بعد مرور أكثر من أسبوع علي حادثة إطلاق الرصاص و إصابة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز وسفره الي فرنسا لتلقي العلاج, فإن الغموض ما زال يلف المشهد في علي أكثر من صعيد, لعل أبرزها ملابسات الحادث نفسه الذي حاولت الجهات الرسمية التقليل من شأنه, بينما ضخمت روايات أخري الحادث إلي حد الذهاب لكونه محاولة إغتيال مدبرة بالإضافة إلي تساؤلات حول من يقود البلاد خلال فترة غياب ولد عبدالعزيز؟! وبين ذلك التهوين أو التهويل يبقي الشارع الموريتاني حائرا, ففور وقوع الحادث حرصت وسائل الإعلام علي التقليل من شأن الحادث وأكدت أن الرئيس دخل المستشفي يسير علي قدميه دون مساعدة وأن إصاباته سطحية وطفيفة, وهو أمر رآه الشارع يتناقض مع تكرار رسالة مقتضبة ظهر فيها الرئيس متعبا وواهنا وقد أخفت الملاءات جسده حتي العنق, ولم يتبين مدي انتشار الجروح وظهرت تسريبات طبية حول إصابة ولد عبد العزيز في البطن وليس إصابات سطحية في ذراعه فقط. كما أن عدم الحديث عن صحة مرافقية وذلك مع وجود تسريبات أن من بين هؤلاء هو أبن عمه وشريكه أحمد ولد عبد العزيز مثير للجدل. وهناك عدة أسباب يمكننا أن نرجع إليها حالة التخبط التي أصابت البلاد, أولها هو تاريخ موريتانيا الحافل بالانقلابات السياسية علي مدي24 عاما خاصة أن هذا الطرح يتوافق مع ثورات ربيع عربي ناجحة أطاحت بحكم دكتاتوري كبل عدة عواصم استفادت منه حركة نشطة للمعارضة تطالب بحتمية رحيل عبدالعزيز بأي شكل. وثانيها: صعوبة الرواية الحكومية التي تقول إن عناصر الجيش إشتبهت في قائد السيارة وهو ولد عبدالعزيز نفسه وأطلقت طلقات تحذيرية لم يستجب لها ثم أضطرت لإطلاق النار عليه, ويقول المشككون أن الرئيس متعود علي سلوك نفس الطريق بصفة أسبوعية ويتساءلون حول إجراءات تأمين المكان. ثالثها: إتهامات للرئيس بالدخول في حرب بالوكالة عن فرنسا في مالي لتحرير مواطنيها الستة المخطوفين وبالتالي إتهمت بعض سيناريوهات في محاولة الاغتيال متطرفين مرتبطين فكريا أو حتي متعاطفين مع مسلحين تابعين للقاعدة في شمال إفريقيا وذلك بالتوازي مع استعدادات لتدخل عسكري من قوات دول غرب افريقيا تدعمها الاممالمتحدة لاستعادة شمال مالي. ويرتبط السبب الرابع بما سبق حيث ذكر بعض المحللين أن حالة من الرفض تسري داخل الجيش للدخول في حرب ضد المسلحين وإن كان ذلك الطرح ليس قويا لاسباب اخري. وبالرغم من هذه التفسيرات وفي محاولة منها لتثبيت الرواية الرسمية, أعلنت الحكومة القبض علي عنصري الأمن المسئولين عن إطلاق الرصاص علي الرئيس. من جانب آخر وفي أمر آخر لا يقل أهمية عن الحادث ينشغل الشارع في الوقت الحالي بمن يقود البلاد خلال فترة علاج ونقاهة الرئيس,فعبد العزيز الذي يبدو أنه لا يعاني من إصابات بالغة لم يعين نائبا له, وسمح ذلك الفراغ الدستوري لقائد الأركان الجنرال القوي محمد ولد الغزواني بالسيطرة علي البلاد, بالإضافة لعدد محدود من ضباط مقربين من الرئيس. ومثلما كان للحادث سلبيات كان له إيجابيات ملحوظة بالنسبة للرئيس الموريتاني, وهي فترة الهدوء في المشهد السياسي الداخلي حيث اتخذت منسقية المعارضة الديمقراطية قرارا بتعليق أنشطتها الاحتجاجية التي كانت تطالب برحيل النظام تضامنا مع الرئيس ورغبة منها في عدم زيادة أجواء عدم الإستقرار, وهو قرار يراه محللون أنه حكيم يستدعي الحكومة للقيام بخطوات كبيرة للإصلاح وبدء جلسات جادة مع المعارضة للحوار وتقريب الرؤي. وبرغم تطمينات ولد عبد العزيز وظهوره علي شاشات التلفاز ليؤكد أنه لايزال مسيطرا علي مقاليد الحكم في هدوء ظاهري في البلاد, فإن غياب الرئيس عن المشهد اليومي بدعوي الإصابة حتي لوكانت الأسباب هي النيران الصديقة من شأنه أن يزيد تعقيد الوضع الداخلي والإقليمي الخطير غير المستقر أساسا, وبالتالي يبقي الإصلاح السياسي والاقتصادي ضمانة وحيدة لإستقرار البلاد والتنمية. [email protected]