما تحققه الضريبة من عائد للحكومة يمكن استخدامه في دعم الصناعات التي تحقق مستويات مثلي من التلوث وفي الاتفاق علي البحث العلمي لتطوير التقنية في اتجاه تخفيض التلوث واستخدام هذه الحصيلة أيضا في دعم الصناعات التي تدخل نسق تدوير المخلفات. والأسلوب الثاني من الأساليب الاقتصادية لمواجهة التلوث هو المساومة أي المساومة بين طرفي مشكلة التلوث, أي بين المنشآت المسببة للتلوث والمتضررين منه. وتجري المساومة بين الطرفين علي تعويض تدفعه المنشآت إلي المتضررين لجبر الأضرار التي تصيبهم من التلوث الذي تحدثه المنشأة, أو تجري المساومة علي حوافز يدفعها المتضررون إلي المنشأة لتقليل التلوث. وواضح أن هذا الأسلوب لا يمكن تطبيقه الا حيث يكون عدد المنشآت المسببة للتلوث وعدد المتضررين محدودا. أما إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما بأعداد كبيرة كأصحاب السيارات الذين يلوثون الهواء بعادم الوقود والمتضررين من ذلك وهم جميع سكان المدينة فإن هذا الاسلوب لا يمكن تطبيقه. ومن غير المتصور أن تبحث المنشأة عن المتضررين وتقدم لهم التعويضات طواعية, وإذا سعي المتضررون إليها بطلب التعويض فالأرجح ألا تستجيب لذلك فلا يجد المتضررون بدا من دفع الحوافز إلي المنشأة, ولكن هذه الحوافز لن تكون بالقدر الكافي لتقليل التلوث الأمر الذي يتمخض عن ضرر آخر يلحق هذا الطرف حيث تحصل المنشأة منه علي الحوافز دون تخفيض فعال في حجم التلوث. والأسلوب الثالث من الأساليب الاقتصادية لمواجهة التلوث هو أذون التلوث التجارية حيث تصدر الدولة أذونا بمستويات معينة تختلف حسب النشاط الملوث للبيئة والمنطقة المعرضة لذلك. ولهذه الأذون أسعار تتحدد بمراعاة هذه العوامل وهي قابلة للتداول بالبيع والشراء. وطبقا لهذا النظام يجب علي المنشأة التي تلوث البيئة أن تحصل علي واحد أو أكثر من هذه الاذون عن طريق الشراء ويحق لها تبعا لذلك ممارسة النشاط بمستوي التلوث المحدد بالاذن. وتراعي الدولة في إصدار الاذون أن يكون السماح بالتلوث إلي المستوي الأمثل له. وهذه الوسيلة أي أذون التلوث التجارية مستخدمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولا يصلح هذا الأسلوب الا في البلدان التي حققت مستويات عالية من التقدم الاقتصادي. ولا تناسب الأساليب الاقتصادية الثلاثة ظروف الاقتصاد المصري لما وجه لها من انتقادات مهمة, وكذلك أيضا أسلوب التقنية الذي يواجه انتقادات عدة سبقت الاشارة اليها. يبقي أسلوب التحسين وهو الأكثر ملاءمة لظروف الاقتصاد المصري, ويمكن مواجهة مثالب استخدامه السابق الاشارة إليها بدعم المنشآت التي تستخدم هذا الأسلوب لما يحققه من توزيع عبء مواجهة التلوث بين المنشأة والدولة مع محاولة تحقيق مستوي أمثل من انخفاض التلوث.